كتب أحمد سراجيبدو
لي أن الجماعة مخلصة – على غير عادتها وأهلها – لمنهجها التاريخي
بمنطلقاتها وآلياتها؛ ويبدو لي أن الطرف المقابل يلعب بنفس الطريقة التي
انتصر بهها على إخوان اليوم أعداء الغد؛ فكأنك تشاهد مباراة شطرنج مكررة
بين لاعبين غير ماهرين ولا مؤهلين، وبما أن محقق النصر في الجولات السابقة
كان العسكر، وبما أن الجماعة هي الطارئة عليه – وكلاهما مؤقت – فليكن
العسكر هم الثابت – مؤقتًا – ولتكن الجماعة هي المتحول – دائمًا – بين عدة
أدوار من أقصى اليمين – بما تعارف عليه أهل الشرع ولا بما استقر لدى علماء
السياسة – إلى الأقصى اليسار – ليس الراديكالي بالطبع -.
في
الخامسة إلا ربع تقريبًا – كنت ضيفًا على أحد البرامج – عصر الثلاثاء خاتم
يناير 2012، اتصل أحد المراسلين ليعرض مجريات الأمور في ميدان التحرير،
وانصب حديثه على توجه بعض الثوار إلى مجلس الشعب لتسليم رسالتهم إليه، وكيف
أن الثوار فوجئوا بجدار بشري من بيادق الجماعة تمنعهم من الوصول ومن خلف
هذا الجدار ثمة جدار من الشرطة وثالث من الجيش ورابع شائك، وعندما طلبت
المذيعة تعليقي قلت: على الجيش أن يضع جداراته في موقعها الصحيح أمام
الكيان الصهيوني، وعلى الشرطة أن تبحث عن سارقي البنوك، وأن يخلوا للثوار
طريقهم، بعد البرنامج سئلت: وماذا عن الجماعة؟ قل: علينا أن ننتظرهم عند
المصب؛ فأخطاؤهم ستأتي بهم.
لدينا أربعة مواقف رئيسة في
تاريخ علاقة الجماعة بالنظام الحاكم – العسكر على التغليب – أولها مع الملك
فاروق ضد إرادة الشعب المتوحدة خلف الوفد (بحضوره الحقيقي وقياداته
الوطنية) الليبرالي ( قبل أن يصبح المصطلح سيئ السمعة)، وثانيها مع
العسكري جمال عبد الناصر (الذي أرهقته صراعات الداخل وسعيه لتحقيق أحلام
أمته وإصرار الخارج على القضاء على مشروعه) ضد انقلابات محتملة وكمائن
قديمة، وثالثها مع السادات ضد صعود الحركات الشبابية التي بلغت ذروتها في
انتفاضة الجوع 1977، وإن ظهرت قوتها في 1972 م، ورابعها مع العسكر ضد ثورة
الخامس والعشرين من يناير.
لقد قدمت الجماعة في أول موقف
دعم غير مسبوق للملك فاروق بلغ حد المطالبة بتنصيبه خليفة للمسلمين، وفي
ثاني موقف كانت المظاهرات الحاشدة المؤيدة للثورة ولعل الباحث عن اسم عبد
القادر عودة يكشتف الكثير، وفي ثالثها فأظن أن توغلهم في الجامعة وفي غيرها
لإزاحة أعداء السادات ما تزال ماثلة آثاره لكل عين، أما الرابعة فيكفي
تشكيلهم جدارًا عازلاً لمنع الثوار من تقديم بعض المطالب لمجلس الشعب،
وإعلانهم في أكثر من موقف أنهم مستعدون لحماية الجيش! ولملء الميدان!
وفي
كل مرة مرة تخطئ الجماعة خطأها القاتل؛ فسرعان ما حاولت أن تفرض سيطرتها
على الدولة لولا تصدي الشهيد محمود فهمي النقراشي وأمثاله لهذه الشرذمة،
فكان ما كان من حل للجماعة واعتقال لتنظيمها العسكري السري! وكان أن قتل
مرشدها شر قتلة؛ إذ ترك ينزف بعد إصابته إصابات غير مميتة حتى مات، وعلى
بعد خطوات كان الملك فاروق يلعب القمار منتظرًا خبر المقتل… حقًّا إن دماء
الضحايا فم.
نفس الأمر تكرر مع حكومة يوليو ثم مع السادات
مع اختلاف في سيناريو النهاية، بين فتح للسجون والمعتقلات في حالة عبد
الناصر، ومثله أيام السادات إلى أن قتل على يد من لهم علاقة بشكل ما – من
الناحية الفكرية إلى حد بعيد وهذا ليس اتهامًا وإنما هو توصيف لحالة فما
الجماعة الإسلامية إلا فرع من تلك الشجرة التي نبتت منها الجماعة، وليتها
انبتت-.
لا أستطيع أن أدعو عقلاء الجماعة إلى التفكير في
مصلحة الشعب، ولا إلى تحقيق مبادئ الثورة، ولا أريد من هذه الجماعة أن تجنب
نفسها الاصطدام بأبناء الوطن، هل لأن هذا الشعب لم يكن في حساباتها يومًا،
أو هل لأنها قد لا ترى أن هناك ثورة أو أن هناك ثورة على مقاسها – فهي شعب
الله المختار – أو هل لأنها طالما أراقت دماء هذا الوطن سواء من أفرادها
أو من غيرها؟ ربما، وربما لأنها تسير إلى حتفها مسيرة نابليونية قبل
واترلو.
الآن ننتظر أن تخطئ الجماعة خطأها – البنيوي – إذ
هو مكون هوية؛ فتحاول ان تستأثر وتهيمن، وفي المقابل يتحين العسكر تلك
اللحظة التي يرتد فيها أحلافه إلى أعدائه وبينهما معامل خوف يُسكِّن
الانفجار ولا يلغيه، وتبقى الأسئلة: أين يكون الخطأ؟ وما السيناريوهات
المتوقعة هذه المرة؟ ومتى ستعود الجماعة إلى خطابها الذي يحاول كسب الشعب
الذي لم تحاول للحظة واحدة أن تكون منه، حتى في شعارها " نحمل الخير لمصر"
فهذا اعتراف بأنها غير مصر؟ وبأنها محض حامل لا يُعلم مصدر حمله، ثم انظر
لقمة الاستعلاء في تعريف "الخير" وكأنه لا خير إلا منهم، ألا إنه كان –
وسيظل – شرًّا مستطيرًا.
الحاصل
أن الجماعة تؤاخي العسكر ضد الشعب طالب الحق، ثم إذا ما شعرت بقوتها أو
شعر العسكر بهذه القوة أو توجس منها حدث ذلك الصدام المروع، وبحثت الجماعة
عن ملاذها الآمن – حضن الشعب- لتتاجر بآلامها وجراحاتها، لكن شيئًا متغيرًا
في معادلة اليوم، فلا الثوار هم الوفد الذي سلمهم الشعب أمره؛ فتستطيع
الجماعة قهر الوفد بالحيلولة بينه وبين شعبه، ولا الشعب مستسلم منتظر لمنقذ
كما الحال في يوليو ولا من قام بالثورة نخبة طليعية كما حدث في 1977،
الأمر جد مختلف؛ هذه ثورة شعب يريد وطنه