آداب الحزن في الإسلام
الأمة العظيمة تكون قوية في أفراحها قوية في أحزانها،لا تضعفها المصائب ولا تزعزعها النوائب كالجبال الراسيات لا تنال منها الأحداث إلا بمثل ما تنال من الجبال الرياح الشديدة.
لهذا كله رسم لنا الإسلام منهجاً في النوازل ينبغي أن نتبع خطاه ولا نبتعد عنه قيد شعرة إذا كنا من ذوي الإيمان الصحيح والعزيمة القوية الجديرة بالحياة.
بل وبين لنا أن الابتلاء لا بد منه،فقال تعالى:{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) } [آل عمران:185،186]
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ سَتَذُوقُ طَعْمَ المَوْتِ،وَتُحِسُّ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ.وَاسْتَدَّلَ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أنَّ الأَرْوَاحَ لاَ تَمُوتُ بِمَوتِ البَدَنِ،لأنَّ الذَّوْقَ شُعُورٌ لاَ يُحِسُ بِهِ إلاَّ الحَيُّ،وَهُوَ تَعَالَى وُحْدَهُ الحَيُّ الذِي لاَ يَمُوتُ.وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُحْشَرُ النَّاسُ إلى الله،وَتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ أجُورَهَا عَمَّا اكْتَسَبَتْهُ مِنْ أَعْمَالٍ،فَمِنْ جُنِّبَ النَّارَ،وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ،فَقَدْ فَازَ كُلَّ الفَوْزِ .وَالحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلاَّ مَتَاعاً تَافِهاً زَائِلاً،صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ مَخْدُوعٌ،وَهُوَ مَتَاعٌ مَتْرُوكٌ يُوشِكُ أنْ يَضْمَحِلَّ عَنْ أهْلِهِ.يُسَلّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ r،وَيَقُولُ لَهُ:إنَّهُ وَأصْحَابَهُ سَيَلْقَوْنَ مِنَ الكُفْارِ أَذًى كَثِيراً فِي النَّفْسِ وَالمَالِ،كَمَا لَقُوهُ مِنْهُمْ مِنْ أَذًى يَوْمَ أحُدٍ،وَعَلَى المُؤْمِنِينَ أنْ يُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ،إذْ لاَ بُدَّ مِنْ أنْ يَبْتَلِيَ اللهُ المُؤْمِنَ فِي شَيءٍ مِنْ مَالِهِ،أوْ نَفْسِهِ أو وَلَدِهِ أوْ أَهْلِهِ...وَابْتَلاءُ المُؤْمِنِ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ،فَإنْ كَانَ فِيهِ صَلاَبَةٌ فِي دِينِهِ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ.وَنَبَّهَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمُ وَالمُؤْمِنِينَ عِنْدَ مَقْدَمِهِمْ إلَى المَدِينَةِ ( وَقَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ) إلَى أَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ مِنَ اليَهُودِ وَمِنَ المُشْرِكِينَ أَذًى كَثِيراً:مِنَ التَّقَوُّلِ وَالإِرْجَافِ،وَنَقْضِ العُهُودِ وَبَثِّ الشَّائِعَاتِ،وَمُحَاوَلَةِ الإِيذَاءِ...وَيَأمر اللهُ نَبِيَّهُ وَالمُؤْمِنينَ بِالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ وَالعَفْوِ حَتَّى يُفَرِّجَ اللهُ،وَلا يَصْبِرُ عَلَى احْتِمَالِ ذَلِكَ إلاَّ أولُو العَزْمِ الأَقْويَاءُ .[1]
إنه لا بد من استقرار هذه الحقيقة في النفس:حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة،محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما .. يموت الصالحون ويموت الطالحون. يموت المجاهدون ويموت القاعدون. يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد. يموت الشجعان الذين يأبون الضيم،ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن .. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية،ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص.الكل يموت .. «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» .. كل نفس تذوق هذه الجرعة،وتفارق هذه الحياة .. لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع. إنما الفارق في شيء آخر.
