أدى استبعاد رئيس مخابرات نظام الرئيس السابق حسني مبارك ومرشحين إسلاميين بارزين، أحدهما مرشح جماعة الإخوان المسملين، إلى رسم خريطة السباق الرئاسي في مصر، وتزيد هذه التطورات من اضطراب مرحلة التحول إلى نظام ديمقراطي، التي صاحبتها موجات عنف وصراعات سياسية بين جماعات إسلامية كانت يوما محظورة، وإصلاحيين ذوي اتجاهات علمانية، وفلول نظام مبارك الذي أطيح به في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في يناير من العام الماضي.
ومن بين الفائزين في هذه الأحداث المثيرة، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، والإسلامي المعتدل عبد المنعم أبو الفتوح. وأمضى كلاهما وقتا في السباق أطول من أغلب المرشحين، لكنهما تراجعا في مواجهة وافدين جدد للسباق تم استبعادهم أمس الثلاثاء.
ومن بين الخاسرين جماعة الإخوان المسلمين، أكبر تكتل داخل البرلمان، التي قررت في اللحظة الأخيرة دخول حلبة المنافسة، لكن فرص مرشحها في النجاح تضاءلت نتيجة استبعاد خيرت الشاطر المرشح الأول للجماعة، واستبعد الشاطر- وهو رجل أعمال ومليونير، وكان نائبا لمرشد جماعة الإخوان، على أساس إدانته في محاكمة عسكرية خلال حكم مبارك، وقت كانت الجماعة محظورة.
وبدلا منه تقدمت الجماعة بمحمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان، الذي قدم أوراق ترشحه رسميا لخوض السباق تحسبا لاستبعاد الشاطر، وقالت الجماعة، في بيان، "الجماعة والحزب يعلنان أنهما ماضيان في المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية من خلال مرشحهما الدكتور محمد مرسي".
ومع الآلة الانتخابية المنظمة جيدا لجماعة الإخوان أصبح مرسي على الفور منافسا في الانتخابات التي تجري في مايو، ومن المتوقع أن تجري بها جولة إعادة في يونيو، لكن محللين سياسيين يرون أن المهندس البالغ من العمر 60 عاما مرشح أضعف بكثير من الشاطر.
وقال شادي حميد، الخبير في شؤون الإخوان: "مرسي كان مرشحا احتياطيا لسبب.. كان الشاطر هو الوحيد بينهم الذي يبدو أنه الأقرب للرئاسة. إنها ضربة كبيرة للإخوان"، وأكد الشاطر على توجهاته الإسلامية في الأيام القليلة التي قضاها في الحملة الانتخابية، عازفا على وتر ربما ساعد على تعبئة أيضا التيار السلفي الذي حقق نتائج طيبة في الانتخابات التشريعية.
وكان الداعية السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل يأمل أن يساعده التيار ذاته الذي يحظى فيه بشعبية كبيرة في الفوز بالرئاسة، لكنه استبعد أيضا من السباق بسبب حصول والدته على جواز سفر أمريكي لكنه ينفي هذا بشدة، وأغرقت حملة أبو إسماعيل مصر بملصقات تحمل صوره، مما أدى إلى تردد اسمه في كل مكان، وفي الوقت ذاته أثارت تساؤلات حول مصدر تمويله، وزعم منافسون أنه ربما حصل على أموال من جهات محافظة لها نفس أفكاره في منطقة الخليج.
وقال حميد: "الذي جعل الشاطر مرشحا واعدا هو أنه من الممكن أن يوحد الفصائل الإسلامية.. أنه يمكن إشراك السلفيين، مع وجود مرسي سيكون صعبا، وإن كان ممكنا"، ومع ترشيح مرسي، تتزايد فرص حدوث انهيار في الالتزام الداخلي في جماعة الإخوان، فيما يتعلق بالتصويت، حيث يمكن أن تتجه بعض أصواتها إلى أبو الفتوح، وكان قد طرد من الجماعة في العام الماضي، عندما قرر خوض انتخابات الرئاسة.
وقال المحلل السياسي، نبيل عبد الفتاح: إن أبو الفتوح سيحصل على الكثير من الأصوات التي كانت ستذهب للشاطر وأبو إسماعيل، حيث إن الكثير من الناخبين غير مقتنعين بمرسي الذي كان بعيدا عن الساحة الإعلامية في مصر في الفترة الماضية.
كان أبو الفتوح (60 عاما) جزءا من جناح إصلاحي معتدل داخل الجماعة حتى إقالته العام الماضي، وأعلن الشيخ يوسف القرضاوي، رجل الدين المصري المقيم في قطر، ويمتد تأثيره داخل جماعة الإخوان وخارجها صراحة، تأييده لأبو الفتوح، كما أن أبو الفتوح، وهو طبيب، بدأ ينال تأييدا خارج الحركة الإسلامية بين المصريين غير الإسلاميين، الذين يتطلعون لشخص ملتزم بالإصلاح الديمقراطي.
ومن المرجح أن يحصل موسى الذي يصف نفسه بأنه ليبرالي قومي على أصوات من المصريين غير الإسلاميين القلقين من المكاسب الهائلة التي حققها الإسلاميون خلال العام الذي أعقب سقوط مبارك، وعاد موسى (75 عاما) وهو وزير خارجية سابق إلى قلب السباق بفضل استبعاد هؤلاء المرشحين أمس، وتعين على حملة موسى مواجهة دخول عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة السابق سباق الرئاسة في اللحظة الأخيرة، والذي بدأ يؤثر على قاعدة التأييد لموسى.
ومن المقرر أن يعلن موسى في حي عزبة الهجانة، وهو منطقة عشوائية على مشارف القاهرة اليوم برنامجه الانتخابي، وقال مصطفى السيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: "لا شك... أن استبعاد هؤلاء في صالح عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، اللذين اعتبرا من المرشحين الأوفر حظا قبل الدخول المفاجئ في اللحظة الأخيرة لكل من سليمان والشاطر إلى السباق".