بسم الله ربي لا إله إلا هو
لحظاتٌ قاتمة
قد تعترينا لحظات نشعر فيها ببعض الملل، تلك اللحظات كثيرة في حياة بعض الناس، قد تكون ذات سبب معروف وقد يعدم وجود سبب لها.
إن
تلك اللحظات القاتمة، الغير مثمرة، المفتقدة إلى روح النشاط والأمل، لحظات
تستحق أن يُطلق عليها لحظات الضياع في حياة كل إنسان. وما هي إلا لحظات
قاسية إن لم يجيد المرء التخلص منها وجد نفسه - شيئاً فشيئاً- في قاع
البئر، وحينئذ ستشتد به الحاجة إلى يد محبة متعاونة تقدم له العون وتخلّصه
من مأزقه. لقد كان من السهل عليه الخروج من أزمته فور اندلاعها، وعدم
التمادي في الحزن قبل أن يأسره شعور اليأس والفقدان.
والأسباب الجالبة لتلك اللحظات قد تكون مقنعة وقد تكون عكس ذلك.
إنها
قد تكون مقنعة إذا ظهر في حياة الإنسان أي تغير مؤلم ومفاجيء كخبر وفاة
فرد من الأهل أو الأحباب، أو مرض جسدي مستديم يوقفه عن الحراك والتفاعل مع
المحيطين. فالأسقام والوفاة وكل طاريء على المرء مفاجيء وبشكل مؤثر، أمور
لا بد أنها تصدِم للوهلة الأولى، ولكن لا ينبغي أن تصيبنا بالجزع.
ومن
الوجه الآخر للعملة فهناك أسباب أخرى تبتعد عن الواقعية، فالعجيب أن بعض
الناس يقذفون بأنفسهم في متاهات الضياع، وفقدان الثقة، والشعور بصعوبة
الحياة، والتمادي في اليأس والإحباط، دون سببٍ ملموسٍ، فما هي إلا أسباب
واهية غير مقنعة، يخلقها بعض الناس لحالهم. أولئك هم من يجدون أنفسهم فجأة
مكتئبين كارهين للدنيا وقد يصل بعضهم أحياناً إلى حد خطير من التفكير
فيتمني الموت وتتولد لديه الرغبة في الانتحار.
وسواء كانت تلك
الأسباب واقعية ومقدرة حتمية من عند الله أم ضئيلة صغيرة يعظمها الإنسان في
نظر نفسه أو يخلقها لنفسه، ويجرها إليه جراً، فهذه عدة أمور أضعها بين يدي
القاريء الكريم؛ لمقاومة تلك اللحظات. وهي من واقع تجارب شخصية، ومن واقع
مشاهدة الانفعالات والتغيرات الطارئة على بعض المحيطين والمقربين:
(1) الثقة بالله تعالى والاقتناع التام بأن كل ما كان وكل ما سيكون ما هو إلا قضاء وقدر حتمي قد قدره رب العباد لعبده.
وعلى
العبد أن يعدَّ كل ما يصيبه ابتلاء من الله، ويقنع نفسه بأن ربه يحب أن
يستمع لصوته وهو يدعوه. فإذا ما غمر كيانه اليقين التام بذلك وجد نفسه يهرع
إلى ربه ويجثو على ركبتيه فوق سجادته رافعاً كلتا يديه لرب الأرض والسماء
داعياً إياه أن يفرج الكرب ويدفع البلاء، وأن يزيل الهم عن صدره المبتلى
ويقبل الدعاء، فينال بذلك شرف القناعة والرضا وشرف الدعاء الصادق لدرء
البلاء، وهنا سيهنأ براحة البال، وسعادة الحال.
(2) قراءة القرآن
الكريم، والاستماع إليه، والاستمتاع بالاستماع إليه فإن ذلك جالب للرحمة،
يقول الله تعالى: "وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"
سورة: الأعراف، آية: (204).
دعانا إلى الاستماع، ولم يقل: "اسمعوا"؛ حتى يكون إصغاءً وإنصاتاً تاماً في خشوع وتدبر.
(3)
القراءة، وسبيله إلى ذلك أن يبدأ بالبحث والتفتيش عن كتاب يستهويه ويشعر
بالسعادة عند قراءته، ويتذكر تلك النشوة التي اعترته والخيالات التي راودته
حين قرأ هذا الكتاب خاصة فيضمه بين راحتيه ويستعد للغوص في أعماقه مستمداً
منه تلك الروح السعيدة التي خلقها له من قبل. فإن لم يكن هناك قصة أو
كتاباً قد جذبه أحدهما على هذا النحو من قبل فليحرص على اقتناء عدد من
الكتب التي تتوافق مع ميوله، وليحرص على قراءة المقالات النافعة الهادفة.
ينبغي أن يقرأ المرء في هذه اللحظات ما يروق لذائقته وما يشبع نهمه حتى لا
يمل من القراءة سريعاً.
(4) تجنب الجلوس ساعات طويلة أمام التلفاز
لمتابعة الأفلام والمسلسلات؛ حتى لا يهدر وقتُه، ويفاجأ به - عند تذَكُّر
النظر إلى ساعته - وقد انسحب راحلاً تاركاً إياه يأسف لفواته، بعد فوات
الأوان! إن مشاهدة المسلسلات والأفلام قد تمنح المرء لحظات من السعادة،
ولكنها ما تلبث أن تنتهي مع انتهاء آخر لقطة من أي منهما.
(5)
التحدث إلى من يألفه من الناس، ويثق جيداً في حبه وصدق مؤازرته له في
السعادة والضيق. وعليه ألا يتحدث إلى من لا يثق في صدق مودته ومؤازرته، فإن
تحدث إليه فعليه ألا ينتظر رداً يرتاح به صدره المكلوم، فليس بإمكان مثل
هذا الشخص أن يزيح عن صدره الهموم، ولهذا فلا فائدة من التحدث إليه أصلاً.
(6)
الخروج إلى مكان عام مفتوح. وإن كنت من محبي التأمل اذهب إلى البحر وتأمل
الأرض والسماء ونقطة التقائهما، أطلق لبصرك العنان للاستمتاع بهذا المشهد
الجميل الذي أبدعه الخالق "صنع الله الذي أتقن كل شيء" سورة: النمل، آية:
(88).
(7) أحضر قلماً وورقة سجل فيها همّك وما يغُصّك وضع خطتك
للتخلص منه. لا أقصد خطة مطولة بل أقصد نقطة أو نقاطاً قصيرة تستطيع
تنفيذها وترى أنها ستعينك على التخلص مما أنت فيه.
ينبغي على كل
إنسان أن ينتزع نفسه من براثن تلك اللحظات القاتمة البائسة. فهذه الحياة -
وإن طالت - قصيرة، فلم لا نملؤها بلحظات السعادة والنقاء والارتقاء؟ حتى
يغمرنا النجاح فتنتشي الأرواح بالمجد الذي حققته، والذي كان سببه أنها
أرواح مؤمنة طيبة سعيدة، سعادتها بإيمانها وطُهر قلبها وطاعة ربها.
***
هذه
كلماتي المتواضعة، وهذه بعض النقاط التي أضعها هنا راجية من رب العالمين
أن يكون لها عظيم الأثر في نفوس الكثير ممن هم بحاجة إليها. وعلى كل إنسان
أن يبحث عن مكامن السعادة في نفسه ودوافعها، ويتشبث بها.***
بقلم الأستاذة/ دعاء عبد السلام حامد
باحثة ماجستير(بلاغة ونقد)
منقول