الحكومة تستعد لسيناريوهات ما بعد
الانتخابات.. وتمنح الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية سلطة التعامل مع
جرائم المدنيين حال خروجهم على الرئيس الجديد.. ونشطاء يصفون القرار بـ
"نيو لوك جديد للطوارئ"فى مفاجأة من العيار الثقيل، وقبل انتهاء جولة الإعادة للانتخابات
الرئاسية بين كلٍّ من الفريق أحمد شفيق، والدكتور محمد مرسى مرشح حزب
الحرية والعدالة - الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - أصدر
المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل القرار رقم 4991 لسنة 2012 والذى
نشرته الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية" وبمقتضاه يتم منح أفراد الشرطة
العسكرية والمخابرات الحربية صفة الضبطية القضائية للمدنيين، فى حال
ارتكابهم جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات الجنائية، ومحاولة مقاومة
الحاكم حال فوزه فى الانتخابات الرئاسية.
وأوضح القرار فى مادته الأولى أنه مع عدم الإخلال بالاختصاصات المنصوص
عليها فى قانون القضاء العسكرى الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966، والذى
يخول لضباط وضباط الصف فى المخابرات الحربية وضباط وضباط الصف فى الشرطة
العسكرية، الذين يمنحون سلطة الضبط القضائى من وزير الدفاع أو ممَّن يفوضه
صفة مأمورى الضبط القضائى فى الجرائم التى تقع من غير العسكريين
"المدنيين"، والمنصوص عليها فى الأبواب الأول والثانى والثانى مكرر والسابع
والثانى عشر والثالث عشر من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، وفى الباب
الخامس عشر والسادس عشر من الكتاب الثالث من القانون ذاته.
وهذا يعنى، حسب ما أكدته مصادر، أن للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية صفة
مأمورى الضبطية القضائية، ولهم الحق فى ضبط أى مواطن عادى فى حال ارتكابه
الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات، والتى ذكرها القرار السابق، وهى
حسب الباب الأول من الكتاب الثانى عبارة عن: كل الجنايات والجنح المضرة
بأمن الحكومة من جهة الخارج، والتى تصل عقوبتها للإعدام، بجانب الباب
الثانى من ذات الكتاب والذى يضم الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة
الداخل، والباب الثانى "مكرر" وهى أن يستخدم الشخص المضبوط المفرقعات،
والباب السابع وهى مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدى عليهم
بالسب وغيره، بمعنى: فى حال فوز رئيس فى الانتخابات الرئاسية تطبق على كل
من يرفضه ولا يمتثل لأوامره هذه العقوبات، كما عاقب الباب الثانى عشر الشخص
الذى يقوم بإتلاف المبانى والآثار، وبالنسبة للباب الثالث عشر يتم إلقاء
القبض على كل من يقوم بتعطيل المواصلات.
أما فيما تنص عليه عقوبات الكتاب الثالث من قانون العقوبات فى الباب الخامس
عشر منه، فهو إلقاء القبض على كل من يقوم بالتظاهر أو التوقف عن العمل
بالمصالح ذات المنفعة العامة، والاعتداء على حرية العمل، وفى الباب السادس
عشر تنص على ضبط كل من يقوم بأعمال الترويع والتخويف.
وتضمنت المادة الثانية من القرار الصادر من الوزير أن يتم العمل به من
تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية، وهو ما يعنى أن هذا القرار سارٍ حاليًّا،
ويتم تنفيذه على من تنطبق عليه العقوبات.
وكشفت مصادر قضائية رفيعة المستوى أن القرار صدر كى تتمكن الأجهزة الأمنية
والسيادية من فرض السيطرة على الحالة الأمنية فى الشوارع بعد الانتخابات
الرئاسية وفوز أحد المرشحين، مؤكدة أنه من غير المقبول أن تنتشر المظاهرات
ويتم تعطيل المواصلات والمرور والخروج على الرئيس الجديد بعد الثورة،
واختيار الشعب رئيسه الجديد.
