آداب الزيارة
فضل الزيارة في الله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r: أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى،قَالَ:فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا،فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ،قَالَ:أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ:أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ،فقَالَ لَهُ:هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ:لاَ،غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللهِ،قَالَ:فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ،إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. أخرجه مسلم[1]
وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ،أَنَّهُ قَالَ:دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا،وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ،إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ،أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ،وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ،فَسَأَلْتُ عَنْهُ،فَقِيلَ:هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ،هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ،وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي،قَالَ:فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ،ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ:وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ،فقَالَ:آللَّهُ ؟ قُلْتُ:آللَّهُ،فَأَخَذَ بِحَبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ:أَبْشِرْ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولَ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ،وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ،وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ.[2]
الإكثار من الزيارة لأهل الخير:
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - r- قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - r- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ،وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ،فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " أخرجه البخاري [3]
وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ،إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - r- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،فَلَمَّا ابْتُلِىَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ،حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ - وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ - فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِى قَوْمِى فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِى الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّى.قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ،فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَتَصِلُ الرَّحِمَ،وَتَحْمِلُ الْكَلَّ،وَتَقْرِى الضَّيْفَ،وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ،وَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ.فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ،فَرَجَعَ مَعَ أَبِى بَكْرٍ،فَطَافَ فِى أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ،فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ،وَلاَ يُخْرَجُ،أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ،وَيَصِلُ الرَّحِمَ،وَيَحْمِلُ الْكَلَّ،وَيَقْرِى الضَّيْفَ،وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ،وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ،وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ،فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا.قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِى بَكْرٍ،فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِى غَيْرِ دَارِهِ،ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ،وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ،يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ،فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ،فَقَالُوا لَهُ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ،وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ،فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ،وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا،فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِى دَارِهِ فَعَلَ،وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ،فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ،وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِى بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ.قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ،فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِى عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ،فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَىَّ ذِمَّتِى،فَإِنِّى لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّى أُخْفِرْتُ فِى رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنِّى أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ،وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ.وَرَسُولُ اللَّهِ - r- يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- « قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ،رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ ».وَهُمَا الْحَرَّتَانِ،فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - r-،وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ،وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - r- « عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى ».قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِى أَنْتَ قَالَ « نَعَمْ ».فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - r- لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [4].
الطلب من العلماء وأهل الخير الإكثار من الزيارة:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- لِجِبْرِيلَ « مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (64) سورة مريم.أخرجه البخاري[5]
فَالمَلاَئِكَةُ الكِرَامُ لاَ تَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّهِم الَّذِي لَهُ أَمْرُ الدُّنْيَا ( مَا بَيْنَ أَيْدِينَا )،وَلَهُ أَمْرُ الآخِرَةِ ( وَمَا خَلْفَنَا )،وَمَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،وَلاَ يَنْسَى اللهُ شَيْئاً،وَلاَ تَطْرَأُ عَلَيْهِ غَفْلَةٌ سُبْحَانَهُ،وَإِنَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ إِنْ كَانَ قَدْ أَخَّرَ الوَحْيَ عَنِ الرَّسُولِ rفِي بَعْضِ الأَحْيَانِ،فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ يَعْرِفُهَا هُوَ [6].
لا يؤم الزائر صاحب الدار ولا يجلس على فراشه إلا بإذنه:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: يَؤُمُّ الْقَوْمُ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ،فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً،فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلاَ يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ وَلاَ فِي فُسْطَاطِهِ وَلاَ يَقْعُدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ." أخرجه مسلم[7]
احتفاء صاحب المنزل بمن زاره:
قال الله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) } [الذاريات:24 - 30]
هل أتاك -أيها الرسول- حديث ضيف إبراهيم الذين أكرمهم- وكانوا من الملائكة الكرام- حين دخلوا عليه في بيته،فحيَّوه قائلين له: سلامًا،فردَّ عليهم التحية قائلا سلام عليكم،أنتم قوم غرباء لا نعرفكم.فعَدَلَ ومال خفية إلى أهله،فعمد إلى عجل سمين فذبحه،وشواه بالنار،ثم وضعه أمامهم،وتلَّطف في دعوتهم إلى الطعام قائلا ألا تأكلون؟
