منظمات حقوقية: البرلمان أمامه فرصة تاريخية لإنهاء حالة الطوارئ
قالت منظمة الكرامة وهيومن رايتس ووتش اليوم الخميس، فى بيان لهما
إن البرلمان المصرى الجديد أصبحت أمامه فرصة سانحة لإنهاء حقبة من
الانتهاكات التى شهدتها مصر، بوضع حد لجميع الإجراءات المتعلقة بقانون
الطوارئ، الذى تنتهى فترة تمديده الحالية فى 31 مايو 2012.
وقالت هيومن رايتس ووتش والكرامة إن على مجلس الشعب ألا يكتفى بعدم تمديد
القانون، بل عليه أيضاً أن يُصدر تشريعاً بإنهاء جميع الإجراءات
الاستثنائية التى لا تسقط من تلقاء ذاتها مع انتهاء العمل بموجب هذا
القانون. ولابد أن يطالب مجلس الشعب وزير الداخلية بالإفراج عن جميع
المحتجزين على ذمة قانون الطوارئ، أو إحالتهم إلى النيابة لنسب اتهامات
إليهم، مع مطالبة النائب العام بإحالة قضايا محكمة الطوارئ إلى المحاكم
المدنية الطبيعية.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى
هيومن رايتس ووتش: "على البرلمان المصرى القضاء على مستقبل حالة الطوارئ
تماماً، التى تعتبر من كبرى مظاهر دولة مبارك البوليسية، كما يجب أن يفتح
البرلمان تحقيقاً شاملاً فى انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة التى شهدتها
حقبة تفعيل قانون الطوارئ، وأن يعمل النائب العام على ملاحقة الأشخاص
الأساسيين المسئولين عن التعذيب المنهجى والاختفاءات القسرية".
مصر خاضعة لحالة طوارئ بلا توقف منذ عام 1981. وكان إنهاء حالة الطوارئ
مطلباً قائماً من المعارضة المصرية ومطلبا أساسيا للمتظاهرين أثناء
احتجاجات يناير2011، كما تكررت إدانة هيئات القانون الدولى لحقوق الإنسان
المختلفة لقانون الطوارئ.
فى 17 مايو دعت لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب إلى إنهاء حالة الطوارئ فى
موعد أقصاه 31 مايو، مع عدم السماح بأى تمديد إضافى للقانون، وإنهاء
الاحتجاز الإدارى والمحاكمات أمام محاكم أمن الدولة بموجب هذا القانون. وفى
مؤتمر صحفى فى 29 مايو قال دكتور محمد مرسى، المرشح الرئاسى والعضو بحزب
الحرية والعدالة: "لا عودة لحالة الطوارئ، نحن لا نحتاج إلى حالة الطوارئ..
القوانين القائمة كافية".
تم تجديد حالة الطوارئ لآخر مرة على يد مبارك، قبل عامين، فى مايو2010، قبل
تسعة أشهر من خلعه. فى 24 يناير 2012، أصدر المشير حسين طنطاوى، الحاكم
العسكرى لمصر، قراراً يحد من تطبيق قانون الطوارئ، بحيث تقتصر على حالات
"البلطجة" وهو ما يعكس زعم لا معنى له من زمن مبارك، فى مايو 2010، بحد
تطبيق القانون على الإرهاب والإتجار فى المخدرات فقط. ولأن السلطات غير
مطلوب منها عرض أدلة على السلطات القضائية؛ فلا معنى للقول بأن القانون
مستخدم على فئة محددة من المحتجزين أو على صلة بجريمة بعينها، على حد قول
هيومن رايتس ووتش والكرامة.
وقال رشيد مسلى رئيس قسم الشئون القانونية فى الكرامة: "رفع حالة الطوارئ
من التوصيات الأساسية التى دأبت هيئات حماية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة
على تقديمها لمصر على مدار السنوات العشرين الماضية. لقد حان الوقت لأن
يعيش الشعب المصرى تحت حماية سيادة القانون، بلا أى استثناءات".
ورغم الوعود منذ مطلع عام 2011 بإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المحتجزين
بموجب قانون الطوارئ، فقد لجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى استخدام
سلطات قانون الطوارئ. وتحتجز وزارة الداخلية حالياً 188 شخصاً على الأقل
تحت طائلة قانون الطوارئ.