من ناحية أخرى شن عدد من الحقوقيين والسياسيين هجومًا عنيفًا على القرار،
واصفين إياه بأنه "نيو لوك جديد للطوارئ"، وتوالت ردود الأفعال على القرار
المنشور بجريدة الوقائع المصرية اليوم الأربعاء، بالعدد 136 الصادر بتاريخ
اليوم 13 يونيه، والذى تضمن القرار الذى حمل رقم 4991 الصادر من وزير
العدل، ما يفيد بمنح سلطة الضبطية القضائية لضباط وضباط صف المخابرات
الحربية والشرطة العسكرية فى عدد من الجرائم التى تندرج تحت قانون العقوبات
من الجرائم التى تقع من غير العسكريين.
وقال المحامى والناشط محمد محيى رئيس جمعية التنمية الإنسانية: إن القرار
عودة للطوارئ بمسوغ قانونى يتجاوز الكثير من الحقوق الدستورية للشعب، فقد
نُقل مِن اختصاص أمن الدولة السابق ومن وزارة الداخلية إلى الشرطة العسكرية
والمخابرات الحربية، واصفًا هذا القانون بالكارثى، وهو صورة من الطوارئ
لكن بسلطات وصلاحيات أكبر وأوسع، وهو أمر غير مقبول، لافتين إلى أن القرار
قام بالقفز على البرلمان.
وأكد محيى على أن القانون وَضعنا فى إشكالية أكبر، لافتًا إلى أن القانون
لم يوضح الجهة التى سيتم تحويل المقبوض عليه إليها، هل سيتم تحويله إلى
النيابة العامة، أم النيابة العسكرية؟ مشددًا على أن القرار منح دورًا
لجهاز المخابرات الحربية، كان من المفترض أن يتم إعطاؤه لجهاز الأمن الوطنى
الذى تم سلب العديد من اختصاصاته.
فى حين قال المحامى والخبير الحقوقى محمد زارع رئيس المنظمة العربية
للإصلاح الجنائى: إن المجلس العسكرى لم يكن أمامه سوى الإلغاء الشكلى لحالة
الطوارئ، حتى يجعل صورته أمام العالم ناصعة البياض من خلال إظهار حرصه على
تسليم البلاد إلى سلطة مدنية. لافتًا إلى أن القرار الذى وضعت له المسوغات
الخاصة به هو إجراء غير دستورى، يبرهن ويؤكد ويعطى إشارات ورسائل قوية عن
صورة الدولة الجديدة التى ستحكم مصر مستقبلاً، قائلاً: عمومًا نستطيع أن
نقول إن الجيش استعاد سلطاته من مبارك الذى حاول أن ينفرد بالسلطة خلال
السنوات العشرين الأخيرة بتوريث الحكم لابنه، وكان يساعده فى ذلك أمن
الدولة، والذى استغل 10 سنوات تحت اسم مكافحة الإرهاب و10 سنوات أخرى
لتمرير ملف التوريث، مشيرًا إلى أن ما يحدث منذ 25 يناير حتى الآن عبارة عن
عملية نقل الصلاحيات للدولة الجديدة التى ستحكم، والتى لن تخرج عن المؤسسة
العسكرية ورجالها - حسب قوله.
بدوره قال الناشط الحقوقى جاسر عبد الرازق الأمين العام للمنظمة المصرية
لحقوق الإنسان فى تصريحات خاصة لـ "اليوم السابع" إن القرار صحيح ومنشور
بجريدة الوقائع المصرية، ووصفه بأنه أبشع من الطوارئ، وقال إنه يعطى سلطات
موسعة للجيش والمخابرات الحربية.
فى حين قال المهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكى المصرى: إن
الغاء الطوارئ من قبل المجلس العسكرى كان إلغاءً شكليًّا، واكب ترديد
إنهاء المرحلة الانتقالية، وبالتالى كان "العسكرى" مجبرًا على إلغاء
الطوارئ، لافتًا إلى أن هذا الإجراء الجديد إجراء غير دستورى، يمنح سلطات
مطلقة لرجال الجيش المصرى، مشيرًا إلى أن الخطورة فى هذا القانون تكمن فى
أن السلطات المطلقة التى تم منحها للجيش هى نفسها التى كانت ممنوحة فى
السابق لأفراد الشرطة، والتى كانت السبب الرئيسى فى خروج الشعب عليها،
مشيرًا إلى تخوفه من زيادة اتساع الفجوة بين الجيش والشعب، متمنيًا ابتعاد
الجيش المصرى عن الصراعات السياسية، من أجل الحفاظ على صورته وقيمته أمام
الجماهير المصرية.