العلاقات بين الدول ليس فيها صداقات أو عداوات دائمة.. بل تحكمها وتؤثر فيها المصالح الاستراتيجية التي تحقق لكل طرف غاياته وأهدافه وقدرته علي التأثير اقليمياً ودولياً ولم يكن خافياً علي أحد ان علاقات مصر الاقليمية تأثرت بالسلب والايجاب حسب المزاج الشخصي لرأس النظام الذي حكم لثلاثة عقود متصلة فشهدت سلسلة من المتناقضات لا علاقة لها من بعيد أو قريب بمصالح الدولة ولم يكن هناك أي اتجاه لاستثمار المتغيرات التي طرأت علي الساحتين الاقليمية والدولية لان الرغبة كانت غائبة من الاساس.. ولم يكن هناك سوي »التخديم« علي السياسة الامريكية التي تدير سياستها وفق استراتيجية واضحة ومحددة المعالم »تحقيق المصالح وفرض الهيمنة« ومناذلة الحكام بالابقاء عليهم فوق كراسي السلطة حتي تنتهي أدوارهم وربما وضوح تلك السياسة جعل معظم الحكام وفي مقدمتهم مبارك يخضعون لاملاءات واشنطن ويخلعون ومغازلة في سبيل تحقيق ذلك ملابسهم قطعة قطعة »استربتيز« لارضائها. السياسة الامريكية تباينت مصالحها في المنطقة العربية وعلي ضوء هذا التباين كان نظام الحكم يتخذ قبلته بما يتوافق مع مزاجه أيضاً. هنا سنتوقف أمام علاقات مصر الاقليمية.. السعودية والامارات العربية ـ ايران وهذه الدول تملك تأثيراً وثقلاً دولياً علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية. لكن تباينت السياسة المصرية في العلاقات مع كل دولة حسب البوصلة الامريكية. وباختفاء رأس النظام من المشهد السياسي تغيرت خريطة العلاقات.. فعدو الامس يمكن أن يصبح صديق اليوم.. وهو ما حدث تجاه ايران.. الامر الذي أغضب أنظمة الدول التي ارتبط معها مبارك بعلاقات شخصية. فكانت الطامة... بأن خرجت ردود الافعال تمثل صدمة للرأي العام المصري.. البداية هي المعلومات التي تسربت من دولة الامارات العربية بمنع التأشيرات للمصريين واعتبرها البعض نوعاً من الاحتجاج علي الثورة ضد مبارك لكن سرعان ما جري نفي ذلك رسمياً... وذهب هؤلاء بأطروحاتهم بأن العلاقة الشخصية بين مبارك وحكام الامارات متينة وقوية. المثير ان الحديث عن منع التأشيرات تزامن مع زيارة عبدالله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي الي مصر. وأجري مشاورات مع الحكومة وعلي خلفية تلك المشاورات ترددت الانباء عن انه طلب سفر »مبارك« للامارات وهو ما جري نفيه. ومؤخراً قدمت السعودية دعماً قيمته 4 مليارات دولار للخروج من الازمة الافتصادية. وهو ما جري تفسير ذلك بأنه نوع من المقايضة بمنع محاكمة مبارك وأسرته.. باعتبار ان الرئيس السابق كان مرتبطاً بعلاقات شخصية مع الاسرة الحاكمة السعودية مثلما جري مع الامارات. وهذا لا ينفي تماماً تنامي العلاقات السياسية بين كل من الامارات والسعودية علي المستويين الرسمي والشعبي لكن مع استمرار الدولة وأجهزتها في مصر في محاكمة مبارك وعدم مغادرته للبلاد لاتهامه في العديد من قضايا الفساد والامر بقتل الثوار. خرجت من السعودية عدة قرارات من شأنها تقليص العمالة المصرية وعدم السماح لاي أجنبي بالبقاء في السعودية أكثر من 6 سنوات وهو الامر الذي من شأنه إنهاء عمل 1.6 مليون من العاملين في شتي المجالات وعودتهم مرة أخري لمصر التي تعاني من البطالة.
تزامن هذه القرارات مع أجواء التفاعل بمحاكمة مبارك ذهب بالبعض لان يتهكن بأن الـ»4« مليارات دولار ليست سوي وسيلة للضغط علي الحكومة المصرية التي تعاني من أزمات اقتصادية بعد الثورة فرض الافراج عن مبارك وكذلك فرملة التقارب المصري ـ الايراني الذي بدأ يلوح في الافق من خلال تصريحات رسمية صدرت من نبيل العربي وزير الخارجية الذي رأي ضرورة اتساع أفق السياسة المصرية وتقوية نفوذها في المنطقة وخاصة أن هناك علاقات تاريخية تربط بين مصر وايران.
مخاوف السعودية من التقارب المصري ـ الايراني يبدو من الامور التي تتفق مع مشروعها الاستراتيجي في أن تكون قوة مؤثرة ولاعباً رئيسياً في كل أحداث المنطقة وخاصة أن صراعاً خفياً يدور بين السعودية وايران التي تحاول كل منهما فرض النفوذ في منطقة الشرق الاوسط.. السعودية بما تملكه من ثروات وقدرات اقتصادية وتأثير في المحيط العربي وايران تتجه بقوة لان تكون قوة ردع نووية.
الصراع بين الدولتين لم يكن بعيداً عن أصابع الولايات المتحدة الامريكية التي تري في ايران تهديداً لاسرائيل وأمنها ويقلص من مكانتها كقوة نووية وحيدة في المنطقة بأكملها. يأتي في ذلك كله في ظل انحسار الدور المصري علي الساحة الاقليمية نتيجة لمزاجه وهوي نظام مرتبك لم يضع في حساباته المكانة التاريخية لمصر اقليمياً ودولياً.. إلا انه بعد الثورة حدث نوع من التغير في الاستراتيجية المصرية ففتح نبيل العربي خطاً مع ايران يفتح به الطريق لاعادة العلاقات بين الدولتين.. وأحدث ذلك صدي واسعاً في المحيط العربي والدولي وعلي أثر ذلك تقرر سفر وفد شعبي مصري لايران وتأجل السفر.. والمعلومات المحيطة به تشير الي أن الطائرة الايرانية التي كانت ستأتي الي مصر بفرض سفر الوفد عليها جري منعها من دخول الاجواء المصرية وعادت مرة أخري وفي ظل هذا المناخ تم الاعلان عن القبض علي جاسوس ايراني هو القائم بالاعمال لرعاية المصالح الايرانية في القاهرة وبعد التحقيق معه جري الافراج عنه لصفته الدبلوماسية وتم ترحيله الي طهران. وتناولت المعلومات المعلنة سفر الجاسوس الايراني علي نفس الطائرة التي أقلت الوفد المصري الذي يمثل الدبلوماسية الشعبية إلا أن أنباء ترددت بأن ذلك لم يحدث.. وما بين سفر الوفد وعدم سفره ربما يشتعل جدل حول علاقة مصر بايران. هل ايران دولة معادية.. واذا كانت غير معادية. فلماذا يتم التراجع. أم أن الامر برمته ليس سوي سياسة أنظمة غير معلومة للشعوب. نري ان هناك ضرورة لالقاء الضوء عليها وخاصة اذا ما علمنا أن دولاً عربية أرادت إزاحة نبيل العربي من منصب وزير الخارجية لانه صاحب مبادرة عودة العلاقات مع مصر.. فقد جرت مشاورات بين قطر والسعودية والحكومة المصرية بشأن منصب أمين عام جامعة الدول العربية وتم الاتفاق علي إبعاد »الفقي« بأن يكون المنصب من حق وزير خارجية مصر.. وكان طرحهم في المناقشات انه بعد ثورة يناير لا يصح أن يذهب المنصب بعيداً عن مصر ويمثلها وزير في حكومة أتت بها ثورة يناير. لكن السؤال المهم.. هل ستتغير السياسة المصرية بخروج نبيل العربي من الخارجية، وهل ستمارس الدول العربية ضغوطاً لتغير هذه السياسات التي وضعها العربي، وكانت تعبيراً عن ارادة المصريين الذين سيدفعون ثمن محاكمة مبارك بطردهم من السعودية التي اتخذت هذه القرارات؟ أما فيما يخص الامارات العربية فان ما تسرب من معلومات جري نفيها ولم يصدر بها أي قرار باعتبار ان العلاقة بين مصر والامارات هي علاقات شراكة وليس فيها مصالح ضيقة ووقتية وهو ما يعني ان الامر في تلك العلاقة لن يرتبط بمبارك. لكن ربما كان وراء تنامي هذه التكهنات هو رفض الامارات استقبال عصام شرف رئيس الوزراء.