منتدى شباب وبنات دمياط
منتدى شباب وبنات دمياط
منتدى شباب وبنات دمياط
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى شباب وبنات دمياط

منتدى اخبارى يهتم بجميع الاخبار السياسة والرياضية والتعليمية
 
الرئيسيةأدب الحوار Icon_mini_portal_enأحدث الصورالتسجيلدخول

شاطر
 

 أدب الحوار

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
{كاتب الخبر}{الخبر}
هيما رشدى
عضو ذهبى
عضو ذهبى
هيما رشدى


أدب الحوار Empty
مُساهمةموضوع: أدب الحوار   أدب الحوار Emptyالثلاثاء 15 مارس - 15:52

أدب الحوار







أهمية الحوار :

تبرز أهمية الحوار من جانبين:

.الجانب الأول: دعوة الناس إلى الإسلام والسنة:

فتعقد لذلك محاورات مع غير المسلمين؛ لإقناعهم بأن دين الله تعالى حق لا شك فيه،أو مع مبتدعين منحرفين عن السنة؛ لدعوتهم إلى السنة،وأمرهم بالتزامها.

والقرآن الكريم حافل بنماذج من مثل هذه الحوارات التي جرت بين أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام وبين أقوامهم،حتى إن قوم نوح قالوا له: (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود:32]،فأكثر جدالهم حتى تبرَّموا من كثرة جداله لهم،والجدال نوع من الحوار.

إننا بحاجة إلى أن نحاور أصحاب المذاهب والنظريات والأديان الأخرى؛ بهدف دعوتهم إلى الله تعالى،فالحوار وسيلة من وسائل الدعوة.

ولا يجوز أبدًا أن نعتقد -كما يعتقد الكثيرون- أن العالم اليوم يعيش حالة إفلاس من النظريات والعقائد والمبادئ والمثل،فهذا غير صحيح؛ بل العالم اليوم يعيش حالة تخمة من كثرة النظـريات والمبادئ والعقائد والمثل والفلسـفات وغيرها،صحيح أنها باطلة،ولكن هذا الركام الهائل من الباطل مدجج بأقوى أسلحة الدعوة والدعاية،والدعاة الذين تدرَّبوا وتعلَّموا كيف يدافعون عن الباطل حتى يصبح في نظر الناس حقًّا.

أما أهل الحق فكثير منهم لا يحسن الطريقة المثلى للحوار؛ لإقناع الخصم بما لديه من الحق والسنة.

وقد لا يحسن هؤلاء أن يناقش بعضهم بعضًا،إلا من خلال فوهات المدافع والبنادق،فإن لم يملكوها،فمن خلال الأفواه التي تطلق من الكلمات الحارة الجارحة،ما هو أشد فتكًا من الرصاص والقذائف.

إذن،فإن الهدف الأول من الحوار هو دعوة الكفار إلى الإسلام،أو دعوة الضالين من المبتدعة إلى السنة.

الجانب الثاني: فصل الخلاف في الأمور الاجتهادية:

فالحوار يُعد وسيلة للوصول إلى اليقين والحق في مسألة اجتهادية اختلفت فيها أقوال المجتهدين،فيتكلم اثنان في محاورة أو مناظرة للوصول إلى الحق في مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح،أو إجماع لا يجوز تعديه.

وليس من الضروري -أيها القارئ الكريم- أن تعتقد أن نتيجة الحوار لابد أن تكون إقناعك الطرف الآخر بأن ما عندك حق،وما عنده باطل،فليس هذا بلازم،فقد تقنع إنسانًا بذلك،فإن لم تتمكن،فأقل شيء تكسبه من الحوار - إذا التزمتَ بالشروط الموضوعية له - أن يعلم خصمك أن لديك حجة قوية،وأنك محاور جيد،وأن يأخذ انطباعًا بأنك موضوعي متعقل،بعيد عن التشنج والهيجان والانفعال.

فكثير من الناس يظنون أن الآخرين لا يملكون الحق،وليس عندهم شيء،وأنهم مجرد مقلِّدين،فإذا حاوروهم وناظروهم علموا أن لديهم حججًا قوية،فأقل ما تكسبه أن تجعل أمام مناظرك علامة استفهام.

فقد تلتقي بنصراني داعية إلى النصرانية،فتناقشه،فمن المحتمل أن يسلم،وهذا خير كثير،وهو أرقى وأعلى ما تتمناه،لكن قد لا يسلم،فهل تعتبر أنك قد خسرت المناظرة؟ لا؛ لأنه وإن لم يسلم،فربما صار عنده تفكير في الإسلام يدعوه إلى أن يبحث،ثم قد يسلم ولو بعد حين،وإذا لم يفكر في ذلك،فعلى الأقل صار عنده شكوك في دينه،وإذا لم يحصل هذا،فعلى أقل تقدير فتر شيء من الحماس الذي كان يحمله لدينه،وصار عنده تردد في مذهبه الباطل.

ونحن نجد أن المسلمين الذين يكثرون الاحتكاك بأهل الكتاب أو بالمنحرفين عن الإسلام ويسمعون منهم الكثير؛ نجد أن هؤلاء المسلمين وإن لم يتركوا دينهم إلا أن حماسهم يقل ويفتر لدينهم حتى وهم على الحق؛ وذلك من كثرة ما سمعوا من أعدائه،فما بالك بأهل الباطل إذا سمعوا نقد باطلهم؟ لابد أن يفتر حماسهم له،أو يشكّوا فيه،أو يتراجعوا عنه.

قواعد الحوار وأصوله:

إن من الضروري أن يتلقَّى المسلم -وخاصة الداعية إلى الله- أسس الحوار وأصوله،في عالم يموج اليوم بالنظريات الكافرة والاتجاهات المنحرفة،فقد أصبح الحوار فنًّا يدرس -أحيانًا- باسم: فن الجدل،وأحيانًا يسمونه: فن المناظرة.

