ملف التوريث تحول إلي ظاهرة مستقرة ومستمرة في سلك التدريس الجامعي تبدأ بالمجاملة في امتحانات الشفوي وربما تتعدي ذلك إلي الحصول علي وظيفة عضو هيئة تدريس دون استحقاق بينما يصرخ الخريجون الأوائل من أبناء البسطاء لعدم تعيينهم بالجامعة رغم تعب وسهر الليالي. وقد يجد أبناء الأساتذة موقع المعيد محجوزا ومصانا لهم إلي حد تأجيل تعيين المعيدين بالقسم لفترة "تعطيش القسم" انتظارا للمحظوظ ابن الدكتور.
ولا يعني ذلك أن كل أبناء الأساتذة متهمون بالمجاملة إلي أن تثبت براءتهم فهناك المتفوق حقا ولكن حتما ينالون امتيازات لا يعرفها زملاؤهم.. جاءت الثورة لتقضي علي ملف التوريث في حكم الوطن فأصبح من حق البسطاء والأكفاء أن يطالبوا بالقضاء علي التوريث في كل الوظائف ومنها الانضمام لمحراب الجامعة المقدس.
حالات عديدة تعرضت لظلم صارخ وحالات أكثر تعرضت لمجاملة منها حالة التزوير بكلية الطب قصر العيني منذ بضع سنوات عندما شارك وكيلا الكلية في تصحيح درجات أبنائهما ولمدة 4 سنوات في الكنترول لتغيير التقديرات من جيد جدا إلي ممتاز.
قضية تم كشفها بمحض الصدفة ولكنها أعطت بعدا آخر لمسكوت عنه في كليات الطب وهو مجاملة أبناء الأساتذة في الشفوي علي الأقل وفي كلية طب الزقازيق أثيرت ضجة العام الماضي حول اختيار لجان الشفوي لطلابها حسب المزاج واختفاء أوراق طالبين من الكنترول تصادف أن تخص ابنة رئيس الجامعة وابن عميد الكلية وعادت الورقتان بسلام بعد إبلاغ النيابة ومعهما درجات الامتياز للطالبين.
وفي كلية العلوم بجامعة الزقازيق أيضا تقدم أحد الأساتذة ببلاغ إلي النيابة الإدارية يطالب بوضع أوراق إجابات المواد العملية بالكنترول مؤكدا أن هناك درجات المواد العملية لا تدخل كنترول الكلية ولا يعرف الطالب عنها شيئا وهي الباب المباشر لصناعة المعيدين بالكلية. من خلال مجاملة أبناء الأساتذة ومنحهم درجات لا يستحقونها.
وفي جامعة المنيا عين عميد كلية العلوم ابنته التي كان ترتيبها السابع علي الدفعة في مسابقة المعيدين رغم أن القسم طلب3 معيدين فقط وهو الأمر الذي ألغاه رئيس الجامعة د. ماهر جابر فور توليه.
وفي كل اعتصام لعدم التعيين تكون الشكوي العالية"لم يتم تعييننا وتم تعيين أبناء الأساتذة شكوي تقدم بها طلاب معهد الكفاية الإنتاجية بجامعة الزقازيق دفعة 2008 وطلاب آداب جامعة أسيوط وجامعة كفر الشيخ التي لم يعين أوائل الخريجين بها من 2005 وجامعة الأزهر التي لم يتم تعيين خريجيها منذ عام 2002 علي حد قول أسماء مصطفي خريجة كلية الدراسات الاسلامية جامعة المنصورة والسادسة علي دفعة 2010 مشيرة إلي المصاعب التي يلاقيها الخريجون من اشتراط امتحان قبول قبل التقدم للدراسات العليا ينجح الطلاب في التحريري ويسقطون في الشفوي كما ان الدراسات العليا لا يمكن استكمالها إلا بالقاهرة بينما لا تقبل الجامعة طلاب الدراسات العليا المغتربين الا في فترة الامتحانات فلا توجد منح أو وظائف للأوائل بالمعاهد الازهرية بعكس ابن أستاذ الجامعة الذي يبدو طريقه مفروشا بالورود في مقابل طالب أنفق أهله كل شيء علي تعليمه والنهاية ¢يقعد في البيت¢.
فتحنا باب الحوار في القضية مع رؤساء الجامعات السابقين والحاليين وأكدوا وجود الظاهرة رافضين التعميم أو التهويل. مؤكدين أن المعايير العادلة ونظم الامتحانات القياسية تساعد في حصار الظاهرة.
غلق باب المجاملات؟
يري د. مصطفي كمال رئيس جامعة أسيوط أن مجاملة أبناء الأساتذة تحدث بنسبة ضئيلة لا تتعدي 10 أو 20% وأن المجاملة ليست مسئولة عن وجودهم في سلك التدريس كآبائهم مؤكدا أن التربية في مناخ علمي جيد وحصول الأبناء علي مجاميع عالية. يؤهلهم للعمل الجامعي وليس المجاملات الشخصية.. مشيرا انه في جامعة أسيوط التي يتولي رئاستها حرص علي تقليل نسبة الشفوي في المجموع باعتبارها بابا للمجاملات وتعديل لجان الشفوي لتعتمد علي أكثر من لجنة وأكثر من مرحلة ضمانا لأكبر عدالة. كما جعل مجالس الكليات مختصة بوضع معايير التعيين لوظائف المعيدين. وتعتمدها الجامعة وتكون فيها الأولوية لأصحاب التقديرات الأعلي ومن تنطبق عليه المعايير وحسب الاحتياج.
