«إذا وصل خيرت الشاطر للرئاسة ستكون مصر لأول مرة فى تاريخها تحت حكم رجال الأعمال بشكل كامل، وهو ما أتوقع أن يحول دون تحقيق كل من العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادى المأمولين»، تقول نادية رمسيس، المفكرة الاقتصادية البارزة والأستاذة بالجامعة الامريكية، معلقة على اعلان ترشح رجل الأعمال الإخوانى للرئاسة، والتى تبنى رؤيتها للتطورات المتوقعة من وصول الشاطر للسلطة على تجربة هيمنة نجل مبارك على الحكم منذ عام 2004 «لقد جربنا النموذج الاقتصادى لجمال مبارك، وشاهدنا كيف يتم توجيه الاقتصاد لأنشطة ريعية تحقق الارباح السريعة، أعتقد أن الشاطر سيعيد إنتاج هذا النموذج النيوليبرالى».
وبينما تنتظر رمسيس اعلان البرنامج الانتخابى للشاطر للحكم على رؤيته الاقتصادية، تنتقد رؤية بعض مناصريه ممن يتوقعون كفاءة ادارته لاقتصاد البلاد بحكم نجاحه فى عالم البيزنس «ادارة الدولة تختلف عن ادارة الشركة، فمن النادر تاريخيا أن رأينا رجل أعمال يتولى رئاسة أى من الدول الرأسمالية الكبرى، وذلك لأن رجل الأعمال فى كثير من الحالات لا يفكر الا فى تحقيق الربح السريع، وهذا يتعارض مع انشطة التنمية الاقتصادية التى تحتاج إلى تراكم رأس المال على المدى الطويل».
وتعد رمسيس من أبرز من كتبوا عن تاريخ الاقتصاد المصرى، ووفقا لرؤيتها التاريخية فإن الاقتصاد لم يتقدم الا فى حقبتى محمد على وجمال عبد الناصر نتيجة لاستقلال الدولة عن سيطرة النخب الثرية عن المجتمع «لم تستطع مصر أن تتقدم صناعيا فى الحقبة الليبرالية قبل ثورة يوليو لأن ملاك الاراضى سيطروا على الاحزاب السياسية ومنعوا تطبيق سياسة الاصلاح الزراعى، وبالتالى كانت الفوائض الاقتصادية تتجه إلى الزراعة وليس لنشاط اقتصادى أكثر تقدما مثل التصنيع، وهذا ما أخشى تكراره مع حكم رجال الأعمال بعد ثورة يناير، حيث تقوم السياسات الاقتصادية على تشجيع انشطة ريعية مثل التجارة فى الاراضى والعقارات، فى الوقت الذى نحتاج فيه تعميق الصناعة لأنه السبيل الوحيد للتقدم وتحسين الوضع الاجتماعى».
وبينما تتوقع رمسيس ألا يحمل الشاطر رؤية منحازة لمصالح الطبقات الأفقر فى المجتمع، تخشى من أن ينجح فى تخفيف الضغوط الاجتماعية ضده بسبب الكاريزما الدينية لجماعة الاخوان المسلمين، «لقد رأينا مرشد الإخوان أمس الأول يحذر من دعوات الشاطر المستجابة، دخول الدين فى لغة السياسة بهذا الشكل قد يكون مؤشرا على استخدام العواطف الدينية لتخفيف الصدمات الاجتماعية المتوقعة من سياسات الشاطر النيوليبرالية».
وفيما قد تتحمس بعض الاوساط فى مجتمع الأعمال تجاه ترشح الشاطر لانتخابات الرئاسة، وهو ما قد يمثل دعما قويا للمرشح الاخوانى، نظرا إلى جمود الوضع الاستثمارى بعد الثورة مع عدم وضوح الرؤية السياسية، ترى رمسيس أن هناك تشابها بين الوضع الجارى وموقف رجال الأعمال فى الخمسينيات من ثورة يوليو، حيث لم يستجب القطاع الخاص بشكل واضح للحوافز الاستثمارية التى قدمها نظام يوليو بسبب عدم وجود الضمانات السياسية الكافية لطمأنتهم «قد يكون هناك قطاع من مجتمع الأعمال يريد أن يكون رجال الأعمال فى الحكم حتى يعودوا إلى الاستثمار، وربما يتفق ذلك ايضا مع رؤية مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الذى تنتظر منه مصر قرضا بـ 3.2 مليار دولار، ولكن حكم رجال الأعمال غالبا ما سيقضى على الطموحات الاجتماعية لثورة يناير، أعتقد أنه كان من الافضل أن ينحاز رجال الأعمال لمرشح سياسى وسطى لا ينتمى إلى نخبة البيزنس».
..ومجتمع الأعمال يرحب بترشيح الشاطر رئيسًا
يعتقد عدد من رجال الأعمال المصريين الذين استطلعت «الشروق» آراءهم حول ترشيح حزب الحرية والعدالة لخيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، إنه لا توجد مشكلة فى أن يرأس مصر رجل أعمال، طالما كان ذلك نتيجة للعملية الديمقراطية التى تتيح لغالبية الشعب أن يختار ما يريد. «تجربة جديدة فى مصر ربما تنجح أو تفشل»، بهذه الجملة بدأ حمادة القليوبى، رئيس غرفة الصناعات النسيجية السابق، تعليقه، وقال إن ممارسة الديمقراطية تتطلب الخضوع للمزاج الشعبى فى مصر الذى يميل إلى التدين «مع اختلاف الديانة»، وقد أدى هذا المزاج إلى وصول الإسلاميين إلى السيطرة على الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى فى انتخابات نزيهة، وإذا اختار الشعب خيرت الشاطر وهو رجل أعمال فلا مشكلة فى ذلك.
وأضاف القليوبى أن هناك فئة من الشعب تجد مشكلة فى تولى رجل أعمال منصب فى الحكومة أو حتى تولى منصب رئاسة الجمهورية، «لكن أنا لا أعتقد ذلك»، لأن تجربة رجال الأعمال فى حكومة نظيف لم تكن فاشلة تماما، بدليل أنه فى عهدها تحقق نمو للدخل المحلى بنسبة 7.2% على مدار 3 سنوات.
ويرى القليوبى أن تعارض المصالح وتولد الفساد بسبب تولى رجال الأعمال المناصب فى الدولة يمكن تجنبه عن طريق بنية تشريعية وقانونية قوية، وتقترب وجهة النظر تلك من وجهة نظر جمال محرم، رئيس الغرفة الأمريكية، وقال إن ممارسة العملية الديمقراطية تفرض حقا لأى مواطن مهما كانت وظيفته وهو الترشح لأى منصب، وحتى لو كان رئيسا للجمهورية، والقانون والشفافية هى التى ستحمى الدولة من الفساد المحتمل.
ويشترط محرم حتى يكون أى رجل أعمال رئيسا للجمهورية، التخلى عن إدارة كل أعماله والبعد عنها تماما، مشيرا إلى أن ثقافة المصريين لا تتقبل كثيرا فكرة أن يكون رئيس الجمهورية رجل أعمال، لأن هناك قنوات كثيرة ساهمت فى تشويه صورة رجال الأعمال مثل السينما والإعلام بعد سقوط نظام مبارك، «هناك تجاوزات كثيرة حصلت من رجال الأعمال الوزراء لكن ليس بنفس الشكل الذى صوره الإعلام والسرقة والفساد وارد عند تولى أى شخص مسئول مهما كانت وظيفته وهذا يحدث فى كل أنحاء العالم» حسب تعبير محرم.
إلا أن منصور الجمال، الذى يرأس عدة شركات فى مصر مثل القادسية والخارج، يرى أن أى قوانين أو تشريعات يمكن التحايل عليها إذا كان المسئول فاسدا بطبعه، «بغض النظر عن وظيفته السابقة»، ونصح بالتركيز على اختيار شخص قوى وأمين قادر على إدارة البلاد سواء رجل أعمال أو غيره لإنقاذها فى هذه الفترة الحالكة التى تتحرك فيها كل المؤشرات الاقتصادية إلى الأسوأ.
