المولد والنشأة
هو حسن أحمد عبد الرحمن البنا، ولد في المحمودية، من أعمال
محافظة البحيرة بدلتا النيل، وذلك يوم الأحد 25 شعبان سنة 1324هـ الموافق 14 أكتوبر
سنة 1906م، وهو ينتسب إلى أسرة ريفية متوسطة الحال من صميم الشعب المصري، كانت تعمل
بالزراعة في إحدى قرى الدلتا هي قرية "شمشيرة" [قرب مدينة رشيد الساحلية. ومطلة على
النيل في مواجهة بلدة إدفينا، تابعة لمركز فوة بمحافظة البحيرة].
كان جده عبد
الرحمن فلاحاً ابن فلاح من صغار الملاّك، وقد نشأ الشيخ أحمد - أصغر أبنائه ووالد
حسن البَنّا - نشأةً أبعدته عن العمل بالزراعة؛ تحقيقًا لرغبة والدته، فالتحق بكتاب
القرية حيث حفظ القرآن الكريم وتعلّم أحكام التجويد، ثم درس بعد ذلك علوم الشريعة
في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية، والتحق أثناء دراسته بأكبر محل لإصلاح الساعات
في الإسكندرية حيث أتقن الصنعة، وأصبحت بعد ذلك حرفة له وتجارة، ومن هنا جاءت شهرته
بـ"الساعاتي".
وقد أهّل الشيخ نفسه ليكون من علماء الحديث، فبَرَع فيه، وله
أعمال كثيرة خدم بها السنة النبوية أشهرها كتابه "الفتح الرباني في ترتيب مسند
الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، وفي كنفه نشأ "حسن البَنّا" فتطبع بالكثير من
طباعه، وتعلم على يديه حرفة "إصلاح الساعات" وتجليد الكتب أيضًا.
بداية
الرحلة
بدأ "حسن البَنّا" تعليمه في مكتب تحفيظ القرآن بالمحمودية، وتنقل بين
أكثر من كُتّاب حتى أن أباه أرسله إلى كتّاب في بلدة مجاورة للمحمودية. وكانت المدة
التي قضاها في الكتاتيب وجيزة لم يتم حفظ القرآن خلالها؛ إذ كان دائم التبرم من
نظام "الكُتّاب"، ولم يُطِق أن يستمر فيه، فالتحق بالمدرسة الإعدادية رغم معارضة
والده الذي كان يحرص على أن يحفّظه القرآن، ولم يوافق على التحاقه بالمدرسة إلا بعد
أن تعهّد له "حَسَن" بأن يتم حفظ القرآن في منزله.
وبعد إتمامه المرحلة
الإعدادية التحق بمدرسة "المعلمين الأولية" بدمنهور، وفي سنة 1923 التحق بكلية "دار
العلوم" بالقاهرة، وفي سنة 1927 تخرج فيها، وقد قُدّر له أن يلتحق بها وهي في أكثر
أطوارها تقلبًا وتغيرًا، خاصة في مناهجها الدراسية التي أضيفت إليها آنذاك، دروس في
علم الحياة، ونظم الحكومات، والاقتصاد السياسي، فكان نصيبه أن يتلقى تلك الدروس إلى
جانب الدروس الأخرى في اللغة والأدب والشريعة وفي الجغرافيا والتاريخ.
وكان لديه
مكتبة ضخمة تحتوي على عدة آلاف من الكتب في المجالات المذكورة، إضافة إلى أعداد
أربع عشرة مجلة من المجلات الدورية، التي كانت تصدر في مصر مثل مجلة المقتطف، ومجلة
الفتح، ومجلة المنار وغيرها، ولا تزال مكتبته إلى الآن في حوزة ولده الأستاذ "سيف
الإسلام".
أمضى البَنّا تسعة عشر عامًا مدرسًا بالمدارس الابتدائية؛ في
الإسماعيلية، ثم في القاهرة، وعندما استقال من وظيفته كمدرس في سنة 1946 كان قد نال
الدرجة الخامسة في الكادر الوظيفي الحكومي، وبعد استقالته عمل لمدة قصيرة في جريدة
"الإخوان المسلمون" اليومية، ثم أصدر مجلة "الشهاب" الشهرية ابتداءً من سنة 1947؛
لتكون مصدراً مستقلاً لرزقه، ولكنها أغلقت بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر
1948.
مؤثرات و تأثيرات
تأثر الشيخ حسن البَنّا بعدد كبير من الشيوخ
والأساتذة، منهم والده الشيخ أحمد والشيخ محمد زهران – صاحب مجلة الإسعاد وصاحب
مدرسة الرشاد التي التحق بها حسن البَنّا لفترة وجيزة بالمحمودية – ومنهم أيضاً
الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن "الجواهر"، ورأس تحرير أول جريدة أصدرها
الإخوان المسلمون سنة 1933.
عَمِلَ حسن البَنّا بعد تخرجه في دار العلوم سنة
1927 مدرسًا بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية، وفي السنة التالية 1928
أسس جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه قبل أن يؤسسها كان قد انخرط في عدد من الجمعيات
والجماعات الدينية مثل "جمعية الأخلاق الأدبية"، و"جمعية منع المحرمات" في
المحمودية، و"الطريقة الحصافية" الصوفية في دمنهور، وشارك أيضاً في تأسيس جمعية
الشبان المسلمين سنة 1927، وكان أحد أعضائها.
أما جماعة الإخوان المسلمين التي
أسسها فقد نمت وتطورت وانتشرت في مختلف فئات المجتمع، حتى أصبحت في أواخر
الأربعينيات أقوى قوة اجتماعية سياسية منظمة في مصر، كما أصبح لها فروع في كثير من
البلدان العربية والإسلامية. وكان البَنّا يؤكد دومًا على أن جماعته ليست حزبًا
سياسيًّا، بل هي فكرة تجمع كل المعاني الإصلاحية، وتسعى إلى العودة للإسلام الصحيح
الصافي، واتخاذه منهجًا شاملاً للحياة.
ويقوم منهجه الإصلاحي على "التربية"،
و"التدرج" في إحداث التغيير المنشود، ويتلخص هذا المنهج في تكوين "الفرد المسلم"
و"الأسرة المسلمة"، ثم "المجتمع المسلم"، ثم "الحكومة المسلمة"، فالدولة، فالخلافة
الإسلامية، وأخيرًا يكون الوصول إلى "أستاذية العالم".
قاد البَنّا جماعة
الإخوان المسلمين على مدى عقدين من الزمان [1928-1949]، وخاض بها العديد من المعارك
السياسية مع الأحزاب الأخرى، وخاصة حزب الوفد والحزب السعدي، ولكنه وجّه أغلب نشاط
الجماعة إلى ميدان القضية الوطنية المصرية التي احتدمت بعد الحرب العالمية الثانية،
ونادى في ذلك الحين بخروج مصر من الكتلة الإسترلينية للضغط على بريطانيا حتى تستجيب
للمطالب الوطنية. وفي هذا السياق قام الإخوان بعقد المؤتمرات، وتسيير المظاهرات
للمطالبة بحقوق البلاد، كما قاموا بسلسلة من الاغتيالات السياسية للضباط الإنجليز،
ولجنود الاحتلال، وخاصة في منطقة قناة السويس.
وقد أولى البَنّا اهتمامًا خاصًّا
بقضية فلسطين، واعتبرها "قضية العالم الإسلامي بأسره"، وكان يؤكد دومًا على أن
"الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة، هي لغة الثورة والقوة والدم"، وأدرك
حقيقة التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة الإسلامية، ودعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين
الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947، ووجه نداءً إلى المسلمين كافة - وإلى الإخوان
خاصة - لأداء فريضة الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة،
وقال: "إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من
فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها".
واتخذت الهيئة
التأسيسية للإخوان المسلمين قرارًا في 6 مايو سنة 1948 ينص على إعلان الجهاد المقدس
ضد اليهودية المعتدية، وأرسل البَنّا كتائب المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين في حرب
سنة 1948. وكان ذلك من أسباب إقدام الحكومة المصرية آنذاك على حل جماعة الإخوان في
ديسمبر سنة 1948؛ الأمر الذي أدى إلى وقوع الصدام بين الإخوان وحكومة
النقراشي.
كان للبَنّا آراء سديدة ونظرات ثاقبة في قضية النهضة التي تشغل
المسلمين منذ قرنين من الزمان وما زالوا ينشدونها. فقد ربطها بقضية التحرر من
الاستعمار والتبعية لأوربا من ناحية، وبالتقدم العلمي الذي يجب أن يحققه المسلمون
من ناحية أخرى، وفي ذلك يقول: "لن تنصلح لنا حال، ولن تنفذ لنا خطة إصلاح في الداخل
ما لم نتحرر من قيد التدخل الأجنبي".
ويقول: "لا نهضة للأمة بغير العلم وما ساد
الكفار إلا بالعلم"، وكان يرى أن تبعية المسلمين لأوروبا في عاداتها وتقاليدها تحول
بينهم وبين استقلالهم ونهضتهم، يقول: "أليس من التناقض العجيب أن نرفع عقائرنا
(أصواتنا) بالمطالبة بالخلاص من أوروبا، ونحتج أشد الاحتجاج على أعمالها، ثم نحن من
ناحية أخرى نقدس تقاليدها، ونتعود عاداتها، ونفضل بضائعها؟!
ويرى كذلك أن قضية
المرأة من أهم القضايا الاجتماعية؛ ولذلك فقد اهتم بها منذ بداية تأسيسه لجماعة
الإخوان، فأنشأ لها قسمًا خاصًّا باسم "الأخوات المسلمات". وأكد كثيرًا على أن
الإسلام أعطى للمرأة كافة الحقوق الشخصية والمدنية والسياسية، وفي الوقت نفسه وضع
لها ضوابط تجب مراعاتها عند ممارسة تلك الحقوق.
ولم يَدْعُ البَنّا قط إلى إقامة
نظام حكم ديني ثيوقراطي بالمعنى الذي عرفته أوروبا في عصورها الوسطى، بل دعا إلى
إقامة حكم إسلامي على أساس الشورى والحرية والعدل والمساواة. وقبل قبولاً صريحًا
بصيغة الحكم الدستوري النيابي، واعتبره أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى
الإسلام، ورأى أن تلك الصيغة إذا طبقت كما ينبغي فإنها تضمن تحقيق المبادئ الثلاثة
التي يقوم عليها الحكم الإسلامي، وهي "مسئولية الحاكم"، و"وحدة الأمة"، و"احترام
إرادتها".
مؤلفاتة
ولا تُعرف لحسن البَنّا كتب أو مؤلفات خاصة سوى عدد من
الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة طبعات بعنوان "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا"، وهي
تعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة.
وله
مذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، ولكنها لا تغطّي
كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942، وله خلاف ذلك عدد كبير من المقالات والبحوث
القصيرة، وجميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في
الثلاثينيات والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول
مقالة له بعنوان "الدعوة إلى الله".