"أصدقاء الأمس .. أعداء اليوم" مقولة تثبت حقيقة صراع التعويضات والمحاكم
المتفجر حالياً بين القاهرة وتل أبيب، التى أعلنت اعتزامها مقاضاة الحكومة
المصرية دولياً، ومطالباتها بدفع تعويضات تقدر بمبلغ 8 مليارات دولار،
نتيجة خسائرها من توقف إمدادات الغاز المصرى إليها عقب قيام الثورة وتوالى
تفجيرات خط الغاز التى بلغت 6 تفجيرات، وفى المقابل تطالب مصر إسرائيل،
بدفع مبلغ 780 مليون دولار كتعويض عن فارق السعر الذى كان يصدر به الغاز
المصرى لها بثمن بخس فى السنوات الماضية.
وسائل الإعلام الإسرائيلية سلطت الضوء على تداعيات صفقة تصدير الغاز المصرى
لإسرائيل، التى أدت فى النهاية إلى نشوب صراعات بين شخصيات سياسية
واقتصادية بارزة فى إسرائيل، وتسببت أيضا فى محاكمة كبار رموز النظام
السابق فى مصر، بالإضافة إلى استمرار الخلافات بين الحكومة المصرية
والإسرائيلية بسبب الصفقة، التى قد تؤدى إلى لجوئهما للتحكيم الدولى.
حيث كشفت التقارير التى أعدتها القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلى،
وصحيفتا "كالكاليست" و"جلوبس" و"ذا ماركر" الاقتصادية، أدق أسرار صفقة
توريد الغاز المصرى لإسرائيل، التى تمت بالتنسيق بين أعلى القيادات بين
البلدين حينذاك، متمثلة فى الرئيس السابق حسنى مبارك وشيمون بيريز رئيس
وزراء إسرائيل وقتها، ثم إيهود بارك رئيس الحكومة التالية، ومن بعده رئيس
الوزراء الأسبق آرئيل شارون، هذا بجانب دور الإدارة الأمريكية التى توسطت
لإتمام الصفقة.
أسرار صفقة توريد الغاز المصرى لإسرائيل، كشفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية
من خلال دعوى قضائية تنظرها المحاكم الإسرائيلية حالياً، نتيجة للصراع
المالى والقضائى الذى اشتعل بين رجل الأعمال والملياردير الإسرائيلى الشهير
يوسى ميمان، شريك رجل الأعمال المصرى المسجون فى أسبانيا حسين سالم، فى
شركة غاز شرق المتوسط المصرية "E.M.G"، وبين د.نمرود نوفيك "62" عاما، الذى
كان الذراع الأيمن ليوسى ميمان طوال 20 عاما، وكان أيضاً يشغل منصب نائب
رئيس شركة "ميرحاف" الإسرائيلية، الشريك الإسرائيلى فى شركة "EMG"،
المسئولة عن تصدير الغاز المصرى لإسرائيل.
وكشفت الدعوى القضائية أدق أسرار صفقة الغاز المصرى، بعدما قام رجل الأعمال
والملياردير الإسرائيلى الشهير يوسى ميمان، بفصل مساعده د.نمرود نوفيك
أوائل الشهر الجارى، بعد خدمة 20 عاما، مما دفع "نوفيك" إلى كشف جميع أسرار
"ميمان"، ورفع دعوى قضائية عليه يطالبه فيها بدفع مبلغ 30 مليون دولار،
نتيجة مساهماته فى تطوير شركة "E.M.G"على مدار 20 عاماً، وكشفت الدعوى التى
ينظرها القضاء الإسرائيلى الحقائق التالية:
قال فيها "نمرود نوفيك" فى دعواه القضائية إنه كان مهندس "عراب" إتمام صفقة
تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، وإنه أدار الصفقة مع المسئولين المصريين
بسرية تامة لمدة 13 عاما منذ عام 1993 وحتى 2008، وإن الرئيس السابق حسنى
مبارك وافق بكل ترحاب على فكرة تصدير الغاز لإسرائيل عقب اتفاق "أوسلو"
للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993، من أجل دفع وتشجيع التعاون
الاقتصادى بين مصر وإسرائيل من ناحية، وبين العرب وإسرائيل من ناحية أخرى،
وبناء على موافقته هذه، كلف مبارك رجاله، وعلى رأسهم، رئيس المخابرات
السابق عمر سليمان، والسفير محمد بسيونى، سفير مصر فى إسرائيل آنذاك،
والدكتور أسامة الباز، المستشار السياسى السابق لمبارك، ببحث أولى مراحل
صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وتمت المباحثات بنجاح.
