تعالوا نخلص لله ساعة!! (حول أحداث مصر )
أبو مهند القمري
بسم الله الرحمن الرحيم
لتكن مدرستك ما تكون!! وليكن شيخك ما يكون!! وليكن فكرك أيضاً ما يكون!!
طالما أنعم الله عليك بنعمة التوحيد والولاء لهذا الدين!!
ولكن يجب على الجميع الآن الاستعلاء عن كل تلك الولاءات إلا الولاء لهذا الدين!!
لاسيما في هذه الأوقات العصيبة التي تعيشها مصرنا الحبيبة في خضم هذه الأحداث التي لا يعلم مداها إلا الله وحده، وما الذي ستؤول إليه!!
فالجميع يعلم أنها جاءت على غير إرادة أو خيار من أحد، وبالتالي جعلتنا كإسلاميين (علماء ودعاة وطلبة علم) رضينا أم لم نرض في بوتقة واحدة، لذا وجب علينا النظر إلى تلك الأحداث من زاية مغايرة تماماً لكل ما تم طرحه من وجهات نظر متباينة بيننا!!
فليس الوقت والله وقت تصفية حسابات أو تفاضل وذكر للمآثر بالماضي العتيد!!
فالتهديد لن يطال أشخاصنا أو جماعاتنا في المقام الأول فحسب، وإنما سيطال هذا الدين وهوية هذا البلد الذي نفدي إسلامه بأرواحنا.
لذا أرجو من الجميع أن يتجردوا ولو للحظة واحدة من جميع الرغبات النفسية والأهواء العاطفية، ويمعنوا النظر في هذه الأسطر البسيطة التي سأحاول إلقاء الضوء من خلالها على حجم وحقيقة تلك المخاطر، لذا جعلت عنوان مقالتي
(تعالوا نخلص لله ساعة)!!
وحتى لا أطيل عليكم، فحقيقة الأمر أن تلك الأحداث كانت نتيجة إبرة صغيرة استخدمها هواة من بعض شباب الإنترنت!! ولم يتخيلوا حجم هذا الانفجار الذي من الممكن أن ينتج عن تفجير هذا البالون الهائل من الغضب المكبوت في نفوس أبناء هذا الشعب منذ زمن بعيد!! نتيجة مختلف أنواع المعاناة المادية والنفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية وما يخطر على البال من كل أنواع المعاناة!!
فجاء هذا التفجير مصداقاً لقوله تعالى : (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) !!
جاء ليضع الجميع أمام مواجهة حاسمة مع نظام ذو خبرة عتيدة في الظلم والجور، وأضحت معاني تلك المواجهة تتبلور يوماً بعد يوم في محور واحد، هو حتمية استرجاع الحقوق لأصحابها؛ حتى ولو كان الموت هو الثمن !!
ومن البديهي أن يفرز هذا الحدث ساحة كبيرة أمام الانتهازيين!!
أو من يبحثون عن مثلك تلك الفرصة لتصفية حساباتهم القديمة مع مصر أو مع شعبها!!
ولا أريد الاستزادة من مثل هذه الكلمات التي أخشى أن تبث روح الهزيمة أو المخاوف؛ حتى لا تزيد النفوس المثبطة أصلاً تثبيطاً!! وإنما أردت من ورائها التنبيه فقط على أهمية بل وحتمية تضافر جهود المصلحين لسد جميع أبواب تلك الفتن على اختلاف أنواعها بإذن الله، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً مستعينين بإخلاص القلوب لله وحده، حتى نرى الثمرة يانعة بإذن الله، متمثلة في حفظ هذا الثغر الهام من ثغور الإسلام على مر التأريخ، وهو مصرنا الحبيبة.
وهنا تجدر الإشارة بأنه لن يتخيل أي واحد منا؛ مهما كانت سعة أفقه، الوضعية الاستثنائية النادرة، التي سوف يهيئها الله لأهل الدين من خلال الإفرازات التي سوف تفرزها الأحداث القادمة، حيث لن يكون أمام الناس سوى ملاذ واحد، هو اللجوء إلى الله تعالى، من شدة بطش و(فرفصة) هذه الذبيحة الهائجة المتمثلة في هذا النظام العاتي، إذ أن انتزاع الملك من فرعون موسى، لا يقاس بحال بانتزاع الملك في بلد مثل تونس أو غيرها، فمصر (هي موطن فرعون موسى بأصوله!!)
ولن يسلم بانتزاع الملك منه سوى بمعجزة توازى معجزة انفلاق البحر، ولكن انفلاق البحر في هذه المرة، يحتمل أن يكون بانشقاق الجيش المصري، إذ سيقف جزء منه بجانب الثورة نتيجة لتأثره بها!!
