أهالى شهداء بورسعيد يحملون الداخلية وسوزان مبارك والفلول مسؤولية فراق الأحبة.. والدة «عدد محدود من الكراسى أمام مدخل أحد البيوت، ورجال يستقبلون العجوز يتقدمهم عجوز وشاب» هذا المشهد تكرر فى الأيام الأخيرة أمام أكثر من 70 منزلاً من منازل شهداء أحداث بورسعيد».
الرجل الكبير إما والد الشهيد أو أحد أقربائه يشد من أزره شقيق الشهيد، وسط أجواء باردة ووجوه يكسوها الحسرة والانكسار، وإحساس بالغدر من المسؤولين والقيادات الأمنية الذين تخلوا عن أبنائهم وتركوهم فريسة للقتلة لتصفية جماهير الأهلى التى كانت وقودًا لثورة 25 يناير ولم تخش سطوة الداخلية والقمع الأمنى، وعقب إسقاط النظام السابق بقيادة المخلوع حسنى مبارك، هاجمت الحكم العسكرى للبلاد بضراوة خلال مباريات الأهلى.
فى منطقة بولاق الدكرور بالجيزة التقت «اليوم السابع» بأسر عدد من شهداء مذبحة بورسعيد التى راح ضحيتها 71 شهيدًا، البداية كانت مع أسرة مصطفى أحمد السيد عبود، فى شارع محمود السميعى، والذى لم يكمل ربيعه الخامس والعشرين حتى الآن، ويعمل موظفًا بهيئة الطاقة الذرية، ويعيش مع أسرته التى تتكون من والدته بالإضافة إلى شقيق وشقيقتين فقط بعد وفاة والده.
لم تستطع والدة مصطفى الحديث معنا، وظهر محمد شقيقه متماسكًا إلى حد ما وتحدث عن مصطفى الذى شاهده لآخر مرة فى السابعة صباح يوم المباراة عندما استيقظ واغتسل وصلى الصبح، ثم اتجه لمقابلة أصدقائه والتوجه معهم إلى بورسعيد.
أوضح محمد أن شقيقه انضم إلى رابطة ألتراس أهلاوى قبل حوالى 3 شهور فقط، وكان سعيدًا للغاية بمؤازرة فريقه، وتابع: «ما حدث فى بورسعيد كان أكثر الأشياء الفظيعة التى مرت علىّ فى حياتى فلم أكن أتوقع أن تكون نهاية مصطفى بتلك الطريقة المأساوية».
وطالب شقيق الشهيد بضرورة استعادة حقوق جميع الشهداء الذين فقدوا أرواحهم دون أى ذنب ارتكبوه خلال إحدى مباريات فريقهم، فدائمًا ما تكون المباريات الجماهيرية بين الأهلى وأى فريق جماهيرى آخر مليئة بالمناوشات بين الطرفين والشتائم وأحيانًا الاشتباك بالأيدى، لكنها لا تصل مطلقًا إلى إزهاق الأرواح كما شاهدنا فى مقبرة الرياضة «استاد بورسعيد».
وأبدى محمد استياءه من القرارات التى اتخذها مجلس الشعب بشأن تلك المجزرة والتى لا تكفى لتشفى صدور الأمهات التى فقدن أبناءهن، وطالب بضرورة القصاص العادل من مرتكبى تلك الجريمة غير الإنسانية أيّا كانوا، حيث رفض إلصاق التهمة بأحد، وينتظر ما ستسفر عنه التحقيقات، لأن الجانى أو الجناة لن يتم العفو عنهم.
والتقينا عصام السيد، خال الضحية الذى كان يتلقى العزاء فى وفاة مصطفى، وهو الذى أحضره من المشرحة، صباح اليوم التالى للمباراة المشؤومة، وأوضح أنه تابع الحادث منذ بدايته عبر شاشات التليفزيون، وكان غير واع لما يحدث، وتابع قائلاً: «كلمته بعد اجتياح الجماهير للملعب وسمعنا صوتًا يقول «هاندبحكوا ياولاد ال*******» وتم إغلاق التليفون بعد ذلك، وسمعنا أن الجماهير عائدة إلى القاهرة فى قطار بمحطة مصر فتوجهنا إلى هناك لاستقبال مصطفى، ودعونا أن يكون بالقطار».