الفارق في قيمة أخرى. الفارق في المصير الأخير:«وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» ..هذه هي القيمة التي يكون فيها الافتراق. وهذا هو المصير الذي يفترق فيه فلان عن فلان. القيمة الباقية التي تستحق السعي والكد. والمصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب:«فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» ..ولفظ «زُحْزِحَ» بذاته يصور معناه بجرسه،ويرسم هيئته،ويلقي ظله! وكأنما للنار جاذبية تشد إليها من يقترب منها،ويدخل في مجالها! فهو في حاجة إلى من يزحزحه قليلا قليلا ليخلصه من جاذبيتها المنهومة! فمن أمكن أن يزحزح عن مجالها،ويستنقذ من جاذبيتها،ويدخل الجنة .. فقد فاز ..صورة قوية. بل مشهد حي. فيه حركة وشد وجذب! وهو كذلك في حقيقته وفي طبيعته. فللنار جاذبية! أليست للمعصية جاذبية؟ أليست النفس في حاجة إلى من يزحزحها زحزحة عن جاذبية المعصية؟ بلى! وهذه هي زحزحتها عن النار! أليس الإنسان - حتى مع المحاولة واليقظة الدائمة - يظل أبدا مقصرا في العمل .. إلا أن يدركه فضل اللّه؟ بلى! وهذه هي الزحزحة عن النار حين يدرك الإنسان فضل اللّه،فيزحزحه عن النار! «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ» ..
إنها متاع. ولكنه ليس متاع الحقيقة،ولا متاع الصحو واليقظة .. إنها متاع الغرور. المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعا. أو المتاع الذي ينشئ الغرور والخداع! فأما المتاع الحق. المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله .. فهو ذاك .. هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة عن النار.
وعند ما تكون هذه الحقيقة قد استقرت في النفس. عند ما تكون النفس قد أخرجت من حسابها حكاية الحرص على الحياة - إذ كل نفس ذائقة الموت على كل حال - وأخرجت من حسابها حكاية متاع الغرور الزائل ..
عندئذ يحدث اللّه المؤمنين عما ينتظرهم من بلاء في الأموال والأنفس. وقد استعدت نفوسهم للبلاء:«لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ،وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
إنها سنة العقائد والدعوات. لا بد من بلاء،ولا بد من أذى في الأموال والأنفس،ولا بد من صبر ومقاومة واعتزام.
إنه الطريق إلى الجنة. وقد حفت الجنة بالمكاره. بينما حفت النار بالشهوات.
ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره،لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة،وتنهض بتكاليفها. طريق التربية لهذه الجماعة وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال. وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة.
ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودا. فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها إذن والصبر عليها ..فهم عليها مؤتمنون.
وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم وتغلو،بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء،وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغال. فلا يفرطوا فيها بعد ذلك،مهما تكن الأحوال.
وذلك لكي يصلب عود الدعوة والدعاة. فالمقاومة هي التي تستثير القوى الكامنة،وتنميها وتجمعها وتوجهها.
