علـم الأجنـــة فــي ضوء القرآن والسنة
من أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
إسلام آباد – باكستان
في الفترة من 25-28 صفر سنة 1408هـ
الموافق 18-21 أكتوبر سنة 1987م
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾[المؤمنون:12-14].
مقدمـة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا .
والصلاة والسلام على نبينا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، وعلى آله وصحبه الأئمة الهداة وسلم تسليما كثيراً .
وبعد .. فمازال هذا القرآن المجيد الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)﴾[فصلت:42] آية باقية ومعجزة خالدة إذ هو كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للتحدي والاعجاز ، وللهداية والإرشاد ، المتعبد بتلاوته وحفظه والعمل به ، المنقول إلينا تواتراً كما أنزل على محمد الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم .ولقد أولع العلماء بالقرآن بحثاً ودرساً وبيناً وشرحاً ، ولكن أعلى هذه الأمور خطرا ، وأجلها قدرا ، وأبقاها أثر ، ذكر خصائصه ومزاياه التي كان بها وحيا معجزا تحدى الله به الأجيال كلها أن تأتي بمثله أو بسورة من مثله كما قال تعالى : ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88)﴾ [الإسراء:88] كانت معجزات الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام معجزات مشاهدة تقع ولا تبقى ، فلا يعرفها على اليقين إلا من عاينها . لكن معجزة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت من نوع آخر ، لم تكن حادثة تقع وتزول فقط. بل كانت معجزة قائمة مستمرة تخاطب الأجيال ، يراها ويقرؤها الناس في كل عصر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة[1].إن معجزة القرآن الكريم مستمرة إلى يوم القيامة وهذا الإعجاز يتجلى في أمور كثيرة ، إعجاز في نظمه وبلاغته وإعجاز في قصصه وإخباره وإعجاز في شرائعه وأحكامه وفي شتى المجالات ، ومن إعجازه ما انطوى عليه من الأخبار بالغيبيات التي ستقع ولم تكن معهودة وقت التنزيل ، وما أشار إليه من حقائق مبثوثة في أرجاء الكون الفسيح علومه وسفليه تجلت في عصرنا الحاضر بعد تقدم وسائل العلم وكشوفاته في الأنفس والآفاق التي توافقت مع نصوص القرآن والسنة.وما قامت هيئة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة إلا لبيانه وإظهاره ، وها نحن اليوم نقدم بحوثا عديدة من علم الأجنة في القرآن والسنة وهي تحمل في طياتها الحقائق والمعجزات التي تشهد بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مرسل من ربه وأن هذا القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في الرد على الطاعنين في القرآن والمشككين فيه ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)﴾ [الفرقان:6] .
وهذه البحوث هي من الأبحاث التي ألقيت في المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي انعقد في إسلام أباد سنة 1408هـ 1987م وهي مرتبة على النحو التالي:
1- نظرة تاريخية في علم الأجنة .
2- وصف التخلق البشري مرحلة النطفة .
3- وصف التخلق البشري طورا العلقة ، والمضغة .
4- وصف التخلق البشري طورا العظام واللحم .
5- وصف التخلق البشري مرحلة النشأة .
6- أطوار خلق الإنسان في الأيام الأربعين الأولى .
7- وصف التخلق البشري بعدا ليوم الثاني والأربعين .
8- مصطلحات قرآنية .
9- توافق المعلومات الجنينية مع ما ورد في الآيات القرآنية .
ولقد مرت هذه الأبحاث بمرحلة طويلة من الدراسة والمراجعة والترجمة، نحسب أنها كانت كافية. وإن وجد فيها هنات أو قصور، فإننا نود من أهل الاختصاص موافاتنا بتصويباتهم وملاحظاتهم لنفيد منها ولنستدرك ما فاتنا في طبعات قادمة بإذن الله وسنكون شاكرين لكل من قدم لنا معلومة صحيحة أو ملاحظة قيمة – علماً أن هذه الأبحاث قد أعدت باللغة الإنجليزية وقد تمت ترجمتها واستكمال الجوانب الشرعية واللغوية والإعداد لطباعتها بمعرفة الهيئة. فمعذرة إذا جاءت ترجمتها إلى العربية غير مطابقة للغتها الأصلية تمام المطابقة .
ولقد حرضنا على إظهار الإعجاز في القرآن والسنة وبيان مطابقة الحقائق العلمية الحديثة لما ورد فيها ، فما يملك المؤمن إلا أن يخشع ويزداد إيمانا ويقينا ولا يملك غير المسلم إلا أن يحني رأسه أمام حقائق القرآن وإعجازه إفحاماً وتسليما. فتقوم بذلك الحجة على الكافرين وتتضح معالم الصراط المستقيم فيوفق الله من يشاء من عباده ويهدي إليه من ينيب وصدق الله العظيم القائل : ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا(174)فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(175)﴾ [النساء:174-175].
ونحن إذ نقوم بهذا الواجب لنرجو الله تعالى أن ينفع البشرية بهذه الأبحاث وما يتبعها. كما نأمل أن تكون مصدراً ثراً للدعوة الإسلامية يتزود منها الدعاة إلى الله لإقناع غير المسلمين بعظمة الإسلام وبيان أنه الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وأتم عليهم به نعمته ، وأعلمهم بذلك في قوله الكريم : ﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ...[المائدة:3].وقد أخبر جل وعلا أنه لن يقبل من أحد سواه فقال :﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ(85)﴾ [آل عمران:85].
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،