آداب العمل
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِىَّ -r- يَسْأَلُهُ فَقَالَ « أَمَا فِى بَيْتِكَ شَىْءٌ ». قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ « ائْتِنِى بِهِمَا ».فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -r- بِيَدِهِ وَقَالَ « مَنْ يَشْتَرِى هَذَيْنِ ». قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ « مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِىَّ وَقَالَ « اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِى بِهِ ». فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -r- عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ « اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ». فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِىءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِى وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ لِذِى فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِى غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِى دَمٍ مُوجِعٍ ».[1]
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ r،رَجُلٌ لَهُ حَشَمٌ خَلْقًا،فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ وَجَاءَ النَّبِيُّ r،فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ فَقَالَ: " لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ،فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ،لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى صِبْيَةٍ صِغَارٍ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ،لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا عَنِ النَّاسِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ "[2]
وعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ،قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ rرَجُلٌ،فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ rمِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ،فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ".[3]
فالإسلامُ دين العمل،وهو عمل للدنيا،وعمل للآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص.
واسْتَعْمِلْ مَا وَهَبكَ اللهُ مِنَ المَالِ الجَزيلِ،والنَّعمَةِ الطَّائِلَةِ،في طَاعَةِ رَبِّكَ،والتَّقَرُّبِ إليهِ،ولا تَنْسَ حَظَّكَ ( نَصِيبَكَ ) مِنَ الدُّنيا،ممَّا أَبَاحَهُ اللهُ فيها لِعِبادِهِ،مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِبِ والمَلاَبِسِ وغَيرها.. فإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقّاً،وَلِنَفَسِكَ عَليكَ حَقّاً،..فَآتِ كُلِّ ذي حقٍّ حَقَّهُ.وأحْسِنْ إِلى خَلْقِ اللهِ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ولا يَكنْ هَمُّكَ الإِفسَادَ في الأَرضِ،والإِساءَةَ إلى خَلْقِ اللهِ،إنّ الله لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ .[4]
وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم. المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة. ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة. بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا،كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
لقد خلق اللّه طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها،فتنمو الحياة وتتجدد،وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض. ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة،فلا ينحرفون عن طريقها،ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها. والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم،وتقبل لعطاياه،وانتفاع بها. فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها اللّه بالحسنى.
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان،ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة،التي لا حرمان فيها،ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة.
«وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ» .. فهذا المال هبة من اللّه وإحسان. فليقابل بالإحسان فيه. إحسان التقبل وإحسان التصرف،والإحسان به إلى الخلق،وإحسان الشعور بالنعمة،وإحسان الشكران.
«وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ» .. الفساد بالبغي والظلم. والفساد بالمتاع المطلق من مراقبة اللّه ومراعاة الآخرة.
والفساد بملء صدور الناس بالحرج والحسد والبغضاء. والفساد بإنفاق المال في غير وجهه أو إمساكه عن وجهه على كل حال.
«إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» .. كما أنه لا يحب الفرحين.[5]
وقد أمر الله -سبحانه- بالعمل والسعي في الأرض والأكل من رزق الله،فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك
وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي سَخَّرَ الأَرْضَ لِلْعِبَادِ،وَجَعَلَهَا مُذَلَّلَةً سَاكِنَةً،وَأَرْسَاهَا بِالجِبَالِ لِكَيْلاَ تَضْطَرِبِ وَتَمِيدَ بِمَنْ عَلَيهَا مِنَ الخَلاَئِقِ،وَأَخْرَجَ مِنْهَا المِيَاهَ،وَسَلَكَهَا فِي الأَرْضِ جَدَاوِلَ وَأَنْهَاراً،لِيَنْتَفِعَ بِهَا الخَلْقُ فِي الشُّرْبِ،وَفِي رَيِّ زُرُوعِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ،وَجَعَلَ فِي الأَرْضِ سُبُلاً،فَسَافِرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي أَرْجَائِهَا حَيْثُ شِئْتُمُ،وَتَرَدَّدُوا فِي أَرْجَائِهَا وَأَقَالِيمِهَا طَلَباً لِلرِّزْقِ وَالتِّجَارَةِ،وَكُلُوا مِمَّا أَخْرَجَهُ لَكُمْ مِنْهَا مِنَ الرِّزْقِ،وَإِلَى اللهِ مَرْجِعُ الأَمْرِ،وَإِليهِ يَصِيرُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَمِيعاً
والمَخْلُوقَاتُ تَسْعَى فِي الرِّزْقِ وَفْقَ الأَسْبَابِ اللاَزِمَةِ لَهً وَلَكِنَّ سَعْيَهَا وَحْدَهُ لاَ يَكْفِي،وَلاَ يُجْدِي عَلَيْهَا نفعاً إِلاَّ أَنْ يُيَسِّرَهُ اللهُ لَهَا،فَالسَّعْيُ فِي السَّببِ لاَ يُنَافِي التَّوَكُلَ [6].
وحث الله تعالى على العمل بقوله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة التوبة
هَذَا وَعِيدٌ مْنَ اللهِ تَعَالَى لِمَنْ خَالَفُوا أَوَامِرَهُ،وَتَحْذِيرٌ لَهُمْ بِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ سَتُعْرَضُ عَلَيهِ،وَعَلَى رَسُولِهِ،وَعَلَى المُؤْمِنِينَ،يَوْمَ القِيَامَةِ،وَأَنَّهُمْ سَيُرَدُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى اللهِ،الذِي يَعْلَمُ الغَيْبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،وَهُوَ الشَاهِدُ عَلَى خَلْقِهِ جَمِيعاً،فَيُخْبِرُهُمْ بِكُلِّ عَمَلٍ عَمِلُوهُ .[7]
وحثَّ الرسول rعلى العمل،فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:أَنَّ النَّبِيَّ r،كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا،فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ،فقَالَ:مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ،فقَال رَجُلٌ:أَلاَ نَتَّكِلُ ؟ فقَالَ:اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى،وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى،فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:][8].
وعَنْ جَابِرٍ،أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنَا عَنْ أَمْرِنَا كَأَنَّا نَنْظُرُ إِلَيْهِ،أَبِمَا جَرَتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ،أَوْ بِمَا يُسْتَأْنَفُ ؟ قَالَ:لاَ،بَلْ بِمَا جَرَتْ بِهِ الأَقْلاَمُ وَثَبَتَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ،قَالَ:فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا ؟ قَالَ:اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ.قَالَ سُرَاقَةُ:فَلاَ أَكُونُ أَبَدًا أَشَدَّ اجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ مِنِّي الآنَ."[9]
. وكان الأنبياء جميعًا -عليهم الصلاة والسلام- خير قدوة لنا في العمل والسعي،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ ».فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ »[10].
وكان لكل نبي حرفة وعمل يقوم به،وقد شارك النبي rأصحابه في الأعمال المختلفة،ولم يتميز عليهم كما حدث في بناء المسجد أو حفر الخندق،فكان يحمل التراب والأحجار.
وعَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ ؟ قَالَ: " كَسْبُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ،وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ "[11]
وعَنِ الْمِقْدَامِ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - r- قَالَ « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ،وَإِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ »[12]
وَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ:" مَنْ أَمْسَى كَالًّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَى مَغْفُورًا لَهُ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ[13].
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ -r- فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِى النَّبِىَّ -r- وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِىِّ -r- فَقَالَ « لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ».[14]
وللعمل والسعي على الرزق آداب يجب على كل مسلم أن يتحلى بها،منها:
استحضار النية: المسلم يبتغي من عمله إشباع البدن من الحلال وكفه عن الحرام،والتقوِّي على العبادة،وعمارة الأرض. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ - r- قَالَ:" طَلَبُ الْحَلَالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ[15]
عدم تأخير العمل عن وقته: المسلم يقوم بأعماله في أوقاتها دون تأخير،فمن جد وجد،ومن سار على الدرب وصل،وإياك والتسويف،واحذر ليت ولعل وسوف ولو أني...،ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد،وما بلغ من بلغ إلا بالجد والعمل،لا بالتسويف والكسل..
التبكير: فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا."[16]
وعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا،قَالَ:وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً،أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ،وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا،وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَأَصَابَ مَالاً."[17]
وعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ:اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ:فَكَانَ النَّبِيُّ r،إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً بَعَثَ بِهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ،وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا،فَكَانَ يَبْعَثُ غِلْمَانَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ،فَكَثُرَ مَالُهُ،وَأَثْرَى.[18]
الجد في العمل: المسلم يذهب إلى عمله بجد ونشاط،دون تباطؤ أو كسل،فمن جَدَّ وجد،ومن زرع حصد. قال الشافعي رحمه الله [19]:
بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
تروم العز ثم تنام ليلاً يغوص البحر من طلب اللآلي
ونسب لعلى رضي الله عنه[20] :
لنقلُ الصخر من قلل الجبال أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرَّجَالِ
يَقُولُ النَّاسُ لي في الكسْبِ عارٌ فقلت العار في ذل السؤال
بَلَوْتُ النَّاسَ قرنا بَعْدَ قَرْنٍ ولم أر مثل محتالٍ بمالِ
وَذُقْتُ مَرَارَة الأشياءِ طُرّا فَمَا طعْمٌ أَمَرُّ مِنَ السؤالِ
وَلَمْ أرَ في الخُطُوْبِ أشدَّ هولاً وأصعب من مقالات الرجالِ
إتقان العمل: المسلم يتقن عمله ويحسنه قدر المستطاع. فعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: " إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ "[21] .
وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ r: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ،فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ،وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ،وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ،وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ.[22]
الاستمرار في العمل:فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ،فَإِنَّ خَيْرَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ،وَإِنْ قَلَّ."[23]
التواضع: الكبر في الأمور كلها مذموم،فعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ،وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ..[24]
فلْيتواضع كل رئيس لمرءوسيه،ولْيتعاون كل مرءوس مع رئيسه،ولنا في رسول الله rالقدوة الحـسنة؛ فقد كان يعاون أصحابه فيما يقومون به من عمل،ويساعد أهله في تواضع عظيم.
عدم الانشغال بعمل الدنيا عن العبادة والطاعة: المسلم يعمل لكي يحصل على الكسب الطيب له ولأسرته،وهو عندما يعمل يكون واثقًا من تحقيق أمر الله؛ إذ يقول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } (15) سورة الملك].
فالله وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلة ممهدة تستقرون عليها،فامشوا في نواحيها وجوانبها،وكلوا من رزق الله الذي يخرجه لكم منها،وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والجزاء. وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب،وفيها دلالة على أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له،وعلى قدرته،والتذكير بنعمه،والتحذير من الركون إلى الدنيا.[25]
وإذا كان العمل لاكتساب الرزق وإعفاف النفس عن المسألة عبادة في
حد ذاته،فإن ذلك لا يشغلنا عن طاعة الله فيما أمرنا به من سائر العبادات.
البعد عن العمل الحرام: المسلم يختار عملا لا يتعارض مع أصل شرعي،فلا يعمل في بيع الخمور أو فيما شابه ذلك. فعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ r: " يَا كَعْبُ كَيْفَ بِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ،وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ حَوْضِي،يَا كَعْبُ،إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ،وَلَا دَمٌ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ كُلُّ لَحْمٍ وَدَمٍ نَبَتَا مِنْ سُحْتٍ،فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ،يَا كَعْبُ،النَّاسُ رَجُلَانِ غَادِيَانِ،وَرَائِحَانِ غَادٍ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ فَمُعْتِقُهَا،وَغَادٍ فَمُوبِقُهَا،يَا كَعْبُ،الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ،وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ،وَالصَّدَقَةُ تُذْهِبُ الْخَطِيئَةَ،كَمَا تَذْهَبُ الْجَامِدَةُ عَلَى الصَّفَا " [26]
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ " [27]
الأمانة: المسلم أمين في عمله؛ لا يغش ولا يخون،ولا يتقاضى رشوة من عمله وهو حافظ لأسرار العمل،ويؤديه على أكمل وجه،وكذلك صاحب العمل عليه أن يحفظ للعاملين حقوقهم؛ فيدفع لهم الأجر المناسب دون ظلم،ولا يكلفهم ما لا يطيقون من العمل،كما أنه يوفر لهم ما يحتاجون إليه من رعاية صحية واجتماعية. فعن الْمَعْرُورَ بْنِ سُوَيْدٍ،قال: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ،فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ r،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: " أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ " ؟ ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ،جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ،فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ،وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ،وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ،فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ "[28]
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ،قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ.[29]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ:رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ،وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ،وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ.[30]
_____________
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سنن أبي داود - المكنز - (1643 ) وقال الشيخ الألباني: صحيح لشواهده، انظر صحيح الترغيب والترهيب 1/350 .