وبعد هذه المباحثات بعدة أشهر، ذكر د.نمرود نوفيك، فى دعواه القضائية أنه
زار مصر بصفته مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء الإسرائيلى شيمون بيريز،
واصطحب معه رجل الأعمال والملياردير الإسرائيلى يوسى ميمان، الذى كان أنهى
خدمته فى الموساد الإسرائيلى، وخلال الزيارة أبلغهما أسامة الباز تحيات
مبارك وترحيبه بالتعاون، وعرفهما على رجل الأعمال حسين سالم بصفته الصديق
المقرب لمبارك، وعلموا وقتها بأن مبارك أمر بإشراك "سالم" فقط فى صفقة
تصدير الغاز لإسرائيل.
وبالفعل أسفر اللقاء بعد ذلك على إقامة مشروع محطة تكرير "ميدور"
بالإسكندرية، باستثمارات تصل إلى 1,3 مليار دولار، وكان حسين سالم يمتلك
70% من المشروع، ويمتلك رجل الأعمال الإسرائيلى يوسى ميمان نسبة 20%، بينما
تمتلك الهيئة المصرية العامة للبترول 10%، وأكد "نمرود نوفيك" أن نجاح
مشروع "ميدور" الذى تولى إدارته فى مصر تسبب فى سعادة الإدارة الأمريكية
التى توسطت فى إتمامه، وقال عنه الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، فى
حضور مبارك، إن "مشروع ميدور بين مصر وإسرائيل يعتبر قاطرة لدفع التعاون
المشترك فى الشرق الأوسط".
ولكن فى عام 2000، باعت إسرائيل حصتها فى المشروع إثر اندلاع الانتفاضة
الفلسطينية الثانية، وحققت إسرائيل مكاسب مالية من هذا المشروع تقدر بـ72
مليون دولار، جنى معظمها رجل الأعمال والملياردير الإسرائيلى يوسى ميمان،
الذى عاد فى عام 1997، وطالب د."نمرود نوفيك" بالعمل على إقناع المصريين
بمشاركته فى مشروع آخر لتصدير الغاز، وبالفعل طالب "نوفيك" واشنطن بموافقة
مبارك على مشروع جديد، وبعد موافقة مبارك، كلف إيهود باراك رئيس وزراء
إسرائيل وقتها، شركة الكهرباء الإسرائيلية، دراسة استيراد الغاز المصرى
لتوليد الكهرباء، وكلفت الإدارة المصرية حسين سالم بتأسيس شركة لتصدير
الغاز لإسرائيل فى عام 2000، ولكن المشروع توقف لأسباب سياسية.
وفى بداية عام 2003، عقب تأسيس حسين سالم لشركة غاز شرق المتوسط المصرية
"E.M.G"، بمشاركة رجل الأعمال الإسرائيلى يوسى ميمان، قال "نمرود نوفيك"
إنه أقنع عمر سليمان رئيس المخابرات وقتها بأهمية استمرار التعاون
الاقتصادى بين مصر وإسرائيل، كما قام "نوفيك" بتقريب وجهات النظر السياسية
بين مبارك وشارون الذى تولى رئاسة وزراء إسرائيل وقتها، وأسفر هذا التقارب
على قرار شارون باستيراد الغاز الطبيعى من مصر بدلاً من الحصول عليه من
قطاع غزة، وفى عام 2008، أكد نوفيك أن مفاوضات الحكومتين المصرية
والإسرائيلية انتهت إلى اتفاقية تصدير الغاز المصرى لإسرائيل بقيمة إجمالية
15 مليار دولار، ولمدة 18 عاما.
وأخيراً كشف "نمرود نوفيك" فى دعواه القضائية، تورط رجل الأعمال الإسرائيلى
يوسى ميمان فى جرائم مالية وتهرب ضريبى فى إسرائيل وإقامة مشاريع سرية فى
عدة دول عربية، بجانب دفع رشاوى تقدر بـ11 مليون دولار إلى رئيس الموساد
الأسبق شبيتاى شافيط فى الفترة من (1989- 1996)، ليتوسط لدى جهات أمنية
مصرية، وبخاصة نظيره حينذاك رئيس جهاز المخابرات اللواء عمر سليمان، ليسهل
إتمام صفقة الغاز المصرى لإسرائيل بموافقة مبارك شخصياً، ونجليه علاء وجمال
اللذين حصلا أيضاً على عمولات مادية من الصفقة.