بسم الله الرّحمن الرّحيم
:: ابنتي .. وعيد الأمّ !! ::
جاءتني مسرعةً، فرحةً مسرورةً، حاملةً بين يديْها هديّة، سمعتُ نبضاتِ قلبها التّي مُزِجَت بالحبّ والفرح حيثُ قالت وهي تقدّم لي هديّتها : "أمّاه .. كلّ عامٍ وأنتِ بخير"، أجبتُها : وأنتِ بخيرٍ بنيّتي .. ولكن لم تُخبريني ما المناسبة ؟ أجابتني ببراءةِ الأطفال كالعادة : أخبرتنا المعلّمة أنّ اليوم هو أوّل يومٍ من فصل الرّبيع ويُصادف يوم " عيد الأمّ " فأحببتُ أن أقدّم لكِ أجمل هديّة يا أمّي ..
ابتسمتُ بهدوء، حبيبتي .. بالمرّةِ الماضية هنّأتِني بيوم " عيد ميلادي " فأخبرتكِ أنّه لا يجوز التّهنئة به، وكذلك حكم الاحتفال " بعيد الأم "...
- ولكن أمّي .. إنّه يوم واحد في السّنة، فلمَ لا نحتفل به ؟؟
- صدقتِ، إنّه يومٌ واحدٌ ولكن، هذا عيدٌ مبتدع ليس له أصل في السّنّة، وقد أمرنا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بإتباع سنّته ونهانا عن الابتداع، وإتباع أهل الكفر.
- ومن قال أهل الكفر يا أمّاه ؟؟
- ( ابتسمتُ وأنا أنظر إلى عينيها المتسائلتين ) : ألا تعلمين أنّ مبتدعي هذا العيد هم النّصارى ؟؟؟
- ( قالت مستغربةً ) : حقّاً ؟؟!! ولكن يا أمّاه ...
- ( قاطعتُ كلامها قائلةً ): بنيّتي دون " ولكن "، قال الله عزّ وجل في كتابه {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } المائدة 77، وقال أيضاً على لسانِ رسوله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب 21.. أنترك الأسوة الحسنة التي أُمِرْنا بإتباعها ونتّبع أهل الكفر ؟؟؟
- بالطّبع لا يا أمّاه، ولكن كيف نتّبع الرّسول فيما يخص " عيد الأمّ " ؟؟
- قال عليه الصّلاة والسّلام في حديثٍ صحيح " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد "، وما يسمّى ب " عيد الأم " أمرٌ محدث ليس علينا إتباعه، فإن انتهينا عنه وعن الاحتفال به كان هذا إتّباعاً لأوامر الرّسول وسنّته، كما أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أمرنا ببرّ الوالدين كما أمرنا الله عزّ وجلّ بذلك حيثُ قال في كتابه { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } الإسراء23، فما حاجتنا باحتفالٍ ليومٍ واحدٍ وعقوقٍ وعصيانٍ وهجرانٍ بقيّة أيّام السّنة ؟؟!
- حسناً أمّاه .. فليكن يوماً وليس عيداً !!
- حبيبتي، إذا استطعنا استغفال أنفسنا واستغفال قلوبنا فإنّ الله عزّ وجلّ يقول { وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } البقرة74، كما قال أيضاً على لسان رسوله { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } آل عمران31، أحُبُّ الله يا ابنتي يعادله في الكون حبّ ؟!
- فلنحتفل به قبل أو بعدَ هذا اليوم إذن !
- حبيبتي، قد نستطيع خداع البشر والتّحايل عليهم ولكن هل نستطيع أن نخدع الله وأن نتحايل عليه ؟؟ قال الله عزّ وجلّ { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9
- حسناً أمّاه، ولكن معلّمتنا هيَ من أخبرتنا بذلك، واليوم أقاموا احتفالاً بالمدرسةِ بهذه المناسبة، ونحن نحتفل به لأنّهم فعلوا كذلك ..
- بنيّتي، قال رسولنا الكريم " لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا " [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
أيا بنيّتي، أنحنُ نحسِنُ لأجلهم حتى نحسِن إن أحسنوا، ونسيء إن أساءوا ؟ أيغفرُ لنا إتّباعنا لهم بنيّتي ؟؟ أيدخلوننا الجنّة بذلك ؟! قال تعالى {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } البقرة166
- ( سألت مستغربة ) : حتّى ولو كان يوماً واحداً ؟! بضع ساعات يا أمّاه ..!!
- حبيبتي، هناك فائدة جميلة من أقوال الإمام ابن باز في شرح الحديث " لا يمش أحدكم في نعل واحدة ، لينعلهما جميعا ، أو ليخلعهما جميعا" ( متفق عليه )، حيثُ سُئلَ رحمه الله عنه، فأجاب أن ظاهر النّهي التّحريم، فقال السائل :قد تكون النّعل في مكانوالأخرى قريبة منها ؟ فقال : لا يلبسهما إلا جميعا،فقال السائل : ولو خطوة واحدة ؟
فقال رحمه الله : احرص على أن لا تعصي الله تعالى ولو بخطوة واحدة .
لا تعصي الله ولو بخطوة واحدة .. خطوة واحدة يا ابنتي، خطوة لا تستغرق أجزاء من الثّانية، فكيف بيوم فيه أربعٍ وعشرين ساعة ؟!
- ولكن يا أمّاه، يحتفل بهذا اليوم الكثيرين، فأغلب زميلاتي اشتريْنَ هدايا لأمّهاتهنّ !
- عزيزتي.. الكثرة لا تعني أنّهم على حقّ، فمثلاً، في بداية ظهور الإسلام، كان عدد المسلمين قلّة بالنّسبة للبقيّة، حيث كانوا كفّاراً كثيري العدد، أهذا يعني أنّ الكفر هو الحقّ ؟!
- لا يا أماه .. ليس كذلك ولكن ..
- دون " ولكن " يا ابنتي هذه هي الإجابة !
- أعتذر يا أمّي على جهلي ..
- لا بأس حبيبتي، لم تعلمي قبلاً فكنتِ جاهلةً بالأمر، ولكنّكِ اليوم على علمٍ به، فأبلغي به معلّماتك وزميلاتك، فقد قال الله عزّ وجلّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} الأحزاب70.
- وإن لم يستمعوا لقوْلي فماذا أفعل ؟!
- بنيّتي، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}البقرة272، فما عليكِ إلا البلاغ ...
- حسناً يا أمّاه .. سأفعل ..
- لا تنسيْ يا ابنتي .. قولي، سأفعل إن شاء الله، قال الله عزّ وجلّ في سورة الكهف{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً {23} إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً{24} }.
اخيرآ انتهيت تقبلو تحياتي