يقولون إن التاريخ يعيد نفسه.. تتشابه
الوجوه ويتشابه الحكام فى الدول القمعية بطريقة توشك أن تكون كربونية، تشعر
أثناء سماع الخطابات بأنك استمعت إلى ذات الكلمات من قبل، وتجزم بأنك رأيت
نفس التباطؤ فى الحلول السياسية، ونفس الابتعاد عن إيقاع الشعوب الغاضبة
الساخطة التى قرأت التاريخ فتعلمته، وشاهدت أخطاء سابقيها فقررت ألا تتعثر
أقدامها هى الأخرى فى ذات الفخ، يقولون أيضاً إن التاريخ يكتبه المنتصرون
دائماً، حين انتصر العسكر فى ثورة 1952 أقروا وأعلنوا بأنهم لا يسعون إلى
تولى السلطة، تبدلت الوعود وانفرد المنتصر بالحكم، واستطاع الشعب الذى يحمل
حباً يصل أحياناً إلى مرحلة تقديس البدلة العسكرية الموافقة والانصياع، بل
النداء بالاستمرار، تعاقب على مصر محمد نجيب وعبدالناصر والسادات ومبارك
حتى أسقطه الشعب، ولم يبق أمام المجلس العسكرى الذى تولى السلطة فى فبراير
الماضى سوى أن يقرأ المشاهد التى أدت إلى خروج الشعب على حاكمه، عشرة أشهر
هى الفترة بين ثورة الشعب فى موجتى يناير ونوفمبر، المشاهد المرصودة تكاد
تكون متطابقة وكأن السيناريو ذاته يُعاد، لم يبق التاريخ سوى مشهد الختام
الذى تركه مفتوحا أمام الطرفين: المجلس العسكرى والثوار، أما هذا المشهد
الختامى فسيكتبه من يقرأ منهما تلك المشاهد بشكل أفضل..البداية: العنف
المفرط هو الزر الذى ضغطه النظام لانفجار الشعب، مجموعة كبيرة من الضباط
والعساكر وعربات الأمن المركزى بعصيهم وجهالتهم المفرطة فى تنفيذ الأوامر،
فى 25 يناير لم يكن العدد يتجاوز الآلاف ولم يشهد اليوم حتى الثانية ظهرا
أى سلوك يستعدى العنف، لكن رغبة الشرطة فى إبراز سيطرتها جعلتها تستخدم
العنف ضد المواطنين الذين خرجوا للمطالبة بالعيش والحرية والكرامة
الإنسانية.. وهكذا بدأت الأحداث فى نوفمبر، مجموعة من المعتصمين قالت عنهم
عقلية سماح أنور فى يناير «ولعوا فيهم»، فأشعل الأمن فيهم النيران، فاشتعلت
الثورة مرة أخرى.
:التوافد على الميدان
كل صوب يذهبون إلى الميدان، يجد الثوار فى
التحرير قبلتهم نحو الحرية، يخرجون من منازلهم وجامعاتهم بعد أن أدوا
امتحانات نصف العام فى يناير الماضى ليعبروا عن رفضهم لهذه المذلة التى
يقابلونها يومياً من النظام، المشهد نفسه يتكرر فى نوفمبر، فبعد سقوط
الضحايا أعلن عدد من الشباب من خلال دعوات على مواقع التواصل الاجتماعى،
الذهاب إلى الميدان الذى يجدون فيه ملاذهم الأخير نحو الحرية والقصاص.