وتستمر المحاكمات أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، المُشكلة بموجب
المواد 7 إلى 12 من قانون الطوارئ (قانون رقم 162 لسنة 1958)، وأحال النائب
العام ست قضايا على الأقل فى 2011 و2012 إلى محاكم أمن الدولة، على حد قول
الكرامة وهيومن رايتس ووتش. وهناك ثمانى قضايا على الأقل ما زالت لم تفصل
فيها بعد محاكم أمن الدولة.
وتوصلت هيومن رايتس ووتش أثناء مراقبة المحاكمات فى محاكم أمن الدولة إلى
أن القضاة يخفقون بشكل متكرر فى التحقيق فى مزاعم التعذيب على النحو
الملائم، ويتجاهلون مشكلة انتزاع الاعترافات تحت تأثير التعذيب، كما لا
يسمحون للمدعى عليهم بمقابلة محامييهم على النحو الواجب خارج قاعة المحكمة.
من بين القضايا، قضيتان من قضايا العنف الطائفى، وقضيتان اشتباه فى أعمال
تجسس، وقضية عنف أثناء مظاهرة. وفى أحدث إدانة بقانون الطوارئ، فى 21 مايو
حكمت محكمة أمن دولة على 12 مدعيا عليهم بالسجن المؤبد، وبرأت ثمانية
آخرين، على صلة بحادث عنف طائفى فى أبريل 2011 فى المنيا، كان قد أدى إلى
وفاتين.
وقال جو ستورك: "ينبغى أن يأمر النائب العام بإحالة جميع قضايا محاكم أمن
الدولة طوارئ إلى المحاكم الجنائية الطبيعية لمحاكمة المدعى عليهم فيها من
جديد".
وأضاف: "من غير المقبول استمرار محاكم فى مصر لا توفر أى حق للاستئناف، وهو من ضمانات المحاكمة العادلة الأساسية".
فى 4 يونيو 2011 أحال النائب العام 48 شخصاً تم القبض عليهم بعد أحداث عنف
عند كنيسة فى إمبابة بالقاهرة، ومات فى تلك الأحداث 12 شخصاً، لكى يُحاكمون
أمام محكمة أمن الدولة طوارئ. الجلسة التالية لمحاكمتهم ستنعقد فى 2
يونيو. فى أكتوبر2011 فعلت نيابة أمن الدولة نفس الشىء مع 76 شخصاً تم
القبض عليهم على صلة بواقعة 9 سبتمبر على السفارة الإسرائيلية فى القاهرة.
أما محاكمة "الزيتون" – الخاصة بـ 25 مدعيا عليهم متهمين بالانتماء إلى
تنظيم إرهابى وقد بدأت فى 14 فبراير 2010 – فما زالت لم تفصل فيها محكمة
أمن الدولة طوارئ بعد.
فى ثلاث قضايا على الأقل من المذكورة، قال المحامون إن المادة 19 من قانون
الطوارئ – التى تسمح باستمرار المحاكمات بعد انتهاء حالة الطوارئ – مادة
غير دستورية. أحال القضاة المادة 19 إلى المحكمة الدستورية لمراجعتها.
وفى 29 مارس أصدر المجلس العسكرى قرار رقم 1 لسنة 2012، القاضى بتعيين
القضاة بمكتب شئون أمن الدولة لمدة عام، حتى مارس 2013، استنادا إلى قانون
الطوارئ، كون مدة التعيين حتى 2013، يظهر أن المجلس العسكرى لا يعتزم إنهاء
حالة الطوارئ، أو على الأقل أن يغلق محاكم الطوارئ، بنهاية مايو، وأن هناك
لحاجة لتدخل تشريعى من البرلمان لإنهاء العمل بهذه المحاكم، على حد قول
هيومن رايتس ووتش والكرامة.
يسمح قانون الطوارئ لمسئولى وزارة الداخلية باحتجاز الأفراد دون اتهامات أو
إحالة للمحاكمة لأجل غير مسمى. وقد ثبت من حيث الممارسة عدم فعالية
المراجعة القضائية – حسب نص القانون – من قبل محاكم أمن الدولة، بما أن
وزارة الداخلية لجأت على طول الخط إلى تجاهل أوامر المحاكم بالإفراج عن
المحتجزين. تعرف الكرامة وهيومن رايتس ووتش بـ 188 شخصاً محتجزين حالياً
على ذمة قضايا تحت طائلة قانون الطوارئ (توجد أدناه قائمة بتسعين اسماً من
أسماء المحتجزين).
فى إحدى قضايا الطوارئ، فى مدينة أسيوط جنوبى مصر، أمرت الشرطة فى محضر
بتاريخ 24 أكتوبر 2011 بالقبض على عبد الرحيم عبد الرحمن بموجب قانون
الطوارئ "على سبيل الردع ولصالح الأمن العام". أصدرت وزارة الداخلية أمر
اعتقال بموجب قانون الطوارئ، وهو الأمر رقم 1803/6 لسنة 2011 الصادر بتاريخ
24 أكتوبر، تأمر فيه بالقبض على عبد الرحمن.
وثقت الكرامة قضيتين قبضت فيهما الشرطة على رجال شربوا مشروباً كحولياً
(بيرة) ثم احتجزتهم بموجب قانون الطوارئ. قال ابن جمال أمين، البالغ من
العمر 55 عاما، والذى تم القبض عليه فى 12 ديسمبر2011 إن الشرطة اتهمت
والده بـ "حيازة بيرة"، رغم أن هذه ليست جريمة بموجب القانون المصرى. أمرت
النيابة بالإفراج عنه فى اليوم نفسه. إلا أن مسئولى وزارة الداخلية أصدروا
أمر اعتقال بحقه بموجب قانون الطوارئ فى 18 ديسمبر وما زال أمين فى سجن
الوادى الجديد. فى القضية الثانية، اعتقلت شرطة ملوى زكريا غالى رزق الله،
64 عاماً، فى 15 ديسمبر، واتهمته بـ "شرب البيرة". أمرت النيابة بالإفراج
عنه يوم 18 ديسمبر، لكن مسئولى وزارة الداخلية أصدروا أمر اعتقال فى 19
ديسمبر، ونقلوه إلى سجن الوادى الجديد.
واستخدم المجلس العسكرى قانون الطوارئ لتبرير قيود إضافية على حرية التجمع
والحق فى الإضراب. فى 12 أبريل 2011 وافق المجلس العسكرى على القانون رقم
34 لسنة 2011 "بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت". ما إن
تنتهى حالة الطوارئ، لا يعود لهذا القانون أثر، على حد قول هيومن رايتس
ووتش والكرامة.
من بين الهيئات الدولية لحقوق الإنسان التى طالبت السلطات المصرية بإلغاء
قانون الطوارئ، لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التى ذكرت فى
ملاحظاتها الختامية فى عام 2002 بشأن مصر أن "حالة الطوارئ مطبقة منذ عام
1981 وهى تعيق مراعاة سيادة القانون على نحو كامل فى مصر". مقرر الأمم
المتحدة الخاص المعنى بمكافحة الإرهاب، ذكر السلطات المصرية بدوره بعد
زيارة إلى مصر فى عام 2009 بأن "حالة الطوارئ لا تبرر أعمالاً تخرق
المعايير الآمرة للقانون الدولى، مثل حظر الحرمان التعسفى من الحرية".
وفى تقرير يدعو مجلس الشعب الجديد إلى إجراء بعض الإصلاحات القانونية
ومنحها الأولوية الكاملة، أوصت هيومن رايتس ووتش بألا يتم إعلان حالة
الطوارئ مجدداً إلا "فى حال ظهور وضع طارئ يهدد حياة الأمة" وأن تقتصر حالة
الطوارئ على النطاق الزمانى والمكانى المطلوب لمواجهة الموقف.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الحدود المفروضة على تدابير حماية حقوق الإنسان
لابد أن تكون ضيقة وواضحة التعريف تماماً، وأن تكون ضرورية ومتناسبة لأقصى
حد. لابد من خضوع حالة الطوارئ – وأية إجراءات يجرى تبنيها أثناء سريان
حالة الطوارئ – للمراجعة القضائية، مع تمكين القضاة من إلغاء أية إجراءات
غير متناسبة أو لم تعد مطلوبة لمواجهة الوضع الطارئ.
وقال رشيد مسلى: "استخدمت شرطة مبارك قانون الطوارئ للالتفاف حول القانون،
ولتصبح قادرة على "إخفاء" وتعذيب الآلاف من المصريين على مدار العقود
الماضية".
وأضاف: "لابد أن يقضى البرلمان المصرى قضاءً مبرماً على هذه الإجراءات
الاستثنائية وأن يقر بأن الأمن الحقيقى لن يتحقق إلا بالإدارة الأفضل للعمل
الشرطى، وبإنهاء الانتهاكات التى يرتكبها مسئولو إنفاذ القانون".