يأتي حديث رئيس جامعة أسيوط وسط عاصفة غضب علي منتديات أسيوط الالكترونية ومظاهرات يقوم بها باحثون من كلية الآداب تحديدا احتجاجا علي عدم تعيينهم برغم تعيين أبناء أساتذة وعمداء بكليات العلوم والاداب والتربية بالمخالفة للقانون علي حد قولهم.
اتهامات الأسايطة التي طالت حتي شخص رئيس الجامعة واتهمته بتعيين ابنته بطب قصر العيني بالمجاملة. يراها د. مصطفي كمال لغطا وخلطا للحق بالباطل. موضحا أن المعترضين مجموعة من طلاب المنح البحثية الذين حصلوا علي منح للحصول علي الماجستير في الفترة من 2003 - 2007 وحصلوا بالفعل علي الماجستير بموجب المنحة والجامعة تحملت المقابل المادي ولكن ليس لهم حق في التعيين والجامعة لم تعدهم بذلك.
أما عن ابنته والتي يطرحها الطلاب كمثال للوساطة. رد ان ليس لها دخل في الموضوع. مشيرا أن ترتيبها ال 15 علي دفعتها في كلية الطب قصر العيني وطبيبة مقيمة والأولي علي قسم الباطنة وتم تكليف 3 معيدين هي منهم. مشددا أن من يتعرض لظلم في التعيين يلجأ لرفع دعوي قضائية وللجامعة الاعتراض وفي النهاية يتم تنفيذ الحكم النهائي.
للتسيب حدود
وللدكتور علي العبد رئيس جامعة عين شمس سابقا رأي خاص في الموضوع من واقع تجربته مؤكدا أن التوصيات موجودة والادعاء بعدم وجودها كذب ولكن لها حدود ولا أحد يبخس حق المتفوق مطالبا بالرجوع إلي نتائج اوائل الطب في السنوات العشر الأخيرة للتأكد أنه من النادر أن يكون أحد أبناء الأساتذة هو الأول ويلفت أنه حتي في وجود التوصية فالمستفيد ليس ابن الدكتور وحده وإنما تنعكس علي كل زملائه ولا تكفي لتغيير النتائج خصوصا وان نسبة الشفوي اصبحت في حدود 15% في بعض المواد بعد أن كانت 60% من قبل.
وينوه د. العبد أنه عضو هيئة تدريس بكلية طب جامعة عين شمس من سنة 1970 ولم يشهد طوال عمله المجاملات الفجة خصوصا وأن كلية الطب تعتمد علي المجموع التراكمي من سنة 93.
ويفسر مسألة تمييز أبناء الأساتذة بارتباطها بالعاطفة البشرية فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا وكل أب يتمني أن يكون ابنه أحسن منه ويقدم له كل المساعدة ولكن تعميم المسألة خطأ.. كما أن تغيير نظام الامتحان للاختيارات المتعددة وليس الاسئلة النظرية التي تسمح بالخلاف في التقدير والتصحيح أصبح بالكمبيوتر مما يقلل حجم الخطأ البشري.. وفي كل الأحوال القانون يسمح للطالب بالكشف عن ورقته ولكن ليس من حقه الكشف عن ورق شخص آخر ومسألة إعادة التصحيح خاصة بالدرجات التي لم تجمع أو الاسئلة التي لم تصحح ولكنها ليس إعادة بالمعني الذي يريده الطالب مشددا ان الضمير هو المعيار وان الاضطهاد ليس قاعدة كما أن هيئة الاعتماد والجودة تقيم مثل هذه الأمور والجامعة والكلية لا يمكن ان تخاطر بسمعتها. فحتي التسيب له حدود وإلا تحول إلي فجور علي حد تعبيره.
قطع الطريق علي الواسطة
أما د.عباس الحفناوي رئيس جامعة المنوفية سابقا ورئيس إحدي الجامعات الخاصة فيؤكد ان التوريث ظاهرة في مهن كثيرة ولكن في حالة أبناء الأساتذة تحديدا يثور الشك حول كيفية حصولهم علي الدرجات بينما في المهن الأخري يكون الشك في قواعد الاختيار نفسها والحل - في رأيه - وجود معايير للشفافية بما يضمن حصول كل فرد علي حقه وعدم حصول ابن صاحب المهنة علي أكثر من حقه.
ويدعو في الوقت نفسه إلي قطع الطريق علي الواسطة من خلال ابتعاد الوالد عن المشاركة في امتحان ابنه وضرورة احتكام الأستاذ الجامعي لضميره ليس بمعني عدم المجاملة فقط ولكن عدم الانتقام ايضا من شخص الوالد في ابنه في حالة وجود خلافات. مطالبا أن تكون الامتحانات بطرق قياسية معروفة وبوجود رقابة علي التصحيح فضلا عن التعيين بشفافية.
وهكذا وليس الأمر مقصورا علي أبناء الأساتذة وإنما زوجاتهم فهناك من يسجل الرسالة لزوجته اعتمادا علي اختلاف الأسماء وقد تأخذ حقا ليس لها وبالتالي المفروض ان تطبق معايير العدالة علي الجميع.
وباعتباره رئيسا لجامعة خاصة. يلفت د.الحفناوي أنه في السابق كان بعض أبناء الأساتذة غير القادرين علي تعيين أبنائهم في الجامعات الحكومية يلحقونهم بسلك التدريس في الجامعات الخاصة وهي الظاهرة التي تم التصدي لها من قبل المجلس الأعلي للجامعات منذ نحو عام ونصف العام بحيث أصبح الحد الأدني للتعيين في الجامعات سواء إعلان أو تعيين تقدير جيد جدا أما من قبل فكانت اللائحة تجيز تكليف المعيد الحاصل علي جيد جدا أو الإعلان عن معيدين بدرجة جيد وجيد جدا في مادة التخصص.