إضافة إلى فن آخر له علاقة كبيرة بالموضوع،وهو ما يسمى بفن العلاقات العامة،الذي تقام فيه دورات لكثير من الموظفين،والمتخصِّصين في العلاقات العامة،والدعاة،وغيرهم.

والعلاقـات العامة تعني: حسن الاتصال بالآخرين؛ لإقناعهم برأي،أو لترويج سلعة من السلع،أو تصحيح فكرة،أو التمهيد لقضية من القضايا من خلال الاتصال بالناس،فهو فن لابد للداعية أن يتعلمه نظريًّا وعمليًّا.

وللحوار قواعد كثيرة،نعرض بعضها فيما يلي:

القاعدة الأولى: تحديد موضوع الحوار:

ينبغي أن يدور الحوار حول مسألة محددة،فإن كثيرًا من الحوارات تكون جدلاً عقيمًا،ليس له نقطة محددة ينتهي إليها،فينبغي أن يكون الحوار أو الجدل (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] حول نقطة معينة،بحيث يتم التركيز عليها،ولا يتعداها الحوار حتى يُنْـتَهى منها.

القاعدة الثانية: مناقشة الأصل قبل الفرع:

ينبغي ألا يتم التناقش في الفرع قبل الاتفاق على الأصل؛ إذ إن مناقشة الفرع مع كون الأصل غير متفق عليه،تعتبر نوعًا من الجدل العقيم إلا في حالات معينة.

وأضرب أمثلة لحالات يمكن فيها مناقشة الفرع،أو مناقشة الأصل:

فلو جاءك كافر لا يؤمن بيوم الحساب،وأخذ يناقشك في قضية حجاب المرأة المسلمة -مثلاً-،أو في قضية تعدد الزوجات،أو في مسألة الجهاد؛ حيث إن هذه القضايا بالذات هي أكثر القضايا التي يثير حولها الغربيون شبهاتهم؛ لإثارة الفتنة بين المسلمين.

المهم هو كيف تحاور هذا الكافر الذي لا يؤمن بالإسلام؟ هل تناقشه في هذه المسائل إذا حاورك بشأنها؟

بإمكانك هنا أن تحاوره بإحدى طريقتين:

- الأولى: أن تحيل إلى الأصل،فتقول له: إن الجهاد وتعدد الزوجات والحجاب وما على شاكلة هذه القضايا؛ جزء من دين الإسلام،وبدلاً من أن نناقش هذه النقاط ينبغي أن نرجع للأصل،وهو الإسلام،فنتجادل فيه،فإذا اقتنعت بالإسلام،فحينئذ -من باب أولى- أن تقتنع بهذه الأمور،ولا حاجة أن نتجادل فيها،وإذا لم تقتنع بالإسلام،فنقاشي معك في هذه الجزئية يعتبر نوعًا من العبث الذي لا طائل تحته.

- الثانية: يمكنك أن تناقشه بالحجج المنطقية،في نفس الجزئيات التي يجادل حولها.

فمثلاً: إذا تكلم عن تعدد الزوجات،فيمكن أن تجادله في هذا الموضوع بأن تخبره أنه من الثابت علميًّا أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال،وفي (أمريكا) نفسها تصل -أحيانًا- نسبة النساء إلى الرجال مائة وتسعة عشر إلى مائة،وأحيانًا مائة وستين إلى مائة؛ فستون امرأة زيادة على المائة،لمن تكون؟!

فإذا لم نأذن للرجال بتعدد الزوجات،فذلك يعني أن هؤلاء النساء بقين ضائعات بلا أزواج،أو اضطررن إلى ممارسة البغاء والرذيلة،فتعدد الزوجات ضرورة لابد منها؛ لأن نسبة الإناث في أكثر المجتمعات أكثر من نسبة الرجال.

وهكذا،عندما تثبت لهذا الكافر حالات وأوضاعًا يكون تعدد الزوجات فيها أمرًا سائغًا؛ فربما آمن بالإسلام من خلال اقتناعه بهذه الحجج.

وقد بسط القول في الرد على هذه الشبهات الأستاذ محمد قطب في كتابه "شبهات حول الإسلام" بما لا يدع حاجة إلى أن نطيل فيه الآن.

القاعدة الثالثة: الاتفاق على أصل يُرجع إليه:

يجب الاتفاق على أصل يرجع إليه المتحاورون إذا وُجد الخلاف،واحتدم النقاش،وذلك كالاتفاق على الرجوع عند الاختلاف إلى القرآن الكريم،وإلى صحيح السنة،وإلى القواعد الثابتة المستقرة،أو إلى ما كان عليه السلف الصالح -رضي الله عنهم-،المهم أن نتفق على أمور تكون مرجعًا عند الخلاف.

صفات المحاور :

.أولاً: جودة الإلقاء،وحسن العرض،وسلاسة العبارة:

وقد كان ذلك من صفات الرسول r،فعَنِ ابْنِ شِهَابٍ،أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ،أَنَّ عَائِشَةَ،قَالَتْ:أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ rيُسْمِعُنِي ذَلِكَ،وَكُنْتُ أُسَبِّحُ،فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي،وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ،إِنَّ رَسُولَ اللهِ rلَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.[1].

فعلى المحاور أن يكون هادئًا سلسًا،جيد الإلقاء.

.ثانيًا: حسن التصور:

والمقصود من حسن التصور،ألاَّ تكون الأفكار عند المتحدث مشوشة أو متداخلة أو متضاربة،فبعض الناس -لضعف تصوره- ربما يطرح فكرة أثناء النقاش،وبعدما ينتصف في شرحها يتبيَّن له أنها غير صالحة،ولا تخدم الغرض،فينتبه في منتصف الطريق بعدما يكون قد تورَّط في ذلك.

.ثالثًا: ترتيب الأفكار:

فالقدرة على ترتيب الأفكار،وتسلسلها،وارتباط بعضها ببعض وعدم تداخلها،أو اضطرابها،مما يثبت حجة المحاور ويقويها.