المدقع : الشديد الملصق لصاحبه بالأرض -القعب : القدح -النكتة : الأثر القليل كالنقطة
[2] - شعب الإيمان - (10 / 264) (7469 ) صحيح لغيره
[3] - المعجم الكبير للطبراني - (13 / 491) (15619) صحيح لغيره
[4] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 3211)
[5] - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2711)
[6] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 5134)
[7] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1341)
[8] - صحيح البخارى- المكنز - (4945 ) وصحيح مسلم- المكنز - (6903 ) وصحيح ابن حبان - (2 / 45) (3349
[9] - صحيح ابن حبان - (2 / 49)(337) صحيح
[10] - صحيح البخارى- المكنز - (2262 ) -القراريط : جمع قيراط وهو من أجزاء الدينار
[11] - شعب الإيمان - (2 / 436) (1174 ) صحيح
[12] - صحيح البخارى- المكنز - (2072 )
[13] - المعجم الأوسط للطبراني - (7733 ) والإتحاف 6/9 حسن لغيره
فيه سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس روى عنه جماعة وقال الذهبي في الكاشف (2139) وثق
[14] - سنن الترمذى- المكنز - (2516 ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. - يحترف : يتخذ صنعة يكتسب منها
[15] - المعجم الأوسط للطبراني - (8848) حسن
[16] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (1 / 424)(1320) من طرق كثيرة عنه وعن غيره وهو حديث متواتر
[17] - صحيح ابن حبان - (11 / 62) (4754) صحيح
[18] - صحيح ابن حبان - (11 / 63) (4755) صحيح
[19] - تراجم شعراء موقع أدب - (10 / 348)
[20] - تراجم شعراء موقع أدب - (13 / 102)
[21] - شعب الإيمان - (7 / 234) (4931 ) صحيح لغيره
[22] - صحيح مسلم- المكنز - (5167) وصحيح ابن حبان - (13 / 199) (5883)
[23] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 321)(8600) 8584- صحيح لغيره
[24] - صحيح ابن حبان - (12 / 493) (5680) صحيح
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعْنَيَانِ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَوَّعْنَا لَهُ النَّوْعَ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ أَرَادَ بِهِ جَنَّةً عَالِيَةً يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُتَكَبِّرِينَ ، وَقَوْلُهُ : وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ أَرَادَ بِهِ نَارًا سَافِلَةً يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلاً مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ ، أَرَادَ بِالْكِبْرِ الشِّرْكَ ، إِذِ الْمُشْرِكُ لاَ يَدْخُلُ جَنَّةً مِنَ الْجِنَّانِ أَصْلاً ، وَقَوْلُهُ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ مِنْ إِيمَانٍ أَرَادَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْخُلُودِ ، حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَيَانِ مَعًا.
[25] - التفسير الميسر - (10 / 205)
[26] - شعب الإيمان - (7 / 507)(5378) حسن
[27] - شعب الإيمان - (7 / 505) (5375 ) صحيح لغيره
[28] - صحيح البخارى- المكنز - (30 ) وشعب الإيمان -(11 / 72)(8198 )
[29] - سنن ابن ماجة- طبع مؤسسة الرسالة - (3 / 510)(2443) حسن
[30] - صحيح البخارى- المكنز - (2227 ) ومسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 341)(8692) 8677-