آداب النزهات
وهي نوع محبَّب إلى النفس. وكما أن فيها ترويحًا كبيرًا وإنعاشًا للنفس فهي فرصة سانحة لأن يتأمّل المسلمُ ملكوتَ السموات والأرض،{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (185) سورة الأعراف.
وثمةَ توجيهات مهمّة للخارجين لهذه الرحلات البرية فمنها:
1- إخلاص النية في ترويح القلب،وإراحة الجسم للتقوِّي على طاعة الله تعالى،والعودة لتنفيذ أوامر الله بهمة أعلى،وعزيمة أقوى.
2- أنه يجب عليهم الحرصُ على الاستيقاظِ لصلاة الفجر،فإن الغالب على من يخرج إلى مثل هذه الأماكن السهرُ الطويل الذي يفوِّتُ عليهم أداءها في وقتها. وعليهم معرفة دخول الوقت والحرص على الصلاة في وقتها،لما صح عنه عندما سئل عن أفضل الأعمال،فعن أبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ قال:حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ - r- أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ».قَالَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ».قَالَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ».قَالَ حَدَّثَنِى بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى .[1]
ومما يبشَّر به من خرج للبر أن في محافظته على الصلاة في ترحاله أجرًا عظيمًا،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً،وَإِنْ صَلاَّهَا بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَأَتَمَّ وُضُوءَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ صَلاَتُهُ خَمْسِينَ دَرَجَةً." [2] .
وكذا الأذان في الفلاة فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِىِّ ثُمَّ الْمَازِنِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ لَهُ « إِنِّى أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ،فَإِذَا كُنْتَ فِى غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ،فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - r-رواه البخاري.[3]
ومن المسائل المهمة التأكد من القبلة والاجتهاد في ذلك،فإن اجتهد وصلّى وتحرّى القبلة فصلاته صحيحة،ولو اكتشف بعد الانتهاء من الصلاة أنه صلّى إلى غير القبلة فلا يعيد وصلاته صحيحة.
3- ومما ينبغي مراعاته في البر عدم تقذير الأماكن التي يرتادها الناس من ظلّ أو عشب، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِى الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ ». رواه أبو داود[4]
ويقاس على ذلك رمي مخلّفات الأكل الورقية والبلاستيكية. وأقبح منه ما تفعله بعض النساء من رمي حفائظ الأطفال. وما أحسن إحراق هذه المخلفات قبل الارتحال من المكان ليسلم من أذاها من أتاها من إنسان أو حيوان.
4- ومن تلك الآداب عدم إيذاء الناس،وخصوصًا ما يقع من بعض الشباب ـ هداهم الله ـ من التفحيط والتطعيس والمرور أمام النساء في البر والتعرّض لهن فجأة،والله يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (58) سورة الأحزاب.
والذَينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،بِأَنْ يَنْسبُوا إِليهِمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلُوهَا عَلى سَبيلِ العَيْبِ والتَّنَقُّصِ،فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ قَدِ اجْتَرحُوا كَذِباً فَظِيعاً،وَذَنباً عَظِيماً وَاضِحاً،فَالذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ،وَالذِينَ يُؤْذُونَ الرَّسُولَ يُؤْذُونَ اللهَ [5].
وعَنْ حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدٍ،أَنّ النَّبِيَّ r،قَالَ:" مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ ".[6]
5- وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت للبر الاحتشام وحفظ حيائها ومراقبة ربها وعدم تبرجها بحضرة الرجال الأجانب،فالحجاب لا يرتبط بمكان أو زمان معين؛ بل هو أمرٌ من الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب
6- ومن الآداب ذِكْرُ الدعاء عند النزول وتعويد الأطفال عليه،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَدَغَتْ عَقْرَبٌ رَجُلاً فَلَمْ يَنَمْ لَيْلَتَهُ فَقِيلَ لِلنَّبِىِّ -r- إِنَّ فُلاَنًا لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَلَمْ يَنَمْ لَيْلَتَهُ. فَقَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَالَ حِينَ أَمْسَى أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ - مَا ضَرَّهُ لَدْغُ عَقْرَبٍ حَتَّى يُصْبِحَ ».[7]
،لكن هذا الدعاء لا يعني تركَ الأخذ بالأسباب الواقية من الأذى،ومِن أخذ الأسباب عند المبيت والنزول أن يحذر الأماكن الخطرة كأماكن جريان السيول،وأما الذين يخاطرون بالذهاب لمواقع تنقطع فيها أسباب النجاة أو تَقِلُّ فهم آثمون.[8]
7- السمع والطاعة للمشرف على الرحلة أو النزهة بشكل كامل ومطلق.
8- التقيد التام،والالتزام المطلق ببرنامج الرحلة ومواقيت حركاته،وخطوات تنقلها.
9- تجنب الابتعاد عن الركب،وترك الجماعة لأي سبب كان إلا بإذن من المشرف.
10- التحلي بالأخلاق الحسنة الخاصة بالمعاملات،كالصدق والأمانة والإيثار،والصبر والحلم والتواضع،وطلاقة الوجه،ولين الكلام.
11- اعتنام الوقت بالتفكير في بديع صنع الله،وذكر الله تعالى،وأداء فرائض الله والمحافظة عليها،وسرد الأحاديث المعينة والممتعة لجميع الحاضرين. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ rلِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ،شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ،وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ،وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ "[9]
وعَنْ مُعَاذٍ،قَالَ:كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ rفَقَالَ:يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ قَالَ:قُلْتُ:اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ:أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا قَالَ:فَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.قَالَ:لاَ يُعَذِّبُهُمْ."[10]
12- المسارعة إلى الخدمة،والمشاركة في إعداد متطلبات الرحلة وتحضير لوازمها.
13- تجنب الاختلاط،والابتعاد عن الممنوعات والمحرمات،والحرص على راحة الأصدقاء.
______________
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح البخارى- المكنز - (527)
[2] - مصنف ابن أبي شيبة - (2 / 479) (8476) صحيح
[3] - صحيح البخارى- المكنز - (609 )
[4] - سنن أبي داود - المكنز - (26 ) صحيح لغيره -الموارد : المجارى والطرق إلى الماء واحدها مورد
[5] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3472)
[6] - المعجم الكبير للطبراني - (3 / 296) (2978) حسن
[7] - سنن ابن ماجه- المكنز - (3647 ) صحيح
[8] - انظر موسوعة خطب المنبر - الإصدار الثاني - (1 / 5580)
[9] - شعب الإيمان - (12 / 476) (9767 ) صحيح
[10] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (7 / 342)(21991) 22341- وصحيح البخارى- المكنز - (7373 ) وصحيح مسلم- المكنز - (154)