والدعوة الجديدة في حاجة إلى استثارة هذه القوى،لتتأصل جذورها وتتعمق وتتصل بالتربة الخصبة الغنية في أعماق الفطرة ..وذلك لكي يعرف أصحاب الدعوة حقيقتهم هم أنفسهم وهم يزاولون الحياة والجهاد مزاولة عملية واقعية. ويعرفوا حقيقة النفس البشرية وخباياها. وحقيقة الجماعات والمجتمعات. وهم يرون كيف تصطرع مبادئ دعوتهم،مع الشهوات في أنفسهم وفي أنفس الناس. ويعرفون مداخل الشيطان إلى هذه النفوس،ومزالق الطريق،ومسارب الضلال! ثم .. لكي يشعر المعارضون لها في النهاية أنه لا بد فيها من خير،ولا بد فيها من سر،يجعل أصحابها يلاقون في سبيلها ما يلاقون وهم صامدون .. فعندئذ قد ينقلب المعارضون لها إليها .. أفواجا .. في نهاية المطاف! إنها سنة الدعوات. وما يصبر على ما فيها من مشقة ويحافظ في ثنايا الصراع المرير على تقوى اللّه،فلا يشط فيعتدي وهو يرد الاعتداء ولا ييأس من رحمة اللّه ويقطع أمله في نصره وهو يعاني الشدائد .. ما يصبر على ذلك كله إلا أولو العزم الأقوياء :« وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
وهكذا علمت الجماعة المسلمة في المدينة ما ينتظرها من تضحيات وآلام. وما ينتظرها من أذى وبلاء في الأنفس والأموال. من أهل الكتاب من حولها. ومن المشركين أعدائها .. ولكنها سارت في الطريق. لم تتخاذل،ولم تتراجع،ولم تنكص على أعقابها .. لقد كانت تستيقن أن كل نفس ذائقة الموت. وأن توفية الأجور يوم القيامة. وأنه من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وأن الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور .. على هذه الأرض الصلبة المكشوفة كانت تقف وفي هذا الطريق القاصد الواصل كانت تخطو .. والأرض الصلبة المكشوفة باقية لأصحاب هذه الدعوة في كل زمان. والطريق القاصد الواصل مفتوح يراه كل إنسان. وأعداء هذه الدعوة هم أعداؤها،تتوالى القرون والأجيال وهم ماضون في الكيد لها من وراء القرون والأجيال ..والقرآن هو القرآن ..
وتختلف وسائل الابتلاء والفتنة باختلاف الزمان وتختلف وسائل الدعاية ضد الجماعة المسلمة،ووسائل إيذائها في سمعتها وفي مقوّماتها وفي أعراضها وفي أهدافها وأغراضها .. ولكن القاعدة واحدة:«لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً»! ولقد حفلت السورة بصور من مكايد أهل الكتاب والمشركين وصور من دعايتهم للبلبلة والتشكيك.
أحيانا في أصول الدعوة وحقيقتها،وأحيانا في أصحابها وقيادتها. وهذه الصور تتجدد مع الزمان. وتتنوع بابتداع وسائل الدعاية الجديدة،وتوجه كلها إلى الإسلام في أصوله الاعتقادية،وإلى الجماعة المسلمة والقيادة الإسلامية. فلا تخرج على هذه القاعدة التي كشف اللّه عنها للجماعة المسلمة الأولى،وهو يكشف لها عن طبيعة الطريق،وطبيعة الأعداء الراصدين لها في الطريق ..
ويبقى هذا التوجيه القرآني رصيدا للجماعة المسلمة كلما همت أن تتحرك بهذه العقيدة،وأن تحاول تحقيق منهج اللّه في الأرض فتجمعت عليها وسائل الكيد والفتنة،ووسائل الدعاية الحديثة،لتشويه أهدافها،وتمزيق أوصالها .. يبقى هذا التوجيه القرآني حاضرا يجلو لأبصارها طبيعة هذه الدعوة،وطبيعة طريقها. وطبيعة أعدائها الراصدين لها في الطريق. ويبث في قلبها الطمأنينة لكل ما تلقاه من وعد اللّه ذاك فتعرف حين تتناوشها الذئاب بالأذى،وحين تعوي حولها بالدعاية،وحين يصيبها الابتلاء والفتنة .. أنها سائرة في الطريق،وأنها ترى معالم الطريق! ومن ثم تستبشر بالابتلاء والأذى والفتنة والادعاء الباطل عليها وإسماعها ما يكره وما يؤذي .. تستبشر بهذا كله،لأنها تستيقن منه أنها ماضية في الطريق التي وصفها اللّه لها من قبل. وتستيقن أن الصبر والتقوى هما زاد الطريق. ويبطل عندها الكيد والبلبلة ويصغر عندها الابتلاء والأذى وتمضي في طريقها الموعود،إلى الأمل المنشود .. في صبر وفي تقوى .. وفي عزم أكيد ..[2]
ولما كانت الغالبية من الناس تنسى عند المصائب وتخرج عن طورها في النائبات حتى تقع في شر عملها وتضاعف من مصيبتها وتظهر بمظهر القلق المضطرب وتخسر كثيراً من أموالها،لهذا كله اذكِّر هذه الأسر بممارسة الإسلام حين ينزل بهم ما لا بد منه من النكبات والمصائب.
