الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، وبعد..
قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2].
والناس في حياتهم يتقلبون بين النعم والنقم والابتلاءات، والمؤمن الموفق يعلم كيف يتعامل مع هذه الاختبارات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم].
ونعيم الدنيا لا يخلو من شقاء وتعب ونصب، فنعيمها لا يبقي، فإما أن يتركه الإنسان ويموت، وإما أن يتركه وهو أحوج ما يكون إليه.
ونعيم الدنيا لا يشبع، فلو أن لابن آدم واديًا من ذهب لتمنى له اثنين، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب.ونعيم الدنيا لا يصفو، فهو لا يخلو من تعب ونصب:
تعبٌ كلها الحياة فواعجبًا *** مِن راغب في ازدياد
أرى الدنيا لمن هي في يديه*** عذابًا كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصُغر*** وتكرم كل من هانت عليه
والإنسان في الدنيا لا يشعر بالرضا أبدًا، وقد صدق القائل:
صغيرٌ يطلب الكِبَر ** وشيخٌ وَدَّ لو صَغر
وخالٍ يشتهي عملاً ** وذو عملٍ به ضَجِرا
وربُّ المال في تَعَبٍ ** وفي تعبٍ من افتقر
وأجمل من هذا ما قاله ابن عبد البر، رحمه الله:
من ذا الذي قد نال راحة فكره ** في عمره من عسره أو يسره
لقد كان رسول الله يقول في دعائه: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق: أحيني ما علمت الحياة خيرا لي, وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي, اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة, وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب, وأسألك القصد في الفقر والغنى, وأسألك نعيما لا ينفد, وأسألك قرة عين لا تنقطع, وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت, وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك: في غير ضراء مضرة, ولا فتنة مضلة, اللهم زينا بزينة الإيمان, واجعلنا هداة مهديين»
فالنعيم الذي لا ينفد هو نعيم الجنة؛ لأن نعيم الدنيا لا بد وأن ينفد، وقرة العين التي لا تنقطع تكون في الجنة؛ لأن سرور الدنيا لا يدوم، ولهذا قال رسول الله: «وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك» وهذا كله لا يكون إلا في الجنة.
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» [رواه مسلم].
وروى البيهقي في الزهد الكبير عن فضيل بن عياض في معنى قول النبي صلى الله لعيه وسلم: «الدنيا
سجن المؤمن»، قال: "هي سجن من ترك لذاتها وشهواتها"، فأي سجن هي عليه؟
وروى ابن المبارك عن الحسن قال: "والله إن أصبح مؤمن فيها إلا حزينًا، وكيف لا يحزن وقد أخبره الله أنه وارد جهنم، ولم يأته عن الله أنه صادر عنها، وليلقين أمراضًا ومصيبات وأمورًا عظيمة، وليُظلمن فيها فما ينتصر، يبتغي من ذلك الثواب من الله، وما يزال فيها حزينًا خائفًا حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة".
قال النووي في شرح الحديث: "معناه أن المؤمن مسجون فيها ممنوع عن الشهوات المحرمة والمكروهة، ومكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من المنغصات، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات، فإذا مات انقلب إلى العذاب الدائم وشقاوة الأبد".
قُلْتُ ويشهد لهذا قول النبي لعمر رضي الله عنه لما قال: "ادع يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله"، فاستوى جالسا ثم قال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا»، فقلت: "استغفر لي يا رسول الله" [رواه أحمد].
وقال المناوي في (شرح الجامع الصغير): "الدنيا سجن المؤمن بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم، وجنة الكافر بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم" اهـ .
ومن عدل الله عز وجل أن نعم الله الدنيوية يستوفيها الكافر في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب.
مر الحافظ ابن حجر العسقلاني قاضي قضاة مصر برجل يهودي يبيع السمن والزيت، وكان ابن حجر يركب عربة تجرها البغال والناس حوله، فاستوقفه اليهودي قائلاً إن نبيكم يقول الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فكيف أكون أنا بهذه الحال، وأنت بهذه الحال؟ فقال ابن حجر أنا في سجن بالنسبة لما أعده الله للمؤمنين في الآخرة، وأنت في جنة بالنسبة لما أعده الله للكافرين في الجحيم، فأسلم اليهودي.
والحقيقة أن الكافرين وإن استمتعوا بالدنيا، فإنهم في كرب وضيق لإعراضهم عن الله عز وجل، يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: 142].
ولهذا يُقدم أحدهم على قتل نفسه بسبب هذا الضنك.
إن ما يُعطى الكافر من نعيم في الدنيا إنما هو إمهال واستدارج، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182،183]،
وقال تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة:126].
وقال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].
وقال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196-197].
