أرواح محـــــــــــــلقة
الأخفياء
]
أن تفعل خيرا في العلن
فإن للعطاء لذة
لكن أن يكون عطائك متحصنا
في ( أسوار الكتمان )
فإنه حتما ألذ و أعذب و أصدق
]
حديثنا اليوم عن أناس
لا يعرفهم أهل الأرض
لكنهم معرفون هناك
عند أهل السماء
( وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ ..)
(البقرة : 271 )
هذه الآية العذبة تشعل فتيل نور في بصيرتنا
لتنبهنا عن عبادة مغيبة
منا من جهلها
ومنا من غفل عنها
و منا من اعتادها فتلذذ بها
إنها ( العمل الصالح الخفي )
أو (السريرة )
أو (الخبيئة )
سمها ماشئت !!
و لكن امتلك نصيبا منها
تأملوا معي
(إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي).
رواه مسلم
ياااااااااااه
هل تستشعرون ذلك ؟!
الله
الملك .. القدوس .. السلام ..المهيمن .. العزيز ..الجبار ..المتكبر .. يحبهم
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ...)
الله
الخالق ..البارئ .. المصور .. الذي يسبح له ما في السماوات والأرض .. يحبهم
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
يا أحباب هل تدركون معنى أن تكونوا من أحباب الله
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
يا الله
مالذي يقيدنا عن اللحاق بأولئك النفر؟!!
و ما هذا العمل الذي أخفوه
حتى أوصلهم إلى هذه المنزلة؟!!
[
صحبوا الخفاء .. حتى ألفوه
فتلذذوا به .. و عاشوا معه
فكانوا أخفياء
في أنفسهم أولا
يقول الشيخ محمد بن عثيمين في (شرح رياض الصالحين ) - رحمه الله - :
( الخفي هو الذي لا يظهر نفسه , ولا يهتم أن يظهر عند الناس , أو يشار إليه بالبنان , أو يتحدث الناس عنه ,(..) يخفي نفسه ).
و في أعمالهم ثانيا
إقراء بقلبك :
يقول الله جل في علاه في الحديث القدسي – عن السبعة الذين يظلهم الله - :
( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه )
و أستحضر هذه الرسائل الصادقة
يقول عبد الله بن داود رضي الله عنه ، فيما أورده الذهبي :
(كان يستحبون - أي السلف الصالح-
أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها).
ويحدثنا محمد بن واسع :
(لقد أدركت رجالا يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دموعه على خده
ولا يشعر به الذي إلى جنبه).
]
مالسر الذي امتلكه هؤلاء وغفلنا عنه ؟!
يقول الشيخ الفاضل إبراهيم الدويش :
(السر في حياة أولئك ... التوحيد القلبي،
يوم أن تكون الأفعال والأقوال وحركات القلب وسكناته كلها لله سبحانه وتعالى
عرف هذا السر أولئك الأخفياء، فكانت الدنيا لهم، والآخرة دارهم)
ثم يحدثنا عن سر آخر
(إن فقدت الأعمال والأقوال إن فقدت خلوص النية لله جل وعلا،
انطلقت من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات(...)
فما اجتهدوا في إخفاء أعمالهم إلا لخوفهم من ربهم،
وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب والغرور وهجمات الرياء)
قلت قد كون هذا أحد أسرارهم بل هو الأساس
غير أني أجد سرا آخر
و هو ما يجدونه في قلوبهم من لذة
فللعمل الخفي لذة ونشوة و تحليق
لا يدركه إلا من جربه
( تحدثوا عن رجل كان يتردد إلى إحدى دور الأيتام بعد ظهر كل يوم أربعاء
ليقضي ساعة من الزمن يرفه خلالها عن الصغار البائسين , برواية القصص لهم و ملاعبتهم
و لما سُئِل مُدير المَيتم : عن هذا الرجل؟
أجاب بأنه لا يعرف عنه شيئا و لا من هو !!
و أنهم كل ما سألوه أجاب :
لا أهمية لذلك .. لو أخبرتكم لفسد كل شيء )
هل الخفاء في الصدقة فقط ؟
كلا
يقول الشيخ إبراهيم الدويش : (هم الساجدون الراكعون في الخلوات،
فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان السماء, وكم من دمعة بللت الأرض )
هل هي في الصلاة فقط ؟!
كلا
إقرأ بقلبك
قال صلى الله عليه وسلم:( الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن كالمُسِر بالصدقة )
- رواه أحمد –
هل هي في قراءة القرآن فقط ؟!
يقول القرطبي : ( وكذلك سائر العبادات .. الإخفاء أفضل في تطوعها )
حسنا
هل هي في العبادات فقط؟!!
كلا
يكفيك أن تكون سريرتك
( أن لا تسرق السرور من قلب أحد )
يروي لنا د.صالح المغامسي - حفظه الله –
قصة مُغرَقة في الرومانسية .. لسريرة رجل صالح
فيقول : (يحكى عن رجل من الصالحين يقال له: أبو عثمان النيسابوري
أنه كان محبوباً عند الناس..
ففي آخر حياته جاءه رجل فقال له: يا أبا عثمان !
إنك لست إماماً ولا خطيباً،
وإنني أجد الله قد وضع لك قبولاً في الأرض ومحبة،
فأسألك بالله إلا أخبرتني بأرجى عمل عملته في الدين ؟!!
فوافق الرجل على أن يخبره
شريطة ألا يحدث به الناس إلا بعد موته،
فحدث به السامع بعد موته.
قال: يا هذا إنه جاءني رجل ذات يوم أظنه من أهل الصلاح،
فقال لي: إني أريد أن أزوجك ابنتي. فقبلت، فلما دخلت عليها
إذا هي عوراء شوهاء عرجاء لا تحسن الكلام،
وليس فيها من الجمال مثقال ذرة،
فلما رأيتها رضيت بقضاء الله وقدره، فأقمت معها خمسة عشر عاماً،
ففتنت بي وليس في قلبي نحوها من الهوى والميل مثقال ذرة،
ولكنني كنت صابراً عليها أحسن إليها
ولا أخبرها عما في قلبي إجلالاً لله تبارك وتعالى
حتى توفاها الله جل وعلا.
وكان من تعلقها بي أنها تمنعني من أن أذهب إلى المسجد وإلى أقاربي وأصدقائي
وتريدني طيلة النهار أن أكون معها، فأطيعها في كثير من الأحيان،
ولم أخبر بهذا أحداً..
ولم أشك أمري إلى أحد غير الله..
وفعلت ما فعلت إجلالاً لله،
فإن كان الله كتب لي قبولاً
فإني أرجو أن يكون بسريرتي هذه. )
يالله .. يجل الله في قلب أحبه .. وعين أفتتنت به
يالله
أي إجلالٍ لله هذا ؟! .. و أي فقه؟! .. بل أي سريرة؟!
حسنا
لنعزم من الآن أن نلتحق بهؤلاء
إجعل لك سريرة
لا يعلمها أحد من الخلق
تدخرها لنفسك هناك
بين يديه سبحانه
دمتم بعفو ومغفرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ..أستغفرك و أتوب إليك
ما وافق الحق من قولي فخذوه .. و ما جانبه بلا تردد اجتنبوه