1- الترجيع عند المصيبة،قال تعالى:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة:155 - 157]
وعن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -r- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ:" مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا،إِلَّا آجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "،قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ r،قَالَتْ: ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لِي فَقُلْتُهَا: اللهُمَّ أْجُرْنِي عَنْ مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا،قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ r.[3]
2- الصبر،فعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ r،مَرَّ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ تَبْكِي،فَقَالَ:يَا هَذِهِ،اصْبِرِي،فَقَالَتْ:إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا مُصَابِي فَقِيلَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ:هَذَا رَسُولُ اللهِ r،فَأَتَتْهُ،فَقَالَتْ:لَمْ أَعْرِفْكَ.[4]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ - r- بِامْرَأَةٍ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ « اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى ».قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّى،فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِى،وَلَمْ تَعْرِفْهُ.فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِىُّ - r-.فَأَتَتْ بَابَ النَّبِىِّ - r- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ.فَقَالَ « إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى »[5] .
3- ترك النوح والدعوة بدعوة الجاهلية،وشوق الجبيب،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ وَضَرَبَ الْخُدُودَ وَدَعَا بِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ ».[6]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rلَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ،وَقَالَ:لَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي الْجِنَازَةِ نَصِيبٌ."[7]
وعَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -r- فِى الْمَعْرُوفِ الَّذِى أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لاَ نَخْمِشَ وَجْهًا وَلاَ نَدْعُوَ وَيْلاً وَلاَ نَشُقَّ جَيْبًا وَأَنْ لاَ نَنْشُرَ شَعْرًا.[8]
وعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ:مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ،وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ."[9]
4- النهي عن الحداد فوق ثلاث إلا على زوج،هذا وقد جرت عادة بعض النساء أن تحزن على أبيها وأخيها سنين طويلة فنهى الإسلام عن ذلك،فعَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ،عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ،أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّلاَثِ،قَالَتْ زَيْنَبُ:دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ،فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبِ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ،أَوْ غَيْرُهُ،فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً،ثُمَّ مَسَّتْ بِهِ بَطْنَهَا،ثُمَّ قَالَتْ:وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ،إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.[10]
وقد تفنن البسطاء في وضع القيود للمرأة في عدتها،وكل ذلك لا أصل له في الدين إلا أن تترك الزينة فقط خلال هذه المدة،ولا تخرج من بيتها إلا لضرورة،ولا تخطب ولا تتزوج أثناء العدة
كما جرت العادة أيضاً في أكثر البيوتات إقامة الولائم على روح الميت في يوم خميسه ويومه الثالث ويوم الأربعين وبعد انقضاء سنة على وفاته،وكل ذلك لا أصل له في الدِّين،بل هو من البدع التي تسبب تبذير أموال الأيتام والأرامل. بل السنَّة في ذلك أن يقدِّم الأصحاب لأهل الميت الطعام،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ،قَالَ:لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ حِينَ قُتِلَ،قَالَ النَّبِيُّ r: اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا،فَقَدْ أَتَاهُمْ أمْرٌ يَشْغَلُهُمْ،أَوْ أتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ."[11]
____________
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 478)
[2] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 538)
[3] - صحيح مسلم- المكنز - (2166 )
[4] - صحيح ابن حبان - (7 / 154) (2895) وصحيح البخارى- المكنز - (1252)
[5] - صحيح البخارى- المكنز - (1283 )
[6] - سنن الترمذى- المكنز - (1015 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[7] - كشف الأستار - (1 / 376) (793) فيه ضعف
[8] - سنن أبي داود - المكنز - (3133 ) صحيح
[9] - كشف الأستار - (1 / 377)(795) حسن
[10] - صحيح البخارى- المكنز - (5334) وصحيح ابن حبان - (10 / 140) (4304)
[11] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 546)(1751) صحيح
وانظر تفاصيل هذا الموضوع في كتابي (( الاستعداد للموت)) ط2