عشرة معالم معينة على تحقيق رعاية الآباء للأبناء
المعلم الأول: صلاح الأبوين
"فإن صلاح الأبوين صلاح للأبناء في الغالب كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى(7) عند قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}.
إن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته وتشملهم بركة عبادته في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم" ا.هـ.
المعلم الثاني: الاستعانة بالله والاعتماد عليه ودعاؤه الذرية الصالحة
فالله جل جلاله خير معين، وخير حافظ ووكيل، فليُطلب العون منه ويتوكل عليه ويُسأل، فقد دلنا سبحانه على أخلص دعاء وأجمعه في صلاح الذرية فقال حاكياً عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
المعلم الثالث: الأخذ بالأسباب الصحيحة والشرعية في صلاح الأبناء
ومن هذه الأسباب:
أولاً: حسن الاختيار لكل من الزوجين
فالرجل يختار ذات الدين، والمرأة تختار صاحب الدين والخلق، امتثالاً لتوجيهات وإرشادات النبي صلى الله عليه وسلم والتي منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم»(8).
السبب الثاني: الذكر الوارد عند الجماع
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدّر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره الشيطان أبداً».
وقوله: «حين يأتي أهله» أي: للجماع.
السبب الثالث: العقيقة عن المولود
وهي ما يذبح عن المولود ولو مات بعد ولادته للذكر شاتان وللجارية شاة لحديث سمرة رضي الله عنه وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغلام مُرتهن بعقيقته تذبح عنه في اليوم السابع، ويحلق رأسه ويُسمى»(9).
السبب الرابع: حسن تأديبهم وتعليمهم
فيعلمهم العقيدة الصحيحة ويغرسها في قلوبهم ومن ذلك التعلق بالله والاعتماد عليه والالتجاء إليه وعبادته خوفاً ورجاءً ومحبةً كما يعلمهم ما يصحح به عبادتهم لربهم وكذلك الآداب الحسنة ويجعل قدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخير القرون وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعين لهم.
وبعنايته بتعليمهم وتأديبهم يحفظهم من الضياع ويجلب لنفسه الأجر ويجنبها من الإثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول»(10).
فإذا كان في ضياعهم الإثم، فإن في حفظهم ورعايتهم الأجر والثواب.
المعلم الرابع: الإحساس بعظم المسؤولية عليهم
فالإحساس بالمسؤولية يدفعه إلى عدة أمور منها:
الأول: توفير لهم ما يحتاجونه حسب المستطاع
فلا يسلمهم إلى الناس فيُذَلُّون أو يساقون إلى انحراف.
الأمر الثاني: نصحهم وإرشادهم ووصيتهم بفعل الخير
وليسترشد في ذلك بوصية لقمان في سورة لقمان من قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:13-19].
الأمر الثالث: ملاحظتهم ومراقبتهم وتقويم سلوكهم
فجانب الملاحظة والمراقبة والتقويم مهم جداً في رعاية الأبناء ومن خلاله يصلح اعوجاجهم ويتدارك أخطاءهم قبل أن تتقوى وتستفحل.
الأمر الرابع: أن يقيم فيهم مبدأ الثواب والعقاب
وهذا الأسلوب من أساليب الكتاب والسنة وهو أسلوب الترغيب والترهيب، وأن يكون الثواب والعقاب لكل فئة عمرية بحسبها ويتّبع في ذلك الأساليب التربوية والتي لا تتعارض مع الشرع الحنيف.
فيترفّع عن اللعن أو التقبيح أو ضرب الوجه أو الألفاظ البذيئة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»(11).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاءة من الجفاء، والجفاء في النار»(12).
الأمر الخامس: التفاعل والانفعال في عملية التربية بين الآباء
وهم جهة الإرسال والأبناء وهم جهة الاستقبال، فما لم تقم التربية عليه أي: التفاعل والانفعال تصبح عملية ميتة لا روح فيها ولا حياة وهذا الأمر هو المهم في الإحساس بالمسؤولية عليهم.
الأمر السادس: أن يحفظ سمعهم وأبصارهم وألسنتهم وجميع جوارحهم من كل سوء وإلا كان مضيّعاً لهم
فمن الآباء والأمهات من يجلب لأبنائه الويل والدمار والفساد حتى يصدق عليه أنه ديّوث، والديّوث لا يدخل الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديّوث، والرّجُلة من النساء، ومدمن الخمر»(13) والديّوث: هو الذي يرضى بالخبث في أهله.
المعلم الخامس: أن تكون التربية هي القائد الحقيقي للإصلاح
فالتربية هي العمل بمختلف الأساليب والوسائل التي لا تتعارض مع شرعة الإسلام على رعاية الإنسان وتعهده حتى يصير سيداً في هذه الأرض سيادة محكومة بالعبودية التامة لله رب العالمين(14)، وهي أداة التغيير الكبرى وأثرها عظيم، وهي الخصيصة المثلى للأبوين في حقهما على الولد بعد سبب الإيجاد كما قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24].
قال السعدي رحمه الله: "أي أدع لهما بالرحمة أحياءً وأمواتاً، جزاءً على تربيتهما إياك صغيراً.
وفُهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه، تربية صالحة غير الأبوين، فإن له على من رباه حق التربية"(15) ا.هـ.
فالتربية لا يستغني عنها الأبوان المريدان صلاح الأبناء إذا استوعبت جميع مجالاتها الثلاثة:
المجال الأول: تربية الجسد
وتكون بتوفير الغذاء والكساء والمسكن للأبناء من كسب حلال والعناية بالصّحة والنظافة والنشاط.
المجال الثاني: تربية للقلب
وتكون بتغذيته بالإيمان والاعتقادات الصحيحة فلا يكن تعلّق بغير الله ولا تعلّق بخرافة أو بدعة.
المجال الثالث: تربية للروح
وتكون بتزكية النفس، والدعوة للأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، والقيام بالعبادات والتكاليف الشرعية(16).