ن النبي صلى الله عليه وسلم يحذِّر هذه الأمة من كل شر، وذلك من حق الأمة عليه، وقد أداه ونحن نشهد أنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، فقد حذرنا من صنفين من أهل النار سيظهران في هذه الأمة.
الصنف الأول: "رجال بأيديهم عصي كأذناب البقر يضربون بها الناس"، وهم الظالمون الذين يضربون من لم يضربهم ولم يكلمهم بسوء ولم تقع بينهم وبينه معرفة ولا إشكال ولا لهم عليه أي حق، فهذا النوع من أهل النار قطعاً، وسيظهر في هذه الأمة قطعاً، ولم يظهر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
والنوع الثاني: "نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"، فهن كاسيات عاريات، أي قد اكتسين بما لا يستر فاكتسين بما يشفّ ويصِف، يشفّ أي يبدو اللون من تحته ويصف أي يحدد الأعضاء، فهذا هو في الظاهر ستر، ولكنه في الحقيقة كشف، فهن كاسيات عاريات، ويمكن أن يكون المعنى كاسيات بعض أبدانهن، عاريات أي في بعضهن، فبعض الأبدان بادٍ وبعض الأبدان مستورٌ، فيسترن بعض ما أوجب الله ستره ويبدين بعض ما حرم الله إبداءه، وذلك مثل ما يحصل في مجتمعنا اليوم، فكثير من النساء تظن أن الأذن ليست عورة وأن اليد إلى المرفق ليست بعورة، وهذا هو من ستر بعض ما أوجب الله ستره وإبداء بعضه، فهو حرام، كاسيات عاريات.
"مائلات مميلات"، مائلات أي في مشيهن تكسر، وذلك بقصد الفتنة، مميلات أي مميلات رءوسهن في المشطة الميلاء، وهي إلى جانب من الجوانب، وكانت قديماً علامة على العواهر والزواني، "رءوسهن كأسنمة البخت المائلة"، هذا أيضاً تبيين من النبي صلى الله عليه وسلم لهيئة رءوسهن: فرءوسهن كأسنمة البخت، والأسنمة جمع سنام، والبخت الإبل التي لها سنامان، كأسنمة البخت المائلة.
"لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"، لا يدخلن الجنة: هذا تأكيد لأنه قال من قبل: "صنفان من أهل النار"، فأكد كونهن من أهل النار، وخص النساء هنا بذلك وقال: "لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها"، أي لا يمكن أن يصلن إلا مكان يصل إليهن شيء من روحها وريحانها، وروحها وريحانها يصل إلى الإنسان من مسافة بعيدة جاء تحديدها بخمسمائة عام.