.رابعًا: العلم:

ينبغي أن يكون المحاور ذا علم وقوة وقدرة،فإن بعض المحاورين قد يخـذل الحق بضعف علمه،فرغم أن الحق معه،إلا أنه لم يدعمه بالعلم القوي،فيضع نفسه في غير موضعه.

لذلك فليس كل إنسان مهيأ للحوار،حتى وإن كان صاحب حق،فإنه ربما حاور بهدف نصر الحق فيخذل الحق؛ لضعف علمه وبصيرته،وربما حاور بجهل فيقتنع بالباطل الذي مع خصمه،وربما احتج بحجج باطلة،مثلما يحدث في بعض المناظرات والمحاورات التي تعقد،فلا يقتنع الناس بالحق الذي يحمله.

.خامسًا: الفهم مع العلم:

لابد من الفهم وقوة العقل؛ ليدرك المتحدث حجج الخصم،ويتمكن من فهمها،ويعرف نقاط الضعف والقوة فيها،فيقبل ما فيها من حق،ويرد ما فيها من باطل.

.سادسًا: الإخلاص:

فينبغي التجرد في طلب الحق وتوصيله إلى الآخرين،بحيث لا يكون همُّ المرء الانتصار لرأيه،وإنما همه طلب الحق وإيصاله للآخرين.

.سابعًا: التواضع:

فالتواضع أثناء المناقشة،أو بعد الانتصار على الخصم،من أهم ما ينبغي أن يتحلى به المحاور.

آفات في الحوار :

أما الحوار القائم بين كثير من المسلمين بعضهم مع بعض،ففيه عيوب وأخطاء نذكر منها:

.أولاً: رفع الصوت:

فكأن الإنسان في غابة تتهارش فيها السباع،ومن لم يكن ذئبًا أكلته الذئاب،فيرى أن انتصاره في الحوار لن يكون إلا عن طريق مبالغته في رفع الصوت على خصمه،والله تعالى يقول: (إِنَّ أَنْكَرَ الأََصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:19].

.ثانيًا: أخذ زمام الحديث بالقوة:

وذلك لئلا تدع للخصم فرصة يتحدث فيها،فيهدم بناءك الهش،أو يحطِّم حججك الزجاجية،أو يثير البلبلة في نفوس الناس.

وكأننا في ذلك قد أخذنا بمبدأ الكلمة التي قالها (دايل كارنيجي) في كتابه: "كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء"؛ إذ قال: إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك،ويسخروا منك عندما توليهم ظهرك وتتركهم،فإليك الوصفة: لا تعط أحدًا فرصة للحديث،تكلم بدون انقطاع،وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث،فلا تنتظر حتى يتم حديثه،فهو ليس ذكيًّا مثلك! فلماذا تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث،واعترض في منتصف كلامه،واطرح ما لديك.

.ثالثًا: تهويل مقالة الطرف الآخر:

إن البعض يهوِّلون أقوال الآخرين،ويحمِّلون كلامهم من الضخامة ما لا يخطر إلا في نفوس مرضى القلوب،لماذا؟ لئلا يتجرأ أحد على القول بمثل ما قالوا،أو نصرة ما ذهبوا إليه.

فيحاول المحاور -أحيانًا- أن يحيط القول المردود بهالة رهيبة فيقول: هذا القول كفر،وهذا فسق،وهذا بدعة،وهذا خرق للإجماع،وهذا مصادمة للنصوص الشرعية،وهذا اتهام للعلماء،وهذا قول حادث باطل لم يسبق إليه...،ويظل يهوِّل ويطول ويضخم العبارات،بحيث يشعر السامع أنه قول خطير،يجب البعد عنه،وعدم التورط في قبوله،أو الاقتناع بحجة من تكلم به.

وقد لا يكون القول كذلك.

نحن لا ننكر أن من الأقوال ما يكون كفرًا أو فسقًا أو بدعة،ومنها ما يكون مصادمة للنص،أو قولاً حادثًا لم يسبق إليه صاحبه،لكن هذه الأشياء كلها لابد حين يقولها الإنسان أن يثبتها بالدليل الواضح،أما مجرد إطلاق دعاوى فارغة في الهواء،فهذا لا يسمن ولا يغني من جوع.

.رابعًا: الاعتداء في وصف الطرف الآخر:

فتصفه بما لا يليق من الأوصاف؛ تأديبًا له وردعًا لأمثاله،فتقول: هذا جاهل سخيف حقير متسرع،وأضعف الإيمان أن تصفه بأنه ليس أهلاً لهذا الأمر.

ولا يكفي هذا فحسب؛ بل لابد من كشف نية هذا الإنسان،فتتهمه بفساد نيته،وسوء طويته،وخبث مقصده؛ بل قد تتهمه بأنه عدو مغرض للإسلام،أو محارب للسنة وأهلها،له أهداف بعيدة من وراء مقالته تلك،أو بأنه عميل للشرق أو الغرب،أو لقوى خارجية أو داخلية...

ونحن لا ننكر -أيضًا- أن من الناس من هو سيء النية والطويَّة خبيث المقصد،ومنهم من هو عدو للإسلام أو السنة؛ بل ومنهم من هو عميل للشرق أو الغرب،أو لقوى بعيدة أو قريبة،لكن حين تُطلق هذه الأشياء،فلابد من الدليل الواضح عليها،ولا يجوز أن نصادر عقولنا،ويُطلب منا أن نقتنع بشيء لم يُسَق عليه أي دليل.

فليس مقصود الحوار تناول شخص بعينه،اللهم إلا إن كان موضوع الحوار أو نقطة الحوار -أصلاً- هي الكلام عن هذا الشخص،فهذا باب آخر.

---------------

آداب الحوار :

الحوار جائز في الإسلام متى كانت المصلحة المتوقعة منه أعظم من المفسدة المترتبة عليه،ومتى ثبت أن نفعه أكثر من ضرره،وقد عني القرآن الكريم عناية بالغة بالحوار،وذلك أمر لا غرابة فيه أبدًا،فالحوار هو الطريق الأمثل للاقتناع الذي ينبع من أعماق صاحبه،والاقتناع هو أساس الإيمان الذي لا يمكن أن يُفرض فرضًا،وإنما ينبع من داخل الإنسان.[2]

1- إحسان الظن بالآخرين:

ومن المبادئ الأخلاقية المهمة في التعامل بين الإسلاميين مع بعضهم البعض: إحسان الظن بالآخرين،وخلع المنظار الأسود،عند النظر إلى أعمالهم ومواقفهم فلا ينبغي أن يكون سلوك المؤمن واتجاهه قائما على تزكية نفسه،واتهام غيره..

والله تعالى ينهانا أن نزكي أنفسنا،فيقول: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (32) سورة النجم.

ويذم اليهود الذين زكوا أنفسهم وقالوا: إنهم أبناء الله وأحباؤه،فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (49) سورة النساء.

والمؤمن ـ كما قال بعض السلف ـ أشد حسابا لنفسه من سلطان غاشم،ومن شريك شحيح!

فهو أبدا متهم لنفسه لا يتسامح معها،ولا يسوغ لها خطأها،يغلب عليه شعور التفريط في جنب الله،والتقصير في حقوق عباد الله.

وهو يعمل الخير،ويجتهد في الطاعة،ويقول: أخشى أن لا يقبل مني. فإنما يتقبل الله من المتقين،وما يدريني أني منهم؟!

وهو في الجانب المقابل يلتمس المعاذير لخلق الله،وخصوصا لإخوانه والعاملين معه لنصرة دين الله،فهو يقول ما قال بعض السلف الصالح: ألتمس لأخي من عذر إلى سبعين،ثم أقول: لعل له عذرا آخر لا أعرفه!

وإن من أعظم شعب الإيمان حسن الظن بالله،وحسن الظن بالناس،وفي مقابلهما: سوء الظن بالله،وسوء الظن بعباد الله.

إن سوء الظن من خصال الشر التي حذر منها القرآن والسُّنَّة،فالأصل حمل المسلم على الصلاح،وأن لا تظن به إلا خيرا،وأن تحمل ما يصدر منه على أحسن الوجوه،وإن بدا ضعفها،تغليبا لجانب الخير على جانب الشر.

والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات،والمراد به: ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم.

وعَنِ الأَعْرَجِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَأْثُرُ عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ: « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ،فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ،وَلاَ تَجَسَّسُوا،وَلاَ تَحَسَّسُوا،وَلاَ تَبَاغَضُوا،وَكُونُوا إِخْوَانًا » [3].

والمفروض في المسلم إذا سمع شرا عن أخيه أن يطرد عن نفسه تصور أي سوء عنه،وأن لا يظن به إلا خيرا،كما قال تعالى في سياق حديث الإفك: { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (12) سورة النــور.

وما أصدق ما قاله الشاعر هنا:

تأن ولا تعجل بلومك صاحبا لعل له عذرا وأنت تلوم!

ومن أجل هذا يعجب المرء غاية العجب،ويتألم كل الألم،إذا وجد بعض العاملين للإسلام يتهم بعضهم بالعمالة أو الخيانة،جريا وراء العلمانيين وأعداء الإسلام فيقول أحدهم عن الآخر: هذا عميل للغرب أو للشرق أو للنظام الفلاني،لمجرد أنه خالفه في رأي أو في موقف،أو في اتخاذ وسيلة للعمل مخالفة له،ومثل هذا لا يجوز بحال لمن فقه عن الله ورسوله.

2-ترك الطعن والتجريح للمخالفين:

ومن أسباب التواصل والتقارب: ترك الطعن والتجريح للمخالف،والتماس العذر له،وإن كان مخطئا في ظنك.

وذلك لأنه قد يكون مصيبا وأنت المخطئ،إذ لا يقين في الاجتهادات بصواب أحد القولين،كل ما تملك في هذا المجال هو الترجيح،والترجيح لا يعني القطع واليقين.

كما أن المخطئ في هذه القضايا لا يجوز الطعن عليه بحال،لأنه معذور في خطئه،بل مأجور عليه بنص الحديث النبوي الشريف.

فكيف يجرح أن يطعن عليه في أمر هو مأجور عليه من الله تعالى،وإن كان أجرا واحدا غير مضاعف،ولكن يكفي أنه مثاب ومأجور غير مأزور؟

وهذا هو نهج السلف في اختلافهم في الاجتهاد،فلم يجرح بعضهم بعضا،بل أثنى بعضهم على بعض برغم ما اختلفوا فيه.

نموذج من أدب كبار العلماء مع مخالفيهم:

بسم الله الرحمن الرحيم وهذه رسالة مالك بن أنس إلى الليث بن سعد.

قال يحيى: حدثنا عبد الله بن صالح: من مالك بن أنس إلى الليث بن سعد سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد عصمنا الله وإياك بطاعته في السر والعلانية وعافانا وإياك من كل مكروه.

كتبت إليك وأنا ومن قبلي من الولدان والأهل على ما تحب والله محمود. أتانا كتابك تذكر من حالك ونعمة الله عليك الذي أنا به مسرور أسأل الله أن يتم علي وعليك صالح ما أنعم علينا وعليك وأن يجعلنا له شاكرين وفهمت ما ذكرت في كتب بعثت بها لأعرضها لك وأبعث بها إليك وقد فعلت ذلك وغيرت منها ما غيرت حتى صح أمرها على ما يجب وختمت على كل قنداق أو قال يحيى: غنداق منها بخاتمي ونقشه حسبي الله ونعم الوكيل.

