قال الشيخ صالح بن سعد السحيمي حفظه الله تعالى : و أخطر هذه الأسباب هو الغلو الذي حذّر الله منه في غير ما آية من كتابه . والغلو هو مجاوزة الحد ، وضابطه تعدي ما أمر الله به بالزيادة فيه وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله تعالى : ( ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ) طه : 81 .وكذا قال تعالى : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) النساء : 171 . أي لا تتعدوا ما حدّ الله لكم . و أهل الكتاب هنا ، هم اليهود والنصاري ، فنهاهم عن الغلو في الدين ، ونحن كذلك ، كما قال تعالى : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك و لاتطغوا ، إنه بما تعملون بصير ) هود : 112 . والغلو كثير في النصارى فإنهم غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام ، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلهاً من دون الله ، يعبدونه كما يعبدون الله ، بل غلوا فيمن زعم أنه على دينه من أتباعه ، فادّعوا لهم العصمة ، واتبعوهم في كل ما قالوه سواء أكان حقاً أو باطلاً ، وناقضتهم اليهود في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، فحطوا من منزلته حتى جعلوه ولد بغي . (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله : " ومن تشبه من هذه الأمة باليهود والنصارى و غلا في الدين بإفراط أوتفريط ، وضاهاهم في ذلك فقد شابههم ، كالخوارج المارقين من الإسلام الذين خرجوا في خلافة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقاتلهم حين خرجوا على المسلمين ـ وكان قتالهم بأمر النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم كما ثبت ذلك من عشرة أوجه في الصحاح ، والمسانيد وغير ذلك ، وكذلك من غلا في دينه من الرافضة والقدرية والجهمية والمعتزلة " . وقال أيضاَ : " فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم من انتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان ، قد يمرق أيضاً من الإسلام ، وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه ، حيث قال : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) اهـ وهذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن أعظم فتنة أبتليت بها البشرية إنما هي فتنة الغلو الذي جاء التحذير منه في غير ما آية وحديث ، وقد تقدم من الآيات ما يوضح ذلك . أما الأحاديث فمنها ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم قال : ( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) . وثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة من حدبث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وعلى ءاله وسلم قال : " إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو " . وهذه نصوص صريحة وواضحة في أن سبب الإنحراف عن العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة إنما هو ذلك الغلو ومجاوزة الحد الذي أدى بالتالي إلى صرف العبادة إلى غير الله سبحانه وتعالى ) . اهـ ( كتاب منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين صـ 11)