قال السعدي رحمه الله: وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا، وتنعمهم فيها، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز، والغلبة في بعض الأوقات، فإن هذا كله (متاع قليل) ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلاً ويعذبون عليه طويلاً، هذه أعلى حالة تكون للكافر، وقد رأيت ما تؤول إليه، أما المتقون لربهم، المؤمنون به، فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [المائدة:119].
فلو قدر أنهم في دار الدنيا، قد حصل لهم كل بؤس وشدة، وعناء ومشقة، لكان هذا بالنسبة إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، والسرور والحبور، والبهجة نزرًا يسيرًا، ومنحة في صورة محنة، ولهذا قال تعالى: {وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} [آل عمران: 198]، وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرًا عظيمًا، وعطاءً جسيمًا، وفوزًا دائمًا".
ولأجل هذا يُكره للمؤمن الانغماس في لذات الدنيا والترفه فيها لأن هذا مما يُطغي ويُنسي، قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37-40].
عن سعد بن إبراهيم عن أبيه «أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام، وكان صائما، فقال: قتل مصعب ابن عمير وهو خير مني، كفن في بردة: إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام» [رواه البخاري].
جنة الدنيا:
إذا رَضِيَ المؤمن بالله تعالى ربًا، وتذوق طعم الإيمان ووجد حلاوته ورضي عن الله تعالى في كل ما يفعله به ويقدره عليه، وجد في قلبه لذة لا تعادلها لذة، ألا وهي لذة الرضى بالله والأنس به والشوق إلى لقائه وحب هذا اللقاء، ومن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ولقد كان النبي يسأل ربه لذة النظر إلى وجهه الكريم والشوق إلى لقائه، ولما خيره الله بين الدنيا وما فيها، وبين لقاء الله، اختار لقاء الله، وقال: «اللهم الرفيق الأعلى» [رواه البخاري ومسلم].
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: «ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» [رواه مسلم].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله: «من قال حين يمسي: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، كان حقا على الله أن يرضيه» [ضعفه الألباني].هذه الأمور الثلاثة التي تضمنتها هذه الأحاديث
وهي الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، هي الأصول الثلاثة التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه (الأصول الثلاثة وأدلتها)، وهي الأمور التي يسأل عنها في القبر، فالإنسان يسأل في قبره عن دينه وربه ونبيه محمد.
(ذاق طعم الإيمان) أي حلاوة الإيمان ولذاته، (من رضي بالله ربًا)، و "معنى رضيت بالشيء قنعت به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره، فمعنى الحديث لم يطلب غير الله تعالى ولم يسع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد، ولا شك أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه".
وقال القاضي عياض: "معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه؛ لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه؛ لأن من رضي أمرًا سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له".
وقال ابن القيم: "فالرضا بإلهيته يتضمن الرضى بمحبته وحده وخوفه ورجائه والإنابة إليه والتبتل إليه، وانجذاب قوى الإرداة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضى وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له.
والرضا بربوبيته يتضمن الرضى بتدبيره لعبده ويتضمن إفراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وأن يكون راضيًا بكل ما يفعل به.
فالأول يتضمن رضاه بما يؤمر به، والثاني يتضمن رضاه بما يقدر عليه.
وأما الرضا بنبيه رسولاً فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره البتة.
وأما الرضا بدينه فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضى ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليمًا ولو كان مخالفًا لمراد نفسه أو هواها أو قول شيخه وطائفته" (مدارج السالكين).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.
وقال "ما يصنع أعدائي بي؟، أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".
وكان يقول في سجوده "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله"
وقال "المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه".
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها
وكان بعض العارفين يقول: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف"،
وقال آخر: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل وما أطيب ما فيها؟، قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا".
وقال آخر إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب
فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين، وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
قال الشيخ ابن عثيمين معلقًا على قول ابن تيمية (جنتي في صدري): ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:56]،
يعني في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، ومعلوم أن الجنة لا موت فيها لا أولى ولا ثانية، لكن لما كان نعيم القلب ممتدًا من الدنيا إلى دخوله الجنة، صارت كأن الدنيا والآخرة كلها جنة وليس فيها إلا موتة واحدة.
قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، فهذا في الدنيا، ثم قال: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فهذا في البرزخ والآخرة.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [النحل:41].
وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3]، فهذا في الآخرة.
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، فهذه أربعة مواضيع ذكر الله تعالى فيها أنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة.
فالإحسان له جزاء معجل ولا بد، والإساءة لها جزاء معجل ولا بد، ولو لم يكن إلا ما يجازى به المحسن من انشراح صدره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته، وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى أعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه.
وما يجازى به المسيء من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وغمه وهمه وحزنه وخوفه، وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حسن وحياة يرتاب فيه، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية
وجهنم حاضرة، والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وآخر داعونا أن الحمد لله رب العالمين..
اللهم أمين يامجيب دعاء السائلين
منقول للأمانة