خصائص الأمة المسلمة ومقومات تميزها والمحافظة على هويتها
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ، أما بعد :
فقد خص الله تعالى أمة الإسلام بخصائص عظيمة ومنح كريمة جعلها الله تعالى مميزة للمسلمين من بين سائر الأمم وسبباً لحفظ كرامتهم والمحافظة على هويتهم وأماناً لهم من التميع والذوبان في المجتمعات الأخرى والمؤهلة لهم أن يصبحوا قدوة للعالم وقادة الأمم ، ما تمسكوا بها عن إخلاص الله تعالى على الوجه الذي شرع وحذروا من لبسها بالأهواء والبدع وأدركوا نعمة الله تعالى عليهم فيها وعظم مسؤوليتهم عنها وأخذوا الحيطة والحذر من أعدائهم الحاسدين لهم عليها أن يفتنوهم أو يخرجوهم منها ، فمن تلك الخصائص العظيمة والأسس القويمة :
الأولى : أن هداهم الله – وله المنة والفضل – للإسلام الدين الحق الذي شرعه الله تعالى ويسره وأكمله وأتم به النعمة وختم به الأديان فجعله ناسخاً لها مشتملاً على أحسن ما فيها وكل ما تحتاج الأمة إليه في حياتها وخالداً إلى آخر الدهر فلا ينسخ ولا يتبدل ولا يقبل الله تعالى ديناً سواه قال الله تعالى : { هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ } وقال سبحانه وتعالى : { بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقال جل ذكره : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً } وقال سبحانه وتعالى : { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} وقال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ } وفي المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين )) فالناس يتخبطون في ظلمات الباطل وأهل الإسلام يمشون بينهم بنور الله الذي تنكشف به ظلمات الجهالة ودياجير الباطل ، قال الله تعالى : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَـــــدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } وقال سبحانه وتعالى : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} ، والإسلام هو الاستسلام لله تعالى أي الذل والخضوع له سبحانه وتعالى محبة له سبحانه وخوفاً منه وإجلالاً له بحيث يلتزم المسلم للإسلام ويستقيم عليه امتثالاً للمأمور وتركاً للمحظور وتسليماً لا يصيبه دون تسبب منه من مكروه المقدور مغتبطاً بفضل الله تعالى عليه معترفاً بعظيم نعمة الله تعالى عليه أن جعله من عباده وحده وصانه من ذل العبودية لغيره ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } فأساس الإسلام وقاعدته ، وهي أعظم خصيصة وميزة لهذه الأمة – توحيد الله تعالى – باعتقاد تفرده في ربوبيته ( وهي التصرف المطلق ) في الملك والخلق والتدبير والأفعال ، وما ثبت له سبحانه من الأسماء الحسنى وصفات الكمال وتنزهه عن الشريك والند والمثال وإفراده بالإلهية باعتقاد أنه الإله الحق الذي لا يستحق الإلهية سواه ولا تنبغي إلا له وإخلاص النيات والأقوال والأعمال له سبحانه في سائر الأحوال قال الله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } .
الثانية : أن الله تعالى اختص أهل الإسلام بالقرآن العظيم ، والحبل المتين ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، والذكر المبارك ، الذي أنزله الله تعالى تبياناً لكل شيء ، وهادياً للتي هي أقوم ، وضمته أسس الأحكام ، وكليات الشريعة ، وقواعد الملة ، وأثنى عليه بأنه ذكر مبارك ، وموعظة وذكرى ، وهدى ، وشفاء ، إلى غير لك من أوصافه العظيمة ، ونعوته الكريمة ، الدالة على عظيم بركته وحسن أثره وعاقبته على أهله في الدنيا والآخرة ، وتعهد سبحانه بحفظه على مر الزمان وصيانته من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فهو آية الله الباهرة ومعجزته الظاهرة التي أيد بها خليله وخيرته من خلقه محمداً صلى الله عليه وسلم به وتحدى خصومه على مر الزمان أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ، ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ما بعث الله نبياً قبلي إلا آتاه الله من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )) .