والجزء الآخر (والذي يأخذ أوامره مباشرة من أمريكا) سيقف ضدها، وحيينها سوف ينصر الله هذا الشعب ومن والاه من مخلصي أفراد الجيش، ولكن الأمر سيمر حيينها بمنعطف صعب، نسأل الله أن يهونه على عباده، وأن يجعل العاقبة فيه للمتقين.
وحتى أضع النقاط على الحروف تحديداً؛ فإن هناك العديد من المخاطر التي ينبغي علينا التعامل معها من منطلق قول الحق تبارك وتعالى : (قاتلوا الذين يلونكم . . . ) أي تناول القضايا حسب أولويتها وخطورتها، وأول هذه المخاطر يتمثل في :
المخاطر الداخلية :
وتنقسم بدورها إلى قسمين :
القسم الأول :
مخاطر حال الفشل في التغيير : (نسأل الله العفو العافية)
· استعار موجة الانتقام من أجهزة الأمن التي ستتحول إلى وحش كاسر جريح يسعى للبطش بكل أطياف الشعب الذي أبدى تمرده، إسلاميين وغيرهم!! ولا يمنين أحد ممن نأى عن الأحداث نفسه بالسلامة من هذه الوحشية!! حيث لن يفرق حيينها هذا الوحش الكاسر بين من دعم وبين من خالف!! بل سيزداد بطشه بالجميع؛ حتى يؤصل عنفوان سلطانه ورهبته في القلوب من جديد، بل وبشكل أعمق وأرهب من السابق، لأنه في هذه الأوقات، سوف يعتبر نفسه منتصراً وسوف تمتزج لديه مشاعر الزهو بالانتصار مع الرغبة في الانتقام!! لأعطاء كافة طوائف الشعب درساً لن تنساه، كي لا تتجرأ مكرراً على التمرد، ولن يبالي حيينها بصدى الإعلام العالمي الذي يسيطر عليه أعداء الله (من الذين أعلنوها صراحة عن مخاوفهم من سيطرة الإسلاميين) إذ لن يبالي هذا الإعلام الخائن بالتنسيق المبطن مع هذا النظام؛ لصرف نظر الناس والعالم كله عن هذه القضية، من خلال الحد من إلقاء الضوء عليها؛ حتى تذهب أدراج الرياح في وادي النسيان!! وأثناء هذه الفترة ييكون النظام قد صفى حساباته مع معارضيه من خلال أثخان أنواع الانتقام فيهم!!
لذا فإنه لا خيار أمامنا سوى المضي قدماً؛ لإسقاطه، وعدم التراجع بأي حال من الأحوال في هذه المرحلة التي يجب علينا فيها بذل كل ما نملك؛ لعدم تمكين النظام من استرداد أنفاسه، وقلب موازين الصراع، بما يتيح أمامه التمكين مرة أخرى!! حيث أن عودته حيينها ستعني نهاية كاملة، بل ومحتمة لروح الإباء والكرامة في الأمة، وقتل النخوة فيها!!
وأقول لكل من يساروه شك في ذلك، بأن الموت هو المآل المحتوم لكل واحد منا، ولكن فارق كبير بأن يموت المرء جباناً تحت سياط الطغاة، بعدما مكنهم بخذلانه من استرداد أنفاسهم، والعودة لبطشهم وجبروتهم، وبين أن يموت عزيزاً شريفاً، كي يحيا أبناؤه والأجيال من بعده حياة كريمة عزيزة، صنعها لهم بدمائه، وجعلها واقعاً حياً يحيونه، بدلاً من هذا الواقع الذي سلبت فيه كرامة المصريين كجنس بشري!!
لذا أعيد وأكرر، لا تراجع بحال من مواصلة الضغط على هذا النظام من خلال جهد جماعي، يقوده المصلحون بنية لله خالصة، وذلك في أنسب وأحرج الأوقات، حيث تمثل المرحلة الحالية أكثر الفترات الزمنية حساسية، لما قد يحتمل فيها من تراجع بعض النفوس الضعيفة التي لم تعرف للالتصاق بالله معنى!! فّاذا قادها المصلحون الذين اتصلت بحسن علاقتهم بربهم حبال الأرض بحبال السماء، سيكون لهم النصر بإذن الله متمثلاُ في انهيار هذا الجور والطغيان.
وأكرر لن يبذل المصلحون كثير جهد؛ كي يجدوا التفاف الناس من حولهم في هذه الاحداث!! إذ يكفي مجرد حضورهم الإيجابي في الميدان، ومن ثم الإخلاص لله في القيام بواجب توجيه القلوب إلى الله، وحيينها سيؤول زمام القيادة مرغماً إلى أيديهم، وهذه الفرصة بالمقاييس التاريخية، نادرة الوجود في سيرة الدعوة إلى الله، لذا أرجو استيعاب مقدارها، واستثمارها الاستثمار الذي يليق بعظمة دين الله.
القسم الثاني :
مخاطر حال النجاح في التغيير دون زعامة دينية :
· وصول حكومة أخرى علمانية، مرضي عن أفرادها من أمريكا والغرب وإسرائيل، ولن تحكَّم بالطبع شرع الله!! وإنما ستتاح للدعاة فرصة أخرى لاغتنام ما سوف يحدث من وضع الكثير من القيود عن الدعوة بدعوى الحريات، وهذا يمكننا من توسيع لنطاق الدعوة إلى الله، بعدما كسرت العديد من الحواجز والقيود السابقة، وهذا الأمر سوف يستمر فترة زمنية لا بأس بها، إذ سوف ترغم ثورة الشعب الحكام الجدد، مهما كانت هويتهم على إتاحة المزيد من الحريات، ويعتبر هذا في حد ذاته نوعاً من الانفراج الإيجابي، الذي نسأل الله أن يكون خطوة فعالة على طريق التمكين بإذن الله.
· محاولة الجميع ركوب موجة الثورة والظهور على أكتفاها، سواء ما بين الإسلاميين بصفة عامة ومن دونهم من الأحزاب الليبرالية والعلمانية، أو للأسف الشديد ما بين الإسلاميين بعضهم البعض (ما لم يخلصوا وجهتهم لله) وهذه الفتنة لن يسلم منها، إلا من أخلص عمله لله وحده، وقرر البذل لهذا الدين فحسب، واكتفى بأن يكون الجندي المجهول لإعلاء كلمة الله، محتسباً الأجر عند الله، ولم تشرئب نفسه لأي مصالح شخصية أو دنيوية.
المخاطر الخارجية :
وتنقسم أيضاً إلى قسمين
حال النجاح في التغيير :
· قيام إسرائيل باستخدام الأيادي الخفية من العملاء الذين نجحت في تجنيدهم خلال العهد الميمون لتك الحكومة العميلة، وذلك بتكليفهم بإحداث نوع من البلبلة وإشاعة الحرب النفسية، والقيام بتنفيذ العديد من العمليات التدميرية المشبوهة؛ لإشاعة أجواء الفوضى وعدم استقرار في البلد!! ومحاولة تفعيلهم لملف أقباط المهجر، وما سيجدونه من بعضهم من تعاون وثيق!! وهذه الأمور كلها، تتطلب وعياً كبيراً من الجميع، بالإضافة لتعاون على أعلى المستويات بين أفراد الشعب، والمخلصين من أصحاب القرار فيه، فضلاً عن التوعية الدائمة والشاملة من خلال وسائل الأعلام، كي نفوت عليهم مثل هذه الفرص، بما أصبح لدى الشعب من حسٍ مرهفٍ أثبت هذه الثورة ولله الحمد أن شعب مصر بإذن الله له أهل!!
· قيام أمريكا بمحاولة شراء الحكومة الجديدة، فإذا فشلت في ذلك قامت على الفور بإيجاد سيناريوهات إقليمية على المستوى الدولي؛ لإجهادها، وإدخالها في متاهات لاستنفاد قدرتها المالية، وطاقتها الإنتاجية، ومواردها البشرية، بقصد إلهائها عن حليفتها الحميمة إسرائيل!! ويبرز في مقدمة تلك السيناريوهات المرشحة للبدء بها على الفور، تلك المشكلة الناجمة عن تقسيم الباب الخلفي لنا، وهي السودان، وما سينتج عن ذلك من تحكمهم في مياه النيل!! وهذا الأمر يتطلب من المسؤولين فطنة بالغة في التعامل معه، وبذل أقصى الجهد لعدم الإنجرار وراء هذه السيناريوهات، ولن يكون ذلك إلا بتحديد الهدف، ومعرفة العدو من الصديق، وعدم الانشغال بأجندات جانبية، تصرفنا عن العدو الحقيقي المتربص بنا دوماًن وهو إسرائيل.
حال الفشل في التغيير :
· قيام أمريكا والدول الغربية بتقديم كافة أنواع الدعم الخفي للنظام المتسلط بعد تغيير بعض الوجوه فيه، والختم بالشمع الأحمر على احتمالية التغيير مطلقاً، أو السماح لهذا الشعب بالحصول على ما يزعمونه وما يتشدقون به من حريات أو ديمقراطية، نظراً لما أثبتته تجربة تلك الثورة من قابلة هذا الشعب للتمرد!! وما أثارته فيهم من مخاوف بالغة من توجه أفراده إلى النظام الديني، ومن ثم الانقضاض المباشر على حليفتهم إسرائيل!!
· التنسيق الدائم بين تلك الحكومة العميلة من جهة، وأمريكا والدول الغربية من جهة أخرى؛ لمحاصرة النشطاء السياسيين، المتواجدين خارج الأراضي المصرية؛ وذلك بقصد تكميم أفواههم، وتقليم أظافرهم، لعدم تمكنيهم من تأليب المجتمع الدولي على هذه الحكومة مكرراً!!
لذا فإن المطلوب من الجميع الآن تحديداً ما يلي :
توثيق العلاقة بالله :
فالدعاء من أقوى الأسلحة الخفية التي يمكننا الاستعانة بها على أعدائنا وبالأخص في هذه الآونة، إذ أن الله تعالى يقول في محكم كتابه : (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً) فإذا كانوا يملكون الأقمار الصناعية، ووسائل الاتصال والتجسس الحديثة، فنحن لنا الله الجبار في علاه من فوقهم، والقادر على خلط جميع أوراقهم وإفشال كافة مؤامراتهم!! لذا علينا أن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة، من انه سبحانه سيجعل مكرهم السيئ يحيق بهم، وأنه سينصر عباده المستضعفين، ويهيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويُهدى فيه أهل معصيته، ويُأمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وليس هذا بعزبز على الله، فالأمر كله بيده سبحانه وحده لا شريك له، وهو القادر على أن يصرف عنا البلاء، ويلطف بنا وبعباده المستضعفين، لذا فالدعاء الدعاء الدعاء الدعاء، أوصوا به عجائزكم، وأطفالكم، ونساءكم وشيوخكم وأنفسكم لاسيما في الثلث الأخير من الليل، فوالله إنه لأشد الأسلحة فتكاً بهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!!
طرح الخلافات جانباً بشكل نهائي، والانشغال الكامل بالدعوة إلى الله :
هذه الأجواء تجعل القلوب أرهف ما تكون لسماع نداء الله، لاسيما بعدما كسرت الكثير من حواجز القسوة عنها؛ فخرجت لمواجهة الظلم، والتمرد على الطغيان!! وهذه لحظات نوعية، عزَّ أن يجد الدعاة مثيلاً لها في الساحة، وعليه فإن الكلمة المخلصة الواحدة الآن، تعمل عمل ألف داعية!! فالله الله في دعوة الناس إلى الله وبالأخذ بأيدهم إلى رحاب الله.
تحذيرات هامة وفي منتهى الخطورة :
· إياك أن تخالط قلبك أي أمنية ولو من طرف خفي لفشل من خالفك الرأي من إخوانك؛ كي تتحقق لك الشماتة فيه؛ لأن في ذلك من مفاسد القلوب والإثم ما الله به عليم، وما يجعلك (عياذاً بالله) شريكاً لهؤلاء المجرمين في الانتقام من إخوانك، فتتحمل هذا الإثم العظيم وأنت لا تدري!!
· كن ذليلاً على إخوانك، وبالأخص في هذه الآونة، التي جمعت بين قلوب عوام الناس على الرغم من عدم التزام الكثير منهم، ولكن الظلم الواقع على الجميع واستشعار المشاركة في المحنة ألفت بين قلوبهم، ووحدت كلمتهم!! فكيف الحال بأمثالنا ممن اجتمعوا على كتاب الله، وكلمة التوحيد، وابتغوا نصرة هذا الدين على اختلاف مشاربهم؟!
· إذا تحقق للناس مآربهم في التغيير، وصارت الدنيا في أيديهم، فإياك أن تستشرف نفسك وأنت العزيز بينهم بمكانتك كأحد الداعاة إلى الله لأي شيء من حظوظ دنياهم وزينتها، واحرص أن تكون لله العبد الخفي التقي، الذي يمضي إلى الله مخففاً زاد دنيا مثقلاً زاد آخرته، فإن هذه هي أسرع الطرق المؤدية بك إلى رضوان وجنة الله!!
ولكم على كاتب هذه المقالة أن يكون خادمكم، حال مكن الله لنا وتحاكم الناس لهذا الدين، إذ يشرفني أن أنظف الأرض والله تحت أقدام أمثالكم، ممن أخلصوا في نصرة رب العالمين.