إخوة الإيمان إن الاسراء والمعراج من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الاسراء فثبت بنصّ القرءان والحديث الصحيح فيجب الايمان بأنّه صلى الله عليه وسلم أسرى الله به ليلا من مكّة الى المسجد الأقصى.
وقد جاء في تفسير الآية {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا} السّبح في اللّغة التّباعد ومعنى سبّح الله تعالى أي بعّده ونزّهه عمّا لا ينبغي.
وقوله {بعبده} أي بمحمّد.
ونسبة النبيّ الى ربّه بوصف العبوديّة غاية الشرف للرسول لأنّ عباد الله كثير فلم خصّه في هذه الآية بالذكّر؟ ذلك لتخصيصه بالشّرف الأعظم.
وقوله تعالى {ليلا} إنما قال {ليلا} مع أنّ الإسراء لا يكون إلا في الليل لأنه أراد به تأكيد تقليل مدة الاسراء فإنّه أسري به في بعض الليل من مكة الى الشام.
وقوله تعالى {مّن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} إنّما سمّي المسجد الحرام لحرمته أي لشرفه على سائر المساجد لأنّه خصّ بأحكام ليست لغيره.
والمسجد الأقصى إنما سمّي بذلك لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام.
وقوله تعالى {الّذي باركنا حوله} قيل لأنّه مقرّ الأنبياء ومهبط الملائكة لذلك قال ابراهيم عليه السلام {إنّي ذاهب إلى ربّي سيهدين} أي إلى حيث وجّهني ربّي أي إلى برّ الشام لأنه عرف بتعريف الله إياه أنّ الشام مهبط الرّحمات وأنّ أكثر الوحي يكون بالشام وأنّ أكثر الأنبياء كانوا بها.
قال تعالى {لنريه من آياتنا} أي ما رأى تلك الليلة من العجائب والآيات التي تدلّ على قدرة الله.
إخوة الإيمان لقد أجمع أهل الحقّ على أنّ الاسراء كان بالروح والجسد وفي اليقظة ومن أنكره فقد كذّب القرءان.
وقد كانت تلك المعجزة العظيمة في السنة الخامسة قبل الهجرة فقد جاءه جبريل ليلا إلى مكّة وهو نائم ففتح سقف بيته ولم يهبط عليهم لا تراب ولا حجر ولا شىء وكان النبيّ حينها في بيت بنت عمّه أمّ هانىء بنت أبي طالب أخت عليّ بن أبي طالب في حيّ اسمه أجياد كان هو وعمّه حمزة وجعفر بن أبي طالب نائمين والرسول كان نائما بينهما فأيقظه جبريل ثم أركبه على البراق خلفه وانطلق به والبراق دابة من دوابّ الجنّة وهو أبيض طويل يضع حافره حيث يصل نظره ولما يأتي على ارتفاع تطول رجلاه ولما يأتي على انخفاض تقصر رجلاه وانطلق به البراق حتى وصلا عند الكعبة حيث شقّ صدره من غير أن يحسّ بألم ثم أعيد كما كان وذلك بعد أن غسل قلبه وملىء ايمانا وحكمة وكل هذا إعدادا للأمر العظيم الذي يسقبله ثم انطلقا حتى وصلا إلى أرض المدينة فقال له جبريل " انزل " فنزل فقال له "صلّ ركعتين" فصلّى ركعتين ثم انطلق فوصل به الى بلد اسمها مدين وهي بلد نبي الله شعيب فقال له انزل فصلّ ركعتين ففعل ثم مثل ذلك فعل في بيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام.
ثم أتى بيت المقدس فربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ثم دخل المسجد الأقصى فصلّى فيه ركعتين.
وصلّى بالأنبياء إماما الله جمعهم له هناك كلّهم تشريفا له ولما خرج جاءه جبريل عليه السلام بإناء من خمر الجنة لا يسكر وإناء من لبن فاختار النبي اللبن فقال له جبريل "اخترت الفطرة " أي تمسّكت بالدين.
ومن عجائب ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسراء ما رواه الطبراني والبزّار من أنّه رأى المجاهدين في سبيل الله وكيف كان حالهم ورأى تاركي الصلاة وكيف كان حالهم والذين لا يؤدون الزكاة وكيف كان حالهم والزناة وكيف كان حالهم والذين لا يؤدّون الأمانة وكيف كان حالهم وخطباء الفتنة وقد رءاهم تقصّ ألسنتهم بمقصّات من نار وما أكثرهم في أيّامنا هذه.
ورأى الذين يتكلمون بالكلمة الفاسدة وما أكثرهم في أيّامنا هذه ورأى ابليس ورأى الدنيا بصورة عجوز.
ورأى ءاكلي الّربا وكيف كان حالهم ورأى ءاكلي أموال اليتامى وكيف كان حالهم ورأى شاربي الخمر وكيف كان حالهم والذين يمشون بالغيبة وكيف كان حالهم ثم شمّ رائحة طيبة من قبر ماشطة بنت فرعون وكانت مؤمنة صالحة وجاء في قصتها أنها بينما كانت تمشط رأس بنت فرعون سقط المشط من يدها فقال " بسم الله " فسألتها بنت فرعون " أو لك ربّ إله غير أبي " فقالت الماشطة " ربي وربّ أبيك هو الله " فقالت "أأخبر أبي بذلك " قالت " أخبريه " فأخبرته فطلب منها الرّجوع عن دينها فأبت فحمّى لها ماء حتّى صار شديد الحرارة متناهيا في الحرارة فألقى فيه أولادها واحدا بعد واحد ثم لما جاء الدور إلى طفل كانت ترضعه تقاعست أي صار فيها كأنها تتراجع ازداد خوفها وانزعاجها وقلقها فأنطق الله تعالى الرضيع فقال " يا أمّاه اصبري فإنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدنيا فلا تتقاعسي فإنّك على الحقّ ".
فتجالدت فرمى الطفل فقالت لفرعون "لي عندك طلب أن تجمع العظام وتدفنها " فقال " لك ذلك " ثم ألقاها فيه.
ثم نصب المعراج والمعراج مرقاة شبه السّلّم درجة من ذهب والأخرى من فضّة وهكذا فعرج بها النبي إلى السماء وأما المعراج فقد ثبت بنصّ الأحاديث وأما القرءان فلم ينصّ عليه نصّا صريحا لا يحتمل تأويلا لكنّه ورد فيه ما يكاد يكون صريحا وهو قوله تعالى { ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى} (سورة النجم/14-15-16).
ثم صعد به جبريل حتى انتهيا الى السماء الأولى وفي السماء الأولى رأى ءادم وفي الثانية رأى عيسى ويحيى وفي الثالثة رأى يوسف.
قال عليه الصلاة والسلام " وكان يوسف أعطي شطر الحسن " يعني نصف جمال البشر الذي وزّع بينهم وفي السادسة رأى موسى وفي السابعة رأى ابراهيم وكان أشبه الأنبياء بسيدنا محمد من حيث الخلقة ورءاه مسندا ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه.
ثم ذهب برسول الله إلى سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة وبها من الحسن ما لا يستطيع أحد من خلق الله أن يصفه وجدها يغشاها فراش من ذهب وأوراقها كآذان الفيلة وثمارها كالقلال والقلال جمع قلّة وهي الجرّة وهذه الشجرة أصلها في السماء السادسة وتمتد إلى السابعة ثم سار سيدنا محمد وحده حتى وصل إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ ثم هناك أزال الله عنه الحجاب الذي يمنع من سماع كلام الله الذي ليس حرفا ولا صوتا أسمعه كلامه.
ثم هناك أيضا أزال عن قلبه الحجاب فرأى الله تعالى بقلبه أي جعل الله له قوّة الرؤية والنظر بقلبه فرأى الله بقلبه ولم يره بعيني رأسه لأنّ الله لا يرى بالعين الفانية في الدنيا وإنما يرى بالعين الباقية في الآخرة كما نصّ على ذلك الإمام مالك رضي الله عنه.
ولو كان يراه أحد بالعين في الدنيا كان رءاه سيدنا محمد لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "واعلموا أنّكم لن تروا ربّكم حتّى تموتوا ".
ثم إنّ نبينا لما رجع من ذلك المكان كان من جملة ما فهمه من كلام الله الأزلي أنّه فرض عليه خمسون صلاة ثم رجع فوجد موسى في السماء السادسة فقال له " ماذا فرض الله على أمّتك" قال: " خمسين صلاة " قال "ارجع وسل التخفيف" أي ارجع الى حيث كنت وسل ربّك التخفيف فإني جرّبت بني اسرائيل فرض عليهم صلاتان فلم يقوموا بهما" فرجع فطلب التخفيف مرة بعد مرّة إلى أن صاروا خمس صلوات.
وهذا فيه دليل على أن الأنبياء ينفعون بعد موتهم.
وليعلم أنّ المقصود بقوله تعالى {ثمّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى} جبريل عليه السلام حيث رءاه الرسول وله ستّمائة جناح سادّا عظم خلقه ما بين الأفق فإنّ جبريل اقترب من سيّدنا محمد فكان ما بينهما من المسافة بمقدار ذراعين بل أقرب.
ولا يجوز تفسير الآية بأنّ محمدا دنا من الله لأنّ الله موجود بلا مكان ولا أحد قريب منه بالمسافة.
ثم إنّ الرسول لمّا رجع أخبر قومه بما حصل معه فقالوا له "من هنا إلى هناك مسيرة شهر" وكان فيهم من يعرف بيت المقدس فقالوا له "كم بابا ببيت المقدس" كان هو بالليل ما تأكّد عدد الأبواب تضايق ثم كشف الله له فأراه فصار يعدّ لهم وهو ينظر إلى الأبواب واحدا واحدا فسكتوا ثم أبو بكر قيل له " صاحبك يدّعي أنّه أسري به " قال " إنّه صادق في ذلك.
عن خبر السماء أنا أصدّقه فكيف لا أصدقه عن خبر الأرض".
إخوة الايمان إنّ الواحد منّا ينبغي له أن يعمل لآخرته وكأنّه سيموت غدا وينبغي له في كلّ أيّامه أن يذكر الموت وأنه قريب حتى لا يغفل فينجرّ إلى ما يرضي الله خصوصا وأنّ كثيرا من الناس تزداد غفلتهم في هذه الأيام فيغرقون في المعاصي والمنكرات بدلا من أن يعتبروا ويقولوا قد مضى من عمرنا كذا وكذا من السنين فماذا أعددنا ليوم المعاد ومن أخطأنا معه لنستسمحه وكأن بعضهم لم يسمع بجهنم وما أوعد الله به أهلها.
النار أي جهنم يا عباد الله حق فيجب الإيمان بها وبأنّها مخلوقة الآن وقد أوقد عليها ألف سنة حتى احمرّت وألف سنة حتى ابيضت وألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة. وقد جعل الله فيها عقارب كالبغال وحيّات الحية الواحدة كالوادي وجعل طعام أهلها من ضريع وهو شجر كريه المنظر كريه الطعم وجعل شراب أهلها من الماء الحار المتناهي الحرارة الذي تتقطّع منه أمعاؤهم وجعل ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة ايام وذلك ليزداد الكافر عذابا. فهل من معتبر ؟