من مبادئ الإسلام.. السماحة
لا ينكر أحد أن تاريخ الإسلام قد شهد حكامًا ظلمة، وأن ظلم هؤلاء الحكام قد طال الأغلبية المسلمة كما طال بعض الأغلبية غير المسلمة.
لكن هذا التاريخ كان يشهد تصحيح المظالم، وخاصة تلك التي تقع على غير المسلمين، الأمر الذي جعل تلك الاضطهادات أمرًا عارضًا وسريع الزوال.
ولقد أورد العلامة سير توماس أرنولد (1864-1930م) في كتابه الكنز (الدعوة إلى الإسلام) العديد من الوقائع على هذه الحقيقة التاريخية المهمة.
- فالعالم اليهودي موسى بن ميمون ( 529-601هـ/ 1135-1204م) قد تظاهر بالدخول في الإسلام في عهد الموحدين بالمغرب مراعاة لتعصبهم الديني، فلما هاجر إلى مصر الأيوبية عاد إلى إعلان يهوديته، وانتصر له أشهر قضاة المسلمين القاضي الفاضل (529-596هـ/ 1135-1200م)، ونفى عنه تهمة الردة؛ لأنه لم يدخل الإسلام بإرادة حرة واختيار صريح.
- والسلطان المغولي (غازمان) (694-703هـ/ 1295-1304م) عندما اكتشف أن البوذيين الذين دخلوا الإسلام في مستهل حكمه إنما صنعوا ذلك نفاقًا، سمح لهم بالعودة إلى ديانتهم القديمة إنْ رغبوا في ذلك.
- ويحكي البارون تافرنيير (1605-1689م) وهو رحالة فرنسي، قصة مماثلة عن بعض يهود أصفهان الذين تحولوا إلى الإسلام بالقوة والخديعة، فجاء حاكم الدولة الصفوية الشاه عباس الثاني (1642-1767م) فأذن لهم أن يستردوا ديانتهم القديمة، وأن يعيشوا مع المسلمين في هدوء وأمان.
- وكذلك حدث في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386-411هـ/ 996-1020م) الذي لم يدم اضطهاده لليهود والمسيحيين إلا أيامًا، ثم سمح لهم بالعودة إلى دياناتهم، وإعادة بناء دور عبادتهم.. بينما ظل اضطهاده لأغلبية الرعية من أهل السُّنَّة طوال عهده.
نعم.. أورد توماس أرنولد العديد من الوقائع التاريخية التي تشهد على أن القاهرة في تاريخنا الإسلامي كانت هي السماحة والتسامح، وأن فترات التوتر والاضطهاد إنما كانت سحابات صيف عابرة سرعان ما تبددها شمس السماحة الإسلامية.
بل لقد شهد أرنولد على أن الإسلام كان هو الحارس لقيمة السماحة والعامل على منع الاضطهاد لأهل الديانات الأخرى، فقال: لقد كان من الأسهل على أي حاكم من حكام الإسلام الأقوياء أن يستأصل شأفة رعاياه المسيحيين أو ينفيهم من البلاد، كما فعل الأسبان بالعرب والإنجليز باليهود مدة أربعة قرون تقريبًا.. وكان من الممكن تمامًا أن ينفذ السلطان العثماني سليم الأول (875-926هـ/ 1480-1520م) في عام 1514م، أو إبراهيم (1049-1058هـ/ 1640-1648م) تلك الفكرة البربرية التي تصورها للقضاء على رعاياه المسيحيين..
ولكن علماء الشريعة الإسلامية بقيادة المفتي شيخ الإسلام هم الذين صرفوا أذهان السلاطين عن مثل هذا الغرض الذي ينطوي على القسوة، ولقد فعل الفقهاء ذلك باعتبارهم أئمة الشريعة الإسلامية والتسامح الإسلامي.
وعلى حين ساد في ألمانيا في القرن السابع عشر مبدأ (أن لكل منطقة دينها الخاص)، أي منع التعددية الدينية.. هذا هو تاريخ الإسلام وأمته وحضارته مع السماحة الدينية، وهو تاريخ كتبه العلماء لتعليم الجهلاء وإفحام العملاء.
الكاتب: د. محمد عمارة
المصدر: موقع قصة الإسلام