والنصوص من الكتاب والسنة في الحث على التمسك بالقرآن والتذكير بعظم المنة وإنه حبل نجاة وسبب أمنة من الفتن والمهلكات ، أكثر من أن تحصر كقوله سبحانه وتعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } وقوله سبحانه وتعالى : { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } وقوله صلى الله عليه وسلم : (( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله )) وقوله يوم غدير خم : (( إني تارك فيكم ثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما أحدهما كتاب الله فتمسكوا به ... الخ )) .
فأمة القرآن هداها ومنهاج حياتها – أصح الكتب وأحكم الشرائع والمحفوظ المصون على مر القرون كيف ترضى أن تكون تابعة لغيرها خاضعة لقوانين الأرض والنظم الجاهلية ، قال الله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } فالتمسك بالقرآن والعمل به على فهم السلف الصالح صمام أمان وحبل نجاة ، ووسيلة لحفظ هوية الأمة وكيانها من التلاشي والاضمحلال في خضم ثقافات الأمم ومنهاجها في أي زمان ومكان وتلك من أعظم المنح وجلائل المنن من غفور رحيم .
الثالثة : أن جعلهم الله أتباعاً لخير خلقه ، وصفيه من رسله ، محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وخيرته من خلقه أجمعين، وأعظمهم جاهاً وأعلاهم مقاماً بين يديه يوم الدين ، المبعوث بالحنيفية السمحة والذي أثنى عليه ربه بقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أعبد الناس وأخشاهم لربه واتقاهم له ، وأمر الناس بالتمسك بسنته ، وإتباعه على هداه ، ليبرهنوا على حبهم لربهم ، وليحبهم الله ، ويغفر لهم ذنوبهم ، ويؤتيهم من فضله ، فهو صلى الله عليه وسلم أعظم إمام ، وهديه أكمل هدى فالإقتداء به والسير على منهاجه أمنة من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة وضمانة للسعادة في الدارين بطيب المعاش وسعادة الأبد وتلك أمنية البشرية جمعاء ولن تنال إلا بما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين والهدى فإنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بموجبات رضا الله تعالى وأسبابه ، ودواعي مغفرته ورضوانه وثوابه كما أنه أعلم الخلق بما يتحقق به صلاح الدنيا والدين ، وأرحم الخلق بالخلق ، وأنصحهم لهم بما يسعدهم في الدارين ، لا خير إلا دل الأمة عليه ورغبها فيه ، وكان صلى الله عليه وسلم قدوتها في السبق إليه ، ولا شر إلا نبّه الأمة عليه وحذرها منه ، وكان صلوات الله وسلامه عليه أبعدها عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأمته في الدجال قولاً لم يقله نبي لأمته قبله ، وما توفي صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا واستودع عند أصحابه منه خبراً وعلماً ، وما من فتنة أو شخص أو حادث ذي شأن إلا وأخبر صلى الله عليه وسلم أمته عنه ونصحها بشأنه حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه فأحفظهم أعلمهم ولم يتوفى صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، والآثار عنه صلى الله عليه وسلم في التحذير من إتباع اليهود والنصارى والفرس والروم وبيان سوء عواقب ذلك على الأمة وما يترتب عليه من الفتن العظيمة والعقوبات البليغة الآثار عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة وشهيرة .
فباغتباط الأمة المسلمة بهدايتها للإسلام وعملها بالقرآن الذي هو أصح دستور وأشرف كلام وتمسكها بهدي نبيها عليه الصلاة والسلام ، وحذرها من الشرك والبدع ، والأهواء وباطل الشرع ، وإقرارها بالاصطفاء والاجتباء ، وإدراكها لأخطار الضلال والانحراف والجفاء ، تأمن الفتن والخطوب ، وتغـلب الأمم والشعوب وتتقي غضب علام الغيوب في الدنيا والآخرة وتتقي به الضلال والشقاء في العاجلة والآجلة .
وتصبح مهدية ، لسعيها راضية ، وإلى جنة عالية ، وفي أمنة من أن تصلى ناراً حامية .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ,,