وكان حبيباً إلي حفظك وقضاء حاجتك وأنت لذلك أهل وصبرت لك نفسي في ساعة لم أكن أعرض فيها لأن أنجح ذلك فتأتيك مع الذي جاءني بها حتى دفعتها إليه وبلغت من ذلك الذي رأيت أنه يلزمني لك في حقك وحرمتك وقد نشطني ما استطلعت مما قبلي من ذلك في ابتدائك بالنصيحة لك ورجوت أن يكون لها عندك موضع ولم يكن منعني من ذلك قبل اليوم إلا أن يكون رأيي لم يزل فيك جميلاً إلا أنك لم تذاكرني شيئاً من هذا الأمر ولا تكتب فيه إلي.

واعلم رحمك الله أنه بلغني أنك تفتي بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا وببلدنا الذي نحن به وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاء منك حقيق بأن تخاف على نفسك وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه فإن الله عز وجل يقول في كتابه " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم " .

قال تعالى: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ".فإنما الناس تبع لأهل المدينة إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وأحل الحلال وحرم الحرام إذ رسول الله rبين أظهرهم يحضرون الوحي والتنزيل ويأمرهم فيتبعونه ويسن لهم فيتبعونه حتى توفاه الله واختار له ما عنده rثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده فما نزل بهم مما علموا أنفذوه وما لم يكن عندهم علم فيه سألوا عنه ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم فإن خالفهم مخالف أو قال: امرؤ غيره أقوى منه وأولى ترك قوله وعمل بغيره ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل ويتبعون تلك السنن فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها ولو ذهب أهل الأمصار يقولون هذا العمل ببلدنا وهذا الذي مضى عليه من مضى منا لم يكونوا من ذلك على ثقة. ولم يجز لهم من ذلك مثل الذي جاز لهم فانظر رحمك الله فيما كتبت إليك فيه لنفسك واعلم أني لأرجو ألا يكون دعائي إلى ما كتبت إليك إلا النصيحة لله والنظر إليك والضن بك فأنزل كتابي منك منزله فإنك إن تفعل تعلم أني لم آلك نصحاً.

وفقنا الله وإياك بطاعته وطاعة رسول الله rفي كل أمر وعلى كل حال والسلام عليكم ورحمة الله."[4]

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي كِتَابِ التَّارِيخِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ،وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ غَزِيرُ الْعِلْمِ جَمُّ الْفَوَائِدِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر الْمَخْزُومِيُّ قَالَ:هَذِهِ رِسَالَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ .

[ رِسَالَةٌ مِنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ]:سَلَامٌ عَلَيْك،فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ،أَمَّا بَعْدُ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ،وَأَحْسَنَ لَنَا الْعَاقِبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ - قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك تَذْكُرُ فِيهِ مِنْ صَلَاحِ حَالِكُمْ الَّذِي يَسُرُّنِي،فَأَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكُمْ وَأَتَمَّهُ بِالْعَوْنِ عَلَى شُكْرِهِ وَالزِّيَادَةِ مِنْ إحْسَانِهِ،وَذَكَرْت نَظَرَك فِي الْكُتُبِ الَّتِي بَعَثْت بِهَا إلَيْك وَإِقَامَتَك إيَّاهَا وَخَتْمَك عَلَيْهَا بِخَاتَمِك،وَقَدْ أَتَتْنَا فَجَزَاك اللَّهُ عَمَّا قَدَّمْت مِنْهَا خَيْرًا،فَإِنَّهَا كُتُبٌ انْتَهَتْ إلَيْنَا عَنْك فَأَحْبَبْت أَنْ أَبْلُغَ حَقِيقَتَهَا بِنَظَرِك فِيهَا،وَذَكَرْت أَنَّهُ قَدْ أَنْشَطَك مَا كَتَبْت إلَيْك فِيهِ مِنْ تَقْوِيمِ مَا أَتَانِي عَنْك إلَى ابْتِدَائِي بِالنَّصِيحَةِ،وَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدِي مَوْضِعٌ،وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْك مِنْ ذَلِكَ فِيمَا خَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُك فِينَا جَمِيلًا إلَّا لِأَنِّي لَمْ أُذَاكِرْك مِثْلَ هَذَا،وَأَنَّهُ بَلَغَك أَنِّي أُفْتِي بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ عِنْدَكُمْ،وَأَنِّي يَحِقُّ عَلَيَّ الْخَوْفُ عَلَى نَفْسِي لِاعْتِمَادِ مَنْ قَبْلِي عَلَى مَا أَفْتَيْتهمْ بِهِ،وَأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي إلَيْهَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ،وَقَدْ أَصَبْت بِاَلَّذِي كُتِبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،وَوَقَعَ مِنِّي بِالْمَوْقِعِ الَّذِي تُحِبُّ،وَمَا أَجِدُ أَحَدًا يُنْسَبُ إلَيْهِ الْعِلْمُ أَكْرَهَ لِشَوَاذِّ الْفُتْيَا وَلَا أَشَدَّ تَفْضِيلًا لِعُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَا آخُذُ لِفُتْيَاهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ،وَأَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ rبِالْمَدِينَةِ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ بِهَا عَلَيْهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ وَمَا عَلَّمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ وَأَنَّ النَّاسَ صَارُوا بِهِ تَبَعًا لَهُمْ فِيهِ فَكَمَا ذَكَرْت،وَأَمَّا مَا ذَكَرْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ خَرَجُوا إلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَجَنَّدُوا الْأَجْنَادَ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِمْ النَّاسُ فَأَظْهَرُوا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَكْتُمُوهُمْ شَيْئًا عَلِمُوهُ .

وَكَانَ فِي كُلِّ جُنْدٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ يُعَلِّمُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ وَيَجْتَهِدُونَ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا لَمْ يُفَسِّرْهُ لَهُمْ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ،وَتَقَدَّمَهُمْ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ،وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ مُضَيِّعِينَ لِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَافِلِينَ عَنْهُمْ،بَلْ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي الْأَمْرِ الْيَسِيرِ لِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالْحَذَرِ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ،فَلَمْ يَتْرُكُوا أَمْرًا فَسَّرَهُ الْقُرْآنُ أَوْ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ rأَوْ ائْتَمَرُوا فِيهِ بَعْدَهُ إلَّا عَلَّمُوهُمُوهُ،فَإِذَا جَاءَ أَمْرٌ عَمِلَ فِيهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ rبِمِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَمْ يَزَالُوا عَلَيْهِ حَتَّى قُبِضُوا لَمْ يَأْمُرُوهُمْ بِغَيْرِهِ،فَلَا نَرَاهُ يَجُوزُ لِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُحْدِثُوا الْيَوْمَ أَمْرًا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ سَلَفُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ rوَالتَّابِعِينَ لَهُمْ،مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ rقَدْ اخْتَلَفُوا بَعْدُ فِي الْفُتْيَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ،وَلَوْلَا أَنِّي قَدْ عَرَفْت أَنْ قَدْ عَلِمْتهَا كَتَبْت بِهَا إلَيْك،ثُمَّ اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ فِي أَشْيَاءَ بَعْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ rسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَنُظَرَاؤُهُ أَشَدَّ الِاخْتِلَافِ،ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فَحَضَرْتهمْ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَرَأْسُهُمْ يَوْمَئِذٍ ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافِ رَبِيعَةَ لِبَعْضِ مَا قَدْ مَضَى مَا قَدْ عَرَفْت وَحَضَرْت،وَسَمِعْت قَوْلَك فِيهِ وَقَوْلَ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَكَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ وَغَيْرِ كَثِيرٍ مِمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ حَتَّى اضْطَرَّك مَا كَرِهْت مِنْ ذَلِكَ إلَى فِرَاقِ مَجْلِسِهِ .

وَذَاكَرْتُك أَنْتَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بَعْضَ مَا نَعِيبُ عَلَى رَبِيعَةَ مِنْ ذَلِكَ،فَكُنْتُمَا مِنْ الْمُوَافِقِينَ فِيمَا أَنْكَرْت،تَكْرَهَانِ مِنْهُ مَا أَكْرَهُهُ،وَمَعَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ رَبِيعَةَ خَيْرٌ كَثِيرٌ،وَعَقْلٌ أَصِيلٌ وَلِسَانٌ بَلِيغٌ،وَفَضْلٌ مُسْتَبِينٌ،وَطَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْإِسْلَامِ،وَمَوَدَّةٌ لِإِخْوَانِهِ عَامَّةً وَلَنَا خَاصَّةً رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَجَزَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ عَمَلِهِ .

وَكَانَ يَكُونُ مِنْ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ إذَا لَقِينَاهُ،وَإِذَا كَاتَبَهُ بَعْضُنَا فَرُبَّمَا كَتَبَ إلَيْهِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ عَلَى فَضْلِ رَأْيِهِ وَعِلْمِهِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا،وَلَا يَشْعُرُ بِاَلَّذِي مَضَى مِنْ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ،فَهَذَا الَّذِي يَدْعُونِي إلَى تَرْكِ مَا أَنْكَرْت تَرْكِي إيَّاهُ .

وَقَدْ عَرَفْت أَيْضًا عَيْبَ إنْكَارِي إيَّاهُ أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ،وَمَطَرُ الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مَطَرِ الْمَدِينَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مِنْهُمْ إمَامٌ قَطُّ فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ،وَفِيهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ،وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ:{ أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ } وَقَالَ:{ يَأْتِي مُعَاذٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ } وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ،وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ بِمِصْرَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ،وَبِحِمْصَ سَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ،وَبِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا وَبِالْعِرَاقِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ،وَنَزَلَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ سِنِينَ،وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r[ كَثِيرٌ ] فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ .

وَمِنْ ذَلِكَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ،وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِهِ،وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ rبِالشَّامِ وَبِحِمْصَ وَلَا بِمِصْرَ وَلَا بِالْعِرَاقِ،وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إلَيْهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ،ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ كَمَا قَدْ عَلِمْت فِي إحْيَاءِ السُّنَنِ وَالْجِدِّ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَالْإِصَابَةِ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ،فَكَتَبَ إلَيْهِ رُزَيْقُ بْنُ الْحَكَمِ:إنَّك كُنْت تَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ،فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:إنَّا كُنَّا نَقْضِي بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ،فَوَجَدْنَا أَهْلَ الشَّامِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَلَا نَقْضِي إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ؛ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ قَطُّ لَيْلَةَ الْمَطَرِ،وَالْمَطَرُ يَسْكُبُ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ بخناصرة سَاكِنًا .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقْضُونَ فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ أَنَّهَا مَتَى شَاءَتْ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مُؤَخَّرِ صَدَاقِهَا تَكَلَّمَتْ فَدَفَعَ إلَيْهَا،وَقَدْ وَافَقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ،وَلَمْ يَقْضِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ rوَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ لِامْرَأَةٍ بِصَدَاقِهَا الْمُؤَخَّرِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ فَتَقُومُ عَلَى حَقِّهَا .

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْإِيلَاءِ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ حَتَّى يُوقَفَ وَإِنْ مَرَّتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ،وَقَدْ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرْوَى عَنْهُ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:لَا يَحِلُّ لِلْمُولِي إذَا بَلَغَ الْأَجَلُ إلَّا أَنْ يَفِيءَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ يَعْزِمَ الطَّلَاقَ،وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ:إنْ لَبِثَ بَعْدَ الْأَشْهُرِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يُوقَفْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ،وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالُوا فِي الْإِيلَاءِ:إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ،وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَابْنُ شِهَابٍ:إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ،وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَقُولُ:إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ،وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ،وَقَضَى بِذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ،وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُهُ،وَقَدْ كَادَ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَلَاقٌ،وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ،وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ بِهَا ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُهَا،إلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا فِي مَجْلِسِهِ فَيَقُولُ:إنَّمَا مَلَكْتُك وَاحِدَةً،فَيَسْتَحْلِفُ وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ:أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا زَوْجُهَا فَاشْتِرَاؤُهُ إيَّاهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ،وَكَانَ رَبِيعَةُ يَقُولُ ذَلِكَ،وَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَبْدًا فَاشْتَرَتْهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ .

وَقَدْ بُلِّغْنَا عَنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْفُتْيَا مُسْتَكْرَهًا،وَقَدْ كُنْت كَتَبْت إلَيْك فِي بَعْضِهَا فَلَمْ تُجِبْنِي فِي كِتَابِي،فَتَخَوَّفْت أَنْ تَكُونَ اسْتَثْقَلْت ذَلِكَ،فَتَرَكْت الْكِتَابَ إلَيْك فِي شَيْءٍ مِمَّا أُنْكِرُهُ وَفِيمَا أَوْرَدْت فِيهِ عَلَى رَأْيِك،وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك أَمَرْت زُفَرَ بْنَ عَاصِمٍ الْهِلَالِيَّ - حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ - أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ،فَأَعْظَمْت ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَالِاسْتِسْقَاءَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا دَنَا مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ فَدَعَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى،وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا،فَكُلُّهُمْ يُقَدِّمُ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ،فَاسْتَهْتَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِعْلَ زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَنْكَرُوهُ .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ فِي الْخَلِيطَيْنِ فِي الْمَالِ:إنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ،وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ وَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ،وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبْلَكُمْ وَغَيْرِهِ،وَاَلَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ بِدُونِ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَصِيرَهُ ابْنُ سَعِيدٍ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ:إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَقَدْ بَاعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً فَتَقَاضَى طَائِفَةً مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي طَائِفَةً مِنْهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ،وَكَانَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا تَقَاضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي مِنْهَا شَيْئًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنِهَا .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّك تَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ rلَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ،وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْنِ وَمَنَعَهُ الْفَرَسَ الثَّالِثَ،وَالْأُمَّةُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ إفْرِيقِيَّةَ،لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ ؛ فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَك - وَإِنْ كُنْت سَمِعْته مِنْ رَجُلٍ مَرْضِيٍّ - أَنْ تُخَالِفَ الْأُمَّةَ أَجْمَعِينَ .

وَقَدْ تَرَكْت أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا،وَأَنَا أُحِبُّ تَوْفِيقَ اللَّهِ إيَّاكَ وَطُولَ بَقَائِك ؛ لِمَا أَرْجُو لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ،وَمَا أَخَافُ مِنْ الضَّيْعَةِ إذَا ذَهَبَ مِثْلُك مَعَ اسْتِئْنَاسِي بِمَكَانِك،وَإِنْ نَأَتْ الدَّارُ ؛ فَهَذِهِ مَنْزِلَتُك عِنْدِي وَرَأْيِي فِيك فَاسْتَيْقِنْهُ،وَلَا تَتْرُكْ الْكِتَابَ إلَيَّ بِخَبَرِك وَحَالِك وَحَالِ وَلَدِك وَأَهْلِك وَحَاجَةٍ إنْ كَانَتْ لَك أَوْ لِأَحَدٍ يُوصَلُ بِك،فَإِنِّي أُسَرُّ بِذَلِكَ،كَتَبْت إلَيْك وَنَحْنُ صَالِحُونَ مُعَافُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ،نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ شُكْرَ مَا أَوْلَانَا وَتَمَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا،وَالسَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ [5].

وإن من المؤسف اليوم أن نجد من بين المشتغلين بالدعوة إلى الإسلام من يشهر سيف الذم والتجريح لكل من يخالفه،متهما إياه بقلة الدين،أو باتباع الهوى أو بالابتداع والانحراف،أو بالنفاق،وربما بالكفر!

وكثير من هؤلاء لا يقتصرون في الحكم على الظواهر،بل يتهمون النيات والسرائر،التي لا يعلم حقيقة ما فيها إلا الله سبحانه،كأنما شقوا عن قلوب العباد واطلعوا على دخائلها!

ولم يكد يسلم من ألسنة هؤلاء أحد من القدامى،أو المحدثين،أو المعاصرين ممن لا يقول بقولهم في قضايا معينة،حتى وجدنا من يسب بعض الأئمة الأربعة في الفقه،ومن يسب بعض أئمة السلوك والزهد.

وهذه من المزالق التي يتورط فيها كثير من المنتسبين إلى التيار الديني: الطعن والتجريح،فيمن يخالف وجهتهم،أو مذهبهم في الاعتقاد أو الفقه أو السلوك.

فتجد بعض المنتمين إلى مذهب يطعنون في المذهب الآخر وإمامه.

ومن ينتمون إلى الحديث أو السلف يطعنون في الفقهاء كالأئمة الأربعة وكبار أتباعهم ممن لا يشك أحد في علمهم واجتهادهم ودينهم وورعهم.

أو يطعنون في كبار الصوفية الذين أثنى عليهم الربانيون والعلماء المحققون من خيار الأمة،وربما طعنوا في الصوفية جميعا.

وكذلك قد يطعنون في كبار علماء الأشاعرة ويجرحونهم تجريحا منكرا،وهم من لهم منزلة وفضلا في الذب عن هذا الدين،وعن الكتاب والسُّنَّة.

وانظر إلى موقف الإمام ابن القيم من شيخ الإسلام الهروي الأنصاري صاحب كتاب (منازل السائرين إلى مقامات "إياك نعبد وإياك نستعين") الذي شرحه ابن القيم بكتابه (مدارج السالكين) فكثيرا ما خالف الشارح (صاحب المدارج) المؤلف (صاحب المنازل) وبين خطأه فيما ذهب إليه،وذلك حين لا يجد أي مجال لتأويل كلامه وحمله على أحسن الوجوه الممكنة،ومع ذلك يلتمس له العذر بعد العذر،ويثني عليه وعلى علمه وفضله ومنزلته.

خذ مثلا لذلك ما قاله الهروي في حقائق التوبة،حيث جعل منها (طلب أعذار الخليقة) على نحو ما يقوله كثير من الصوفية أن من نظر إلى الخلق بعين الحقيقة عذرهم،على حين أن من نظر إليهم بعين الشريعة لامهم.

