لماذا يستمر غضب قوى الثورة وأبنائها وجمهور الألتراس وشبابه؟
لأن المجالس الثلاثة تعاملت بمنتهى البلادة والبرود!
تتشارك المجالس الثلاثة: العسكرى والوزارى والشعب فى أنها تحت ولاية ورئاسة المسنين، دار المسنين التى تحكم مصر مصابة بتصلب فى شرايينها السياسية ولا تستطيع أن تستوعب أو تدرك طبيعة ما يحدث على الأرض، ولا تملك سرعة الاستجابة، هى بطيئة وئيدة معزولة داخل جمجمة قديمة وأربعة جدران لا ترى شارعا واقعيا ولا تسمع أناسا طبيعيين.
مثلا معلومات السيد المشير من السيد الفريق والسادة اللواءات وهم لا يمكن أن يزعلوه كما كان رجال مبارك مع مبارك ولا يمكن أن يواجهوه، ولا يقدرون على مصارحته فضلا عن أنهم كذلك يتلقون معلوماتهم من لواءات آخرين وعمداء وتقارير من تقارير وورق من ورق كلها فاشلة ومكتوبة لإرضاء السادة الكبار الكبراء.
إذن نحن أمام قيادة بحكم السن والمنصب العسكرى والأبهة المحيطة وطبيعة التراتبية العسكرية وطول البقاء فى المقعد والغياب المؤكد للثقافة والممارسة السياسية لا يمكن أن تملك قدرة على أن تكون عند مستوى الحدث وخطورته وأهميته، ولهذا رأينا على مدى عام كامل ترديا سياسيا مذهلا فى سرعة انحداره تحت قيادة المجلس العسكرى، بل إن تلك الصورة الزاهية المتألقة -بكل المبالغة فيها- التى رسمها الشعب للمجلس العسكرى بعد تنحى مبارك تحولت خلال عام إلى لوحة سوداء ملطخة بعدم الثقة وبالشك والريبة والاتهامات بالتقصير والعجز بل والمطالبة بالمحاكمة كذلك، بدأ المجلس العسكرى فى بداية الثورة منقذا من بقاء مبارك فانتهى خلال عام إلى تعليق صورة المشير بجوار مبارك فى ساحة الميدان!
إذا لم يكن هذا دليل فشل المجلس العسكرى ومشيره، يبقى إيه؟!
هو فشل كامل مكمل حتى لو تطاول البعض تنطعا وقال إن هذا بسبب مؤامرة كونية خارجية لوذعية باذنجانية تشترك فيها أمريكا «ولا تسأل نفسك لماذا تريد أمريكا مضايقة الرجل الذى دعمته خلال عشرين عاما بمليارات الدولارات! ونسقت معه كل خططها العسكرية فى المنطقة، وحافظ لها على هدوء الحدود مع إسرائيل لم يطلق فيها ومنها رصاصة واحدة على إسرائيل بل وتلقى رصاصات إسرائيل فاكتفى بالاعتذار.. وتسليح جيشه من مصانعها وقطع غيار سلاحه من مخازنها وتدريب ضباطه فى مدارسها وبعثات لواءاته ومندوبيه إلى بنتاجونها.. فإذا أمريكا لسبب غامض ومبهم إلا لمنافقى المجلس العسكرى أصبحت زعلانة من المشير ومجلسه!».
هذا المجلس أمام مذابح ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء حيث كان رجاله فى كل الصور متورطين بشكل مباشر وفج لم يحاسب أحدا، ثم لم يقدر على احتواء أى أزمة ولا معالجة أى مشكلة ثم فى مذبحة ومؤامرة بورسعيد لم يحرك ساكنا، صحيح حرك طائراته لنقل لاعبى الأهلى والمصابين لكنه لم يحرك قلبا ولا عقلا وبعضهم شرب العصير وهو يتابع الدور الهمام الجبار فى استقبال أبو تريكة وعماد متعب فى المطار، لكن هل أقدم «العسكرى» على أى فعل يخفف من ألم الشباب والشعب؟ هل امتص الغضب المحمود بموقف أو فعل أو قرار؟ إطلاقا هو مبارك الخالق الناطق فى البطء والإنكار والشلل عن أى خيال أو ابتكار والاستخفