من أين يدخل الشيطـــــــان ؟
.إنّ مثل القلب مثل حصن والشيطان عدوّ يريد أن يدخله فيملكه ويستولي عليه
لا نقدر على حفظ الحصن من العدوّ
إلا بحراسة الحصن ومداخله ومواضع ثُلَمِهِ،
ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه
فحماية القلب من وسواس الشيطان واجبة
ولا يُتَوصَّلُ إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارتْ معرفة مداخله واجبة.
ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة،
ولكنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب
التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان.
فمن أبوابه العظيمة
**الغضب والشهوة
فإنّ الغضب هو غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان
وكلما غضب الإِنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة
**الحسد والحرص:
فمهما كان العبد حريصاً على كل شيء أعماه حرصه وأصمّه,
ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان فإذا غطّاه الحسد والحرص لم يبصر.
فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسّن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكراً وفاحشاً.
**الشبع من الطعام:
وإن كان حلالاً صافياً، فإنّ الشبع يقوّي الشهوات والشهوات أسلحة الشيطان
**حب التزين من الأثاث والثياب والدار
فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالباً على قلب الإِنسان باض فيه وفرخ/
فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها وتوسيع أبنيتها
ويدعوه إلى التزين بالثياب والدواب ويؤمّله بطول عمره
وإذا أوقعه في ذلك فقد استغنى أن يعود إليه ثانية.
**الطمع في الناس
لأنه إذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحبب إليه التصنع والتزين
لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يعود المطموع فيه كأنه معبوده
فلا يزال يتفكر في حيلة للتودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك
وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة له بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
**العجلة وترك التثبت في الأمور:
قال عز وجل: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء:
وقال تعالى: {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا}
[الإسراء: 11]
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم :
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}
[طه: 114]
وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة،
والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل، والعجلة تمنع من ذلك
وعند الاستعجال يروّج الشيطان شرّه على الإِنسان من حيث لا يدري
**الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال :
من العروض والدواب والعقار،
فإن كل ما يزيد على قدر القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان،
فإن من معه قوته فهو فارغ القلب
**البخل وخوف الفقر:
فإن ذلك هو الذي يمنع الإِنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز
والعذاب الأليم وهو الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن العزيز.
** التعصب للمذاهب والأهواء]
والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاستحقا
وذلك مما يهلك العباد جميعاً فإن الطعن في الناس والاشتغال بذكر نقصهم/
صفة مجبولة في الطبع ، فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقاً لطبعه
غلبت حلاوته على قلبه فاشتغل به بكل همته
وهو بذلك فرحان مسرور يظن أنه يسعى في الدين وهو ساع في اتباع الشياطين.
** حمل العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه
على التفكر في ذات الله تعالى وصفاته وفي أمور لا يبلغها حدّ عقولهم
حتى يشككهم في أصل الدين، أو يخيل إليهم في الله تعالى خيالات يتعالى الله عنها
يصيرُ أحدهم بها كافراً أو مبتدعاً وهو به فرح مسرور مبتهج بما وقع في صدره،
يظن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله
فأشدّ الناس حماقةً أقواهم اعتقاداً في عقل نفسه،
وأثبت الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه وأكثرهم سؤالاً من العلماء
** سوء الظن بالمسلمين:
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}
[الحجرات: 12].
فإن من حكم على مسلم بسوء ظنه، احتقره وأطلق فيه لسانه،
ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان،
لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه
وينبغى للإنسان أن يحترز عن مواقف التهم، لئلا يساء به الظن،
فهذا طرف من ذكر مداخل الشيطان
وعلاج هذه الآفات سد مداخل الشيطان بتطهير القلب من الصفات المذمومة،
وإن بقى للشيطان بالقلب خطرات واجتيازات من غير استقرار،
فيمنعه من ذلك ذكر الله تعالى، وعمارة القلب بالتقوى.
ومثل الشيطان كمثل ******* جائع يقرب منك، فإن لم يكن بين يديك لحم وخبزه،
فإنه ينزجر بأن تقول له: اخسأ
وإن كان بين يديك شئ من ذلك وهو جائع، لم يندفع عنك بمجرد الكلام،
فكذلك القلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر.
فأما القلب الذي غلب عليه الهوى، فإنه يرفع الذكر إلى حواشيه،
فلا يتمكن الذكر من سويدائه، فيستقر الشيطان في السويداء.
وإذا أردت مصداق ذلك، فتأملي هذا في صلاتك،
وانظري إلى الشيطان كيف يحدث قلبك في مثل هذا الموطن
بذكر السوق، وحساب المصاريف، وتدبير أمر الدنيا.
وإنّ القلب بأصل فطرته قابل للهدى،
وبما وضع فيه من الشهوة والهوى، مائل عن ذلك،
والتطارد فيه بين جندي الملائكة والشياطين دائم
إلى أن ينفتح القلب لأحدهما، فيتمكن، ويستوطن،
ويكون اجتياز الثانى اختلاساً كما قال تعالى:
{من شر الوسواس الخناس}
[ [الناس:4]
وهو الذي إذا ذكر الله خنس، وإذا وقعت الغفلة انبسط،
ولا يطرد جند الشياطين من القلب إلا ذكر الله تعالى،
فإنه لا قرار له مع الذكر .
إن أشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله، العامل له،
الساعي إليه، المقرب المكاشف، بما عنده
وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها القلب استخدام الملوك للعبيد
ومن عرف قلبه عرف ربه،
وأكثر الناس جاهلون بقلوبهم ونفوسهم،
والله يحول بين المرء وقلبه،
وحيلولته أن يمنعه من معرفته ومراقبته،
فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين . وأساس طريق السالكين.
ثبات القلوب على الخير
وقد ورد في الحديث أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول
"يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
يا مصرف القلوب اصرف قلبنا إلى طاعتك”
وفى حديث آخر:
"مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح"
أن القلوب في الثبات على الخير والشر والتردد بينهما ثلاثة:
; القلب الأول:
قلب عَمُرَّ بالتقوى، و طهر عن خبائث الأخلاق،
فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب، فيمده الملك بالهدى.
القلب الثانى:
قلب مخذول، مشحون بالهوى، مدنس بالخبائث
ملوث بالأخلاق الذميمة، فيقوى فيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه،
ويضعف سلطان الإيمان، ويمتلئ القلب بدخان الهوى،
فيعدم النور، ويصير كالعين الممتلئة بالدخان،
لا يمكنها النظر، ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ
والقلب الثالث:
قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى، فيدعوه إلى الشر، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير.
مثاله، أن يحمل الشيطان حملة على العقل، ويقوى داعي الهوى
ويقول: أما ترى فلاناً وفلاناً كيف يطلقون أنفسهم في هواها،[ حتى يعدّ جماعة من العلماء، فتميل النفس إلى الشيطان،
فيحمل الملك حملة على الشيطان،
ويقول: هل هلك إلا من نسى العاقبة، فلا تغتر بغفلة الناس عن أنفسهم
أرأيت لو وقفوا في الصيف في الشمس ولك بيت بارد،
أكنت توافقهم أم تطلب المصلحة؟
أفتخالفهم في حر الشمس، ولا تخالفهم فيما يؤول إلى النار؟
فتميل النفس إلى قول الملك، ويقع التردد بين الجندين،
إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به،
فمن خلق للخير يسر له، ومن خلق للشر يسر له:
{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء}
[الأنعام
: 125]