[size=29]تأثير الرضاع في الطباع[/size]
[font=Traditional Arabic][b][size=25]
إن الأسرار الطبية والعلمية للرضاعة الطبيعية كثيرة جدًا لا نستطيع حصرها
في هذا المختصر، ولكن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى أمر غريب يحدث للطفل
الذي يرضع من ثدي أمه وهو أن الأم مع رضاعها لطفلها تعطيه حنانها وتمده
بعطفها، وتوليه شفقتها، وتؤثر فيه برحمتها فيشب الطفل حليمًا لا يغضب
بسرعة، ولذلك تجد الطفل الذي يرضع بالوسائل الصناعية سريع النرفذة، كثير
الضجر، ملول، لأنه لم يرضع الحنان والعطف والشفقة من أمه وقد قال الحكماء
في ذلك: إن الرضاع يغير الطباع، ومن أعجب ما روي في ذلك أن الإمام الحسن
البصرى وهو إمام التابعين في الزهد والورع والفقه إنما يرجع السبب في ذلك
إلى مصَّةِ لبنٍ مصَّها من ثدي السيدة أم سلمة رضى الله عنها زوجة النبي!!
وتفصيل ذلك أن أمَّه كانت تخدمها، وكانت السيدة أم سلمة ترسلها في قضاء
مصالحها وترقب طفلها حتى تحضر، فكان أحيانًا يبكي فكانت تعلله بوضعها
لثديها في فمه؛ وإن كان ليس به لبن، لأنها كانت قد تجاوزت الثمانين. وشاءت
إرادة الله عز وجل أن تحدث المعجزة!! ففي أحدى هذه المرات إذا بالثديي
يمتلئ باللبن ويرضع منه الطفل حتى يشبع!! وقد أرجع العلماء سر علو شأنه في
العلم والفقه والورع والزهد إلى هذه الرضعة.
وقد حدث أيضًا في عصرنا أن أسلم رجل نصراني على يد رجل من الصالحين فسماه
صهيبًا الرومي، ولأنه كان يجيد قيادة السيارات فقد جعله سائقه الخاص، وذات
يوم قال له: (يا بُني زُرْ أُمَّكَ التي أرضعتْكَ لبنَ الإسلام). فتعجب من
هذا الكلام، وذهب إلى أمه بالإسماعيليه وكانت قد هداها الله للإسلام وسألها
عمن تكون المرأة التي أرضعته غيرها، فأخبرته أنها بعد ولادته مرضت مرضًا
شديدًا وأجرت على أثره عملية جراحية، وقد منعها ذلك من إرضاعه لمدة ستة
أشهر كاملة، فتولى إرضاعه في تلك الفترة جَارَةٌ لهم مسلمة ذكرتها له، فعلم
علم اليقين أن تلك الرضاعة وذلك اللبن هما السبب في هدايته إلى التوحيد،
وإصابته فطرة الله التي فطر الناس عليها.
لهذا كله أمرنا الله عز وجل أن نرضع الطفل من الأم، حتى أنه لو حدث شقاق
بين الزوجين، وانفصلت الأم عن زوجها فإن الشريعة الإسلامية تلزم الأب أن
يسلم الطفل إلى الأم لترضعه من ثديها ويدفع لها الأب تكاليف رضاعها،
ويعطيها أيضًا أجرًا على إرضاعها لطفلها. إلا إذا رفضت الأم ذلك فعلى الأب
أن يحضر للطفل امرأة أخرى ليرضع من ثديها أيضًا ويتحمل تكاليف ذلك، وإلى
ذلك الإشارة بقول الله عز وجل
{ [size=29]وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن
يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ
تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى
الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ
مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن
تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم
مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ
اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [233- البقرة].
وتلك عناية لم يسمع بها الأولون ولا الآخرون نحو الطفل الرضيع وفي ذلك يقول
احد العلماء في كتاب له اسمه ]خواطر إيمانية ص 12