قال ابن القيم رحمه الله:" " ولا ريب أن صاحب المنازل إنما أراد أن يعذرهم بالقدر ويقيم عليهم حكم الأمر فينظر بعين القدر ويعذرهم بها وينظر بعين الأمر ويحملهم عليها بموجبها فلا يحجبه مطالعة الأمر عن القدر ولا ملاحظة القدر عن الأمر.

فهذا وإن كان حقا لا بد منه فلا وجه لعذرهم وليس عذرهم من التوبة في شيء ألبتة ولو كان صحيحا فضلا عن كونه باطلا فلا هم معذورون ولا طلب عذرهم من حقائق التوبة بل التحقيق: أن الغيرة لله والغضب له من حقائق التوبة فتعطيل عذر الخليقة في مخالفة الأمر والنهي وشدة الغضب: هو من علامات تعظيم الحرمة وذلك بأن يكون من حقائق التوبة أولى من عذر مخالفة الأمر والنهي.

ولاسيما أنه يدخل في هذا: عذر عباد الأصنام والأوثان وقتلة الأنبياء وفرعون وهامان ونمروذ بن كنعان وأبو جهل وأصحابه وإبليس وجنوده وكل كافر وظالم ومتعد حدود الله ومنتهك محارم الله فإنهم كلهم تحت القدر وهم من الخليقة أفيكون عذر هؤلاء من حقيقة التوبة؟.

فهذا مما أوجبه السير في طريق الفناء في توحيد الربوبية وجعله الغاية التي يشمر إليها السالكون.

ثم أي موافقة للمحبوب في عذر من لا يعذره هو؟ بل قد اشتد غضبه عليه وأبعده عن قربه وطرده عن بابه ومقته أشد المقت؟ فإذا عذرته فهل يكون عذره إلا تعرضا لسخط المحبوب وسقوطا من عينه؟.

ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه والكامل من عد خطؤه ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وافترقت بالسالكين فيه الطرقات وأشرفوا إلا أقلهم على أودية الهلكات.

وكيف لا؟ وهو البحر الذي تجري سفينة راكبه في موج كالجبال والمعترك الذي تضاءلت لشهوده شجاعة الأبطال وتحيرت فيه عقول ألباء الرجال ووصلت الخليقة إلى ساحله يبغون ركوبه." [6]

ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض المتدينين: أنهم لا يسمحون للشخص الذي يثقون بمنزلته في العلم أو في الدين،بأي زلة تزلها قدمه في الفكر أو في السلوك،وتراهم بمنزلة واحدة يهدمون جهاد إنسان وجهوده طوال عمره،ويهيلون التراب على تاريخه كله.

3-البعد عن المراء واللدد في الخصومة :

وعامل آخر يقرب بين أصحاب الرأي المختلف،وهو: البعد عن المراء المذموم واللدد في الخصومة.

فالإسلام ـ وإن أمر بالجدال بالتي هي أحسن ـ ذم المراء،الذي يراد منه الغلبة على الخصم بأي طريق،دون التزام بمنطق ولا خضوع لميزان بين الطرفين.

وهذا ما ذم الله به الممارين من أهل الشرك والكفر،بمثل قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) [الحج/8-9]).

ومن هنا جاء في الحديث ذم المراء،والترغيب في البعد عنه.فعَن أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَن حَسَّنَ خُلُقَهُ »[7].

وعَن أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ ». ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -r- هَذِهِ الآيَةَ {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَل هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (58) سورة الزخرف [8].

وهذا أمر ملاحظ: أن القوم إذا حرموا التوفيق،تركوا العمل،وغرقوا في الجدل،وبخاصة أن هذا موافق لطبيعة الإنسان التي لم يهذبها الإيمان {ووَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (54) سورة الكهف.

ونحن نشاهد على الساحة الإسلامية أناسا لا هم لهم إلا الجدل في كل شيء وليس لديهم أدنى استعداد لأن يعدلوا عن أي رأي من آرائهم،وإنما يريدون للآخرين أن يتبعوهم فيما يقولون. فهم على حق دائما،وغيرهم على باطل أبدا. منهم من يجادل في كلمات أعطاها اصطلاحا خاصا،خالفه فيه غيره،ويريد أن يلزم الآخرين برأيه،مع أن علماءنا قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح.

ومنهم من يذم التعصب للمذاهب،وهو يقيم مذهبا جديدا،يقاتل الآخرين عليه!

ومن يحرم التقليد ويطلب من الناس أن يقلدوه! أو يم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ommah.forumegypt.net/forum
زهرة الجنة
مديره المنتدى
مديره المنتدى
زهرة الجنة


أدب الحوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الحوار   أدب الحوار Emptyالثلاثاء 15 مارس - 18:55

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هيما رشدى
عضو ذهبى
عضو ذهبى
هيما رشدى


أدب الحوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الحوار   أدب الحوار Emptyالثلاثاء 15 مارس - 23:31

وفيكى بارك الله اختى الكريمه زهرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ommah.forumegypt.net/forum
عاشقة الشهادة
عضو برونزى
عضو برونزى
عاشقة الشهادة


أدب الحوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الحوار   أدب الحوار Emptyالثلاثاء 15 مارس - 23:37

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هيما رشدى
عضو ذهبى
عضو ذهبى
هيما رشدى


أدب الحوار Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدب الحوار   أدب الحوار Emptyالأربعاء 16 مارس - 2:33

وفيكى بارك الله يا عاشقه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://ommah.forumegypt.net/forum
 
أدب الحوار
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحوار بين الزوجين
» أسلوب الحوار الراقى
» الحوار الصحفى مع الحب
» سته اشخاص لاينفع الحوار معهم
» اكسبي الحوار مع زوجك على طريقتي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب وبنات دمياط  :: القسم الاسلامي :: المنتدى الإسلامي العام-
انتقل الى: