الفصل السابع عشر أين أرباب القلوب
يا من يذوب ولا يتوب، كم كتبت عليك الذنوب، ويحك خلّ الأمل الكذوب. واأسفا، أين أرباب القلوب، تفرّقت بالهوى في شعوب، ندعوك الى صلاحك ولا تؤوب، واعجبا لك، ما الناس الا ضروب.
يا دهر ما أقضاك من متلوّن في حالتيك وما أقلك منصفا
وغدوت للعبد الجهول مصافيا وعلى الكريم الحرّ سيفا مرهفا
دهر اذا أعطى استردّ عطاءه واذا استقام بدا له فتحرّفا
لا أرتضيك وان كرمت لأنني أدري بأنك لا تدوم على الصفا
ما دام خيرك يا زمان بشرّه أولى بنا ما قل منك وما كفى
روي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: أدركت أقواما، وصحبت طوائف، كان ياتي على أحدهم الخمسون سنة ونحوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط لفراش ولا نوم، ولم يأمر أهله قط بعمل طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض فراشا، ولقد كان يأكل أحدهم الأكلة، فيودّ أنها حجر في بطنه، وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي أهون عليهم من هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ولقد كان أحدهم يعيش عمره مجهودا شديد الجهد، والمال الحلال الى جنبه، فيقال له: ألا تأخذ من هذا المال شيئا لتقتات به؟ فيقول: لا والله، اني لأخاف ان أصبت منه شيئا يكون فساد لقلبي وديني.
ويروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنه تزوّج امرأة من كندة يقال لها: صواب، فأتاها ووقف بباب البيت ونادى باسمها فلم تجبه.
فقال لها: يا هذه أخرساء أنت أم صمّاء؟ألا تسمعين؟.
قالت: يا صاحب رسول الله، ما بي خرس ولا صم ولكن العروس تستحي أن تتكلم.
فدخل المنزل، فاذا بالأستار والأرياش ولباس الديباج، فقال: يا هذه أبيتك هذا محموم فدثرته، أم تحوّلت الكعبة في مندة.
قالت: لا يا صاحب رسول الله، ولكن العروس تزيّن بيتها، فرفع رأسه فرأى خدما وقوفا على رأسه قد أتوه بالماء والطعام، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من نام على الموثور، ولبس المشهور، وركب المنظور، وأكل الشهوات، لم يرح راشحة الجنة".
قالت: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهدك أن كل ما في البيت صدقة لوجه الله تعالى، واكفني برا، أكفك اشتغال البيت ومحاولة العيش، فقال لها: رحمك الله وأعانك.
نفعنا الله ببركاتهم بمنّه.