فلما رآهم لا يأكلون أحسَّ في نفسه خوفًا منهم،قالوا له: لا تَخَفْ إنا رسل الله،وبشروه بأن زوجته "سَارَةَ" ستلد له ولدًا،سيكون من أهل العلم بالله وبدينه،وهو إسحاق عليه السلام.فلما سمعت زوجة إبراهيم مقالة هؤلاء الملائكة بالبشارة أقبلت نحوهم في صيحة،فلطمت وجهها تعجبًا من هذا الأمر،وقالت: كيف ألد وأنا عجوز عقيم لا ألد،قالت لها ملائكة الله: هكذا قال ربك كما أخبرناك،وهو القادر على ذلك،فلا عجب من قدرته. إنه سبحانه وتعالى هو الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها،العليم بمصالح عباده.[8]
أن يطعم الزائر مما يقدم له:
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rزَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ " أخرجه البخاري[9]
التعريض أو القيام من صاحب المنزل إذا أطال الزوار الجلوس:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - r- زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ،فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا،فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ،فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ،وَقَعَدَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ فَجَاءَ النَّبِىُّ - r- لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا،فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ - r- أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا،فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ،فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} (53) سورة الأحزاب[10]
يَا أَيُّها المُؤِمنُونَ لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ rإِلاَّ أَنْ تُدْعَوْا إِلى طعام تَطْعَمُونَهُ غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ إِدْرَاكَ نُضْجِهِ،( أَي إِذا دُعِيتُم إِلى طَعَامٍ في بَيْتِ رَسُولِ اللهِ فَلا تَدْخُلُوا إِلا إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الطَّعَامَ قَدْ تَمَّ نُضْجُهُ وإِعْدَادُهُ ) وَلكِنْ إِذا دَعَاكُمُ النَّبِيُّ إِلى الدُّخُولِ فَادخُلُوا،فَإِذَا أَكَلْتُمُ الطَّعَامَ فَانصَرِفُوا،وَلا تَمْكُثُوا فِيهِ لِتَبَادُلِ الحَدِيثِ،فَذَلِكَ اللُبْثُ،بَعْدَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ،كَانَ يُؤِْي النَّبِيَّ،وَيُثْقِلُ عَليهِ وَعَلى أَهْلِهِ،وَلكِنَّهُ كَانَ يَسْتَحْيِي مِنْ أَنْ يَقُولَ لَكُمْ ذَلِكَ،وَأَنْ يَدْعُوَكُمْ إِلى الانْصِرَافِ،وَاللهُ الذِي يُريدُ أَنْ يُحْسِنَ تَرِبيتَكم وَتَأدِيبكُمْ،يُريدُ أَنْ يَقُولَ لَكُمُ الحَقَّ لتَعمَلُوا بِهِ،فَإِذا طَعِمْتُم فِي بَيتِ النَّبِيِّ rفَاخْرُجُوا،وَلاَ تَقْعُدُوا لِلْحَدِيثِ.وَإِذا طَلَبْتُم مِنْ أَزواجِ النَّبِيِّ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ شَيئاً تَتَمَتَّعُونَ بِهِ،مِنْ مَاعُونٍ،وَغيرِهِ،فَاطْلُبُوهُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ.وَذلِكَ الدُّخُولُ بَعْدَ الاسْتِئِذَانِ،وَعَدَمُ البَقَاءِ بَعْدَ الطَّعَامِ للاسْتِئْنَاسِ بِالحَدِيثِ،وَسُؤالُ نِسَاءِ النَّبِيِّ المَتَاعَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.. كُلُّ ذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِ الرِّجَالِ وَقُلُوبِ النِّسَاءِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ،وَأَبْعَدُ عَنْ الرِّيبِ والشُّكُوكِ،وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُؤِمِنينَ أَنْ يَفْعَلُوا فَعْلاً فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ يُؤْذِيهِ وَيُزْعِجُهُ،وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤْذُوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالتَّزَوٌّجِ بِنِسَائِهِ.فَإِيذَاءُ النَّبِيِّ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ هُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالى .[11]
زيارة العالم والكبير لوجهاء القوم:
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - r- قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ،وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - r- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،ثُمَّ بَدَا لأَبِى بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ،فَكَانَ يُصَلِّى فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ،وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ،فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .أخرجه البخاري [12]
وعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ - r- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ،وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَارَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ،وَفِى الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ،وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ،فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ،قَالَ لاَ تُغَيِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ النَّبِىُّ - r- وَوَقَفَ وَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا،فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِى مَجْلِسِنَا،وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ.قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِى مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ - r- حَتَّى سَكَتُوا فَرَكِبَ النَّبِىُّ - r- دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ « أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ ».يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ.قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَلَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا أَعْطَاكَ وَلَقَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ،فَذَلِكَ الَّذِى فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ .[13]
زيارة العالم والكبير بيوت الفقراء:
عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ rزَارَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ "[14]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ فِى الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا،فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ،فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ،فَصَلَّى عَلَيْهِ،وَدَعَا لَهُمْ.أخرجه البخاري[15]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - r- لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ،فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ « قُومُوا فَلأُصَلِّىَ بِكُمْ ».فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ،فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - r- وَالْيَتِيمُ مَعِى،وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا،فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ.متفق عليه[16]
_____________
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - صحيح ابن حبان - (2 / 331) (572) وصحيح مسلم- المكنز - (6714)
فأرصد الله له على مدرجته : أرصدت على طريق فلان قوما : إذا وكلتهم بحفظه ، والمدرجة : الطريق.
[2] - صحيح ابن حبان - (2 / 335) (575) صحيح
[3] - صحيح البخارى- المكنز - (476 )
[4] - صحيح البخارى- المكنز - (2297 )
نخفر : ننقض العهد -المعدوم : الشىء المعدوم الذى لا يجدونه أو الفقير الذى صار كالمعدوم -يتقصف : يزدحم -تكسب : تعطى المال للفقير
[5] - صحيح البخارى- المكنز - (4731 )
[6] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 2314)
[7] - صحيح ابن حبان - (5 / 516) (2144) وصحيح مسلم- المكنز - (1566)
التكرمة : الفراش والبساط الخاص بصاحب المنزل
[8] - التفسير الميسر - (9 / 290)
[9] - صحيح ابن حبان - (6 / 84) (2309) وصحيح البخارى- المكنز - (6080 )
[10] - صحيح البخارى- المكنز - (4791 )
[11] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3467)
[12] - صحيح البخارى- المكنز - (476 )
[13] - صحيح البخارى- المكنز - (5663 )
شرق : غص به ولم يسيغه والمراد أنه حسد النبى -العجاجة : ما ارتفع من غبار حوافرها -الإكاف : البرذعة
[14] - صحيح ابن حبان - (6 / 84) (2309) صحيح
[15] - صحيح البخارى- المكنز - (6080 )
[16] - صحيح البخارى- المكنز - (860 ) وصحيح مسلم- المكنز - (1533 ) -لبس : استعمل