المعهد الملكى البريطانى للعلاقات الدولية:
بعض جنرالات المجلس العسكرى قد يندمون على محاكمة مبارك.. والتحول
الديمقراطى فى مصر قوضه إرث ستة عقود من الحكم العسكرى
أصدر المعهد الملكى البريطانى للعلاقات الدولية "تشاتام هاوس"
تقريرا عن المرحلة الانتقالية فى مصر ودور المجلس العسكرى فيها، وقالت
معدة التقرير، مها عزام إن انتقال البلاد إلى الديمقراطية قد قوضه إرث ما
يقرب من 60 عاما من الحكم المتوالى لرجال ينتمون إلى الجيش، وأضافت أنه منذ
سقوط حسنى مبارك، والمجلس العسكرى يحاول توجيه عملية التحول الديمقراطى،
لكنه استجاب فى كثير من الأحيان للتحديات بأساليب تذكر بالنظام القديم.
وأكد التقرير أن رغبة الشعب المصرى فى تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادى
سمحت للمجلس العسكرى بالاحتفاظ بقوة كبيرة خلال الفترة الانتقالية، بل فى
كثير من الأحيان الالتفاف حول خصومه السياسيين. ومع ذلك فإن مصالحه تواجه
تحديا من قبل العملية الديمقراطية، فمن المحتمل أن تخضع المؤسسة العسكرية
للمراقبة، رغم أن هذا يعتمد بشكل كبير على الرئيس المختار.
وأشار التقرير إلى أن انسحاب الجيش من الحياة السياسية لا يعنى مجرد
الانسحاب من الأضواء، فهذا ما يريده المجلس العسكرى، ولكنها عملية تتطلب
فصلا كاملا عن الساحة السياسية وعدم التدخل فى العملية البرلمانية
والدستورية، وهذا يتطلب مساءلة وشفافية فى الميزانية ويعنى أن الجيش لا
يجب أن يكون فوق القانون، وحذر التقرير من أن الفشل فى تحقيق الانتقال
السريع إلى الحكم المدنى لن يؤجل فقط التقدم نحو مصر ديمقراطية تماما،
ولكنه سيزيد من حالة الاستقطاب والصراع بين الحرس القديم ومصر الجديدة،
ويشتت الانتباه عن معالجة المشكلات الاقتصادية الملحة والمطالب الاجتماعية
لأغلبية المصريين.
ولفت تقرير المعهد البريطانى البارز إلى أن كبار جنرالات الجيش هم من
أجبروا الرئيس السابق مبارك على الرحيل، وسط تزايد الضغوط الشعبية وتعالى
الدعوات الخارجية ولاسيما واشنطن. وتحدث عن دور الجيش كحام للثورة، كما أنه
فى ظل غياب المؤسسات الديمقراطية رأى المصريون أن المؤسسة العسكرية حصن
للمجتمع، لكن التقرير يشير إلى أنه فى ظل رؤية بعض ضباط الجيش لتقلص
مكانتهم فى عهد مبارك لصالح نخبة رجال الأعمال، وهى إحدى المظالم ضد مبارك،
وفق تعبير التقرير، واعتراض البعض على التوريث، بالإضافة إلى العديد من
الأدلة التى تشير إلى عدم رضاء الجيش عن النفوذ المتزايد لجمال مبارك، لذا
فإن الجيش يمكن أن يكون قد وجد فرصة وقتها لرحيل مبارك واستعادة مكانته
السابقة.
من ناحية أخرى، اعتبر تقرير تشاتام هاوس أن محاكمة مبارك تمثل تغييرا غير
مسبوق فى البلاد وفى المنطقة، ففكرة وصورة خضوع زعيم عربى للمساءلة تحت
رعاية النظام العسكرى الذى قام بتقديم واحد من أعضائه أمام المحاكمة، ربما
يجعل البعض فى المجلس العسكرى يندم عليها الآن. ورغم أن محاكمة وإعدام
الرئيس العراقى السابق صدام حسين كانت سابقة، إلا أنها قد تفسر على أنها
استثنائية لدور التدخل الأجنبى.
وعلى الرغم من حقيقة أن هناك من يعتبر محاكمة مبارك عارا، وأن المجلس
العسكرى قد اضطر إلى الاستجابة للمشاعر الشعبية، إلا أن الرسالة الواضحة
لاستمرار محاكمة مبارك وبعض المقربين منه هى أنه لا أحد فوق القانون، ولعل
طول نظر القضية قد جعل المطالب بإعدام مبارك تتبدد. كما أن الانتخابات
البرلمانية أعطت للشعب إحساسا ببعض التقدم، وتحول غضب الثوار إلى المجلس
العسكرى وشخص طنطاوى. ويسود اعتقاد أن المجلس العسكرى قد شجع على إطالة
المحاكمة فى محاولة منه لكسب الوقت فى انتظار موت مبارك وتكون إدانة نجليه
أقل إثارة للمشكلات.
وخلص التقرير إلى القول بأن التحدى الأكبر لمكانة الجيش ومصالحه هو عملية
الديمقراطية نفسها، والتى ستسمح بأن تكون مكانته محل شكوك بشكل تدريجى،
وينتهى دوره السياسى.
فضلا عن ذلك، فإنه لو تم اتخاذ خطوات للتعامل مع الفساد بشكل عام، فإن
الجيش يعى أنه ليس فوق القانون، وربما يجبر على التبادر ببرنامج إصلاحى من
أجل الاستجابة للتحول الديمقراطى التى يحدث فى البلاد بشكل كبير وإيجاد
وسائل موازية لاستئصال الفساد. ومن ناحية أخرى، فإن فكرة أن مصر يمكن أن
تكون ديمقراطية جزئية مع حفاظ الجيش على الاستقرار ستساعد على توليد
الإحباط والغضب لأن الكثير من المصريين سيشعرون بأنه تم خداعهم بأن ينتهى
بهم الحال بنظام كهذا بعد عقود من الديكتاتورية.
ويحذر التقرير من الختام من أن فشل الجيش فى التكيف مع التغييرات التى طرأت
على المجتمع، يعنى استمرار النظر إليه باعتباره جزءا من النظام القديم،
وسيجد نفسه فى معركة من المرجح أن يخسرها مهما طال أمدها.. وبعد هذه الفترة
الطويلة من الديكتاتورية، فإن مصر تواجه تحديات خطيرة وكاسحة فيما يتعلق
بالمؤسسات السياسية والفساد وحكم القانون وحقوق الإنسان، واستمرار تدخل
الجيش فى هذه المجالات يعيق التقدم فيها.
ويرى التقرير أن جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية ستكون اختبارا حاسما
لكيفية تشكيل المجلس العسكرى والأحزاب السياسية الرئيسية والجمهور
لأجندتهم، وإلى أى مدى سيسعى الرئيس المقبل للحد من قوى العسكرى. ومع ذلك
فما هو واضح هو أن طبيعة العلاقات العسكرية المدنية تواجه تحديا، ويمكن فى
النهاية تغييرها لصالح الدولة المدنية. والأسئلة التى تطرح نفسها هى ما مدى
تحقيق هذا وما هى الاستراتيجيات الموظفة وماذا عن تكاليف الاستقرار
السياسى.
ويشير التقرير إلى أن الانقسامات داخل البرلمان وبين القوى السياسية وبعضها
سمحت للجيش بالدفع مرة أخرى ضد التغيرات التى شهدها العام الماضى.
وانتقد التقرير محادثات بعض القوى السياسية مع جنرالات المجلس العسكرى فى
منأى عن القوى الأخرى وبعيدا عن البرلمان مثل تلك التى أعقبت الاعتراض على
لجنة وضع الدستور التى كان يهيمن عليها الإسلاميون.
وأشار إلى أن خطر هذا النهج أنه من شأنه أن يخلق شعورا من الاضطرابات التى يجرى استغلالها من قبل المجلس العسكرى.
وحذر من أن مدى تدخل المجلس العسكرى فى عملية صياغة الدستور سواء بشكل
مباشر من خلال المبادئ فوق الدستورية أو غير مباشر من خلال مرشح رئاسة على
استعداد لقبول حل وسط، من شأنه أن يؤثر على استقلال البرلمان وتقويض
العملية الديمقراطية.
وأكد أن الانتخابات الرئاسية ستختبر مدى التزام القوى العلمانية بالعملية
الديمقراطية، خاصة أن نتائج الجولة الأولى باتت تجبر الناخبين على الاختيار
بين محمد مرسى، مرشح الإخوان، والفريق أحمد شفيق، الذى ينظر إليه على أنه
مرشح الجيش.
ويتوقع التقرير أن ينسحب العسكرى من المشاركة السياسية المباشرة مع
الاحتفاظ بدرجة من القوة والتأثير وراء الكواليس، مما يهدد باستمرار التدخل
بحجة حماية أمن مصر وهويتها، فى نموذج مشابه لنظيره التركى.
وتحدث التقرير حول الجدل الذى أثير بشأن اتفاق بين العسكرى والإسلاميين مما
جعلهم بعيدين عن الاحتجاجات التى اندلعت ضده، ثم التراجع عن هذا الاتفاق
فى ظل تضارب المصالح، بالإضافة إلى الصلاحيات القليلة التى يتمتع بها
البرلمان، مما حرمه من أى نفوذ حقيقى فى الحكومة. وأشار إلى أن التحرك
القانونى الجارى، المدعوم من المجلس العسكرى، والذى يشكك فى الشرعية
الدستورية للبرلمان من المرجح أن يضر بالإسلاميين.
ورغم أنه خلال المرحلة الانتقالية كان يحتاج العسكرى لاحتواء اللاعب
السياسى الأبرز، وهو الإخوان المسلمون، فإن جنرالات الجيش التفوا حولهم
وحاولوا تقويضهم. والمثال على ذلك أنهم أشاروا إلى أن نجاح الإسلاميين فى
السيطرة على البرلمان لا يعكس إرادة الشعب.