انتظرنا بمحطة رمسيس حتى شروق شمس يوم الخميس الذى كان أحد أسوأ الأيام التى مرت علىَّ فى حياتى، ولم نجده ورأينا مشاهد مزقت قلوبنا، فكل الخارجين من القطار كانوا مصابين، وقالوا لنا إن القطار تعرض للاعتداء فى الطريق، وعلمنا بوجود طائرات حربية تعيد الضحايا فى مطار ألماظة، وذهبنا إلى هناك مباشرة وانتظرنا فى البرد القارس ولم نجد أى مسؤول يطمئننا على أبنائنا، ورفض الأمن على بوابات المنطقة استضافتنا بالداخل، وكل تعاملنا كان معهم، فأخبرونا بالتوجه إلى مشرحة زينهم لأن القتلى تم نقلهم إلى هناك، فذهبنا.
ووسط ازدحام من أهالى القتلى وسيارات الإسعاف توصلنا بصعوبة إلى الجثث، ولم أعلم مصطفى عندما رأيته، فوجهه كان مشوهًا، واستطاع شقيق التعرف عليه فأخذناه لدفنه بدون تقرير طبى، وحصلنا على تصريح دفن فقط من المشرحة.
على بعد حوالى 500 متر من منزل مصطفى، وبالتحديد فى شارع إبراهيم إمام كان هناك شهيد آخر وهو مصطفى محمد يوسف أحمد لـ30 عاما، والذى اكتست منطقته ومنزله باللون الأسود حدادًا على فراقه، بعدما أقام حفل خطوبته بنفس المنطقة قبل حوالى ثلاثة أسابيع من وفاته، وكان سيعقد قرانه نهاية العام الجارى، إلا أن مجزرة بورسعيد حالت دون إتمام فرحته وقالت والدته: «إيه ذنب خطيبته اللى فى حالة انهيار عصبى منذ سماع الخبر حتى الآن، ولابد من القصاص من هؤلاء القتلة والسفاحين».
حمّلت والدة مصطفى سوزان مبارك وأعوان النظام السابق مسؤولية مذبحة بورسعيد وطالبت بإعدام زوجة المخلوع التى تقتل أبناء «الناس الغلابة» وتابعت قائلة: «لابد من القصاص من هؤلاء السفاحين الذين يقتلون أبناءنا الذين تعبنا فى تربيتهم، واسترداد حقوقنا من العصابة التى تتحكم فى أرواحنا الرخيصة من وجهة نظرهم».
كما أبدت استياءها من استقبال المشير محمد حسين طنطاوى للاعبى الأهلى وتجاهله للضحايا الأبرياء ولاد الناس الغلابة، وقالت والحسرة تكسو صوتها: «البلد دى مش بتاعة الناس الغلابة، دى بلد ناس معينة.. ولو ولادنا كفار حتى ماكنش اتعمل معاهم كده!».
وفى شارع أبوبكر الصديق، وبالتحديد فى منزل أحمد إسماعيل وداعة محمد، تلقت والدته واجب العزاء من جميع الأهل والأقارب من السيدات، فيما توجه والده إلى إحدى الجمعيات النوبية بعابدين لتلقى واجب العزاء فى ابنه الذى لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره، ويدرس بأكاديمية طيبة، وقال: «بمجرد مشاهدة اقتحام الجماهير لملعب المباراة أجرينا اتصالات هاتفيّا به فوجدنا الموبايل مغلقًا، فقمنا بتقسيم أنفسنا إلى مجموعات، بين بورسعيد ومحطة مصر ومطار ألماظة ومستشفيات القاهرة، ووجدناه صباح اليوم التالى بمشرحة زينهم».
وطالب أبو أحمد بضرورة القصاص العاجل من المسؤولين عن تلك المجزرة، واسترداد حقوق الأبرياء لأن الموضوع ليس مجرد مباراة كرة قدم فهو أمر مدبر وأطالب أصحاب الضمير الحى فى البلد بأن يحافظوا على شبابه وقود المستقبل، وأحمل الحكومة والأمن مسؤولية ما حدث لأنهم لم يتخذوا الإجراءات اللازمة لحماية أبنائنا.
وفى منطقة المهندسين قالت آية، شقيقة أنس محيى الدين، أصغر ضحايا المجزرة والذى لا يتعدى الـ15 عامًا أن شقيقها كتب على صفحته بـ «فيس بوك» أنه يتمنى أن يسمع خبر وفاته وهو حى ليرى كم العيون التى ستبكى عليه، وأوضحت أن القلق ساورهم عندما اتصلوا به عقب المباراة ورد عليهم أمين شرطة وقال إن الموبايل وجده دون صاحبه، وهو ما أثار الرعب فى نفوسهم وتابعت قائلة: «كنا نتمنى أن يكون مصابًا ويعود مرة أخرى للمنزل بأى ثمن وهو ما لم يحدث».
اليوم السابع