يا أهلنا في مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر المستضعفين , وداحر الظلمة والمفسدين , وصلاة وسلام على إمام المرسلين , وقائد الغر المحجلين وبعد :
فإن النصر الذي حققه أهل مصر هذه الأيام لن تُنسيه الأيام من شاهده , ولن يغفل التاريخ عن ذكره وتخليده .
نصرٌ مجَدَ عمل المخلصين , وأوقد الحياة في نفوس المنهزمين , وأثبت أن الليل وإن طال زمانه فمصيره للانقشاع , وأن الأمة مهما غفت برهة من زمان فلا بد لها من الإستيقاظ , وأن المبادئ لابد لها من تضحيات .
لقد أثبتت مصر أنها الدولة العظيمة المؤثرة في عالمنا المعاصر فقد تابع العالم بشرقه وغربه أحداث ثورة الأبطال , وكم كانت تضحياتكم جسيمة لأن الهدف جليل , وكم كان منظركم - أيها الشرفاء - عظيماً وقد تظاهرتم بأدب شاهده العالم بأسره , وأثرّ منظركم الفذ في النفوس وأنتم تقفون صفوفاً في الصلوات – خصوصا في جُمُعات الملايين – لقد نقلتم للعالم كله خلق المسلم الحق يوم كنتم تحافظون على الأمن والممتلكات في بلدكم الذي نراهن على أنكم أكثر الناس حباً لوطنه , ولقد كان الشرفاء من الأحرار يرجون لكم نصراً بحجم تلك التضحيات , فحقق الله ما أدخل على النفوس السرور , وما زاد اليقين أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه .
ولنا مع هذا الحدث وقفات :
- اليقين بأن النصر من الله تعالى وحده , فمصر المسلمة التي - تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره - يعلم أهلها أن الأمور بقدر الله عطاءً ومنعاً , تقديراً وقضاءً .
وأن هذا النصر وهبه الله المستضعفين من أهل مصر الذين صبروا وصابروا, ورضوا بقضاء الله وقدره حلوه ومره ,فهم الصابرون عند الضراء , الشاكرون عند النعماء , ولئن تأخر النصر لهذا الوقت فالمؤمن منكم يعلم أن المقادير بيد الله تعالى يقدروها بمقتضى حكمته التي لا تدركها أفهام الناس .
- لا تنسيكم لذة النصر عبادة الشكر , فقد خلصكم الله من طاغوت مستبد أهلك الأرض والنسل , وحارب الشرع , وصادر الخيرات , وصرتم منه في ضيق وهم , حتى أذهب الله عنكم شره , فاشتغلوا بشكر المولى عز وجل - آلا وإن من أعظم الشكر- إقامة شرعه سبحانه في أرضه وتحت سمائه , وكونوا على يقين وأنتم تقيمون شرعه أن الخيرات ستنزل بكم , والبركات ستحل بداركم قال سبحانه :" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.."الأعراف 96
فهي ليست بركة واحدة بل هي بركات من السماء والأرض , وإذا حلت بركة الرحمن على أحد فلا تسل عن عظيم الخير الذي سيغنمه .
- الآن وقد بدأتم عصراً جديداً مع جيل جديد لتٌظهروا للعالم مصر بوجهها المشرق الفذ , وجه مصر الناصع المليء بالقيم والمواهب والأفذاذ فلقد كانت المواهب العظيمة مكبوتة , والأقلام الصادقة مكٌسورة , والقدرات قد حوربت في عهد الطاغية , فاليوم نريد وجه مصر الجميل بشبابها وقدراتها تغير العالم وتؤثر في الكون كما أراد الله لها , ولتكن الأهداف السامية شعارها " رضا الله ونفع الناس "
- لا بد من نبذ الخلاف بين الإسلاميين والتنازل عن بعض الأمور الإجتهادية القابلة للإجتهاد والأخذ والرد .
كيف يصح أن تكون الفرق والأحزاب المتعددة في مصر متفقة مع بعض , متقاربة الآراء , ويبقى الإسلاميون متنافرين ومتفرقين في أمور إجتهادية لا تتعلق بالثوابت ولا الأصول , ولنا في صحابة نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حيث جرى بينهم خلاف ومع ذلك قدموا المصالح العليا على ماهو أدنى منها .
- حذاري من أن تٌسرق هذه التضحيات فهناك من يحاول جني ثمار نصركم ليصعد عليها وينتفع من ورائها في تحقيق مآرب يرجوها , وأهداف يصبوا إليها فكونوا على حذر منه , ولتكن مصالح البلد أولى الأولويات
حفظ الله مصر بأهلها ورجالها ونسائها وشبابها , وعوضهم خيرا عما تقدم من العهد , وجعل حاضرها خيرا من ماضيها , ومستقبلها مشرقا منيرا