خص الله تعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -
بخصائص كثيرة ، فهو سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، ومرسل إلى الناس أجمعين،
قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}... (الأعراف :158).
ومما لا شك
فيه، إن علينا تجاه هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبات كثيرة، يجب
القيام بها وتحقيقها، فلا بد من تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر،
واجتناب ما نهى عنه وزجر وكذلك مما يجب علينا تجاه رسولنا - صلى الله عليه
وسلم - أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ، ونقدمها على محبة النفس
والولد والوالد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- (لا يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه البخاري و مسلم.
ومن
المعلوم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه
وكان مدعياً لمحبته، فالصادق في محبة النبي– صلى الله عليه وسلم– تظهر
علامة ذلك عليه.
وإليك أخي القارئ بيان تلك العلامات الدالة على محبته - صلى الله عليه وسلم
* أول تلك العلامات الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -
والتمسك بسنته ، واتباع أقواله وأفعاله ، وطاعته، واجتناب نواهييه ،
والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا من كتاب الله
ومن سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – فمن الكتاب، قوله سبحانه: {قُلْ إِن
كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}... (آل
عمران:31) وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيرًا}... (الأحزاب:21) ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) صححه النووي في الأربعين
وضعفه آخرون.
* ومنها الإكثار من ذكره ، والتشوق
لرؤيته ، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره وأحب لقائه ، قال ابن القيم رحمه
الله : (كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه ، واستحضار محاسنه
ومعانيه الجالبة لحبه ، تضاعف حبه له ، وتزايد شوقه إليه واستولى على جميع
قلبه)
* ومن علامات محبته – صلى الله عليه وسلم –
الثناء عليه بما هو أهله ، وأبلغ ذلك ما أثنى عليه ربه جل وعلا به، وما
أثنى به هو على نفسه، وأفضل ذلك: الصلاة والسلام عليه ، لأمر الله عزوجل ،
وتوكيده ، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا}... (الأحزاب:56)، ففي هذه الآية أمر بالصلاة عليه، لهذا قال
النبي – صلى الله عليه وسلم – (البخيل من ذُكِرت عنده فلم يُصلِ علي)
رواه الترمذي.
* ومنها التحاكم إلى سنته – صلى الله
عليه وسلم – قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}...
(النساء : 65).
* ومنها محبة من أحب النبي - صلى الله
عليه و سلم - من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من
عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم، والدفاع عنهم، والاهتداء بهديهم والاقتداء
بسنتهم.
* ومن تلك العلامات الذَّبُّ والدفاع عن سنته
– صلى الله عليه وسلم – وذلك بحمايتها من انتحال المبطلين، وتحريف الغالين
وتأويل الجاهلين، ورد شبهات الزنادقة والطاغين وبيان أكاذيبهم.
*
ومنها التأدب عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – فلا يذكر اسمه مجرداً بل
يوصف بالنبوة أو الرسالة ، فيقال : نبي الله، رسول الله، ونحو ذلك ،
والصلاة عليه عند ذكره ، والإكثار من ذلك في المواضع المستحبة .
*
ومنها نشر سنته – صلى الله عليه وسلم – وتبليغها وتعليمها للناس ، فقد قال
– صلى الله عليه وسلم –: (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري و مسلم.
فتأمل
أخي القارئ تلك العلامات ، واحرص على تحقيقها وتعظيمها ، واعلم أن المحبة
ليست ترانيم تغنى ، ولا قصائد تنشد ، ولا كلمات تقال ، ولكنها طاعة لله
ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وعمل واتباع ، وتمسك واقتداء، نسأل الله أن
يعيننا وإخواننا على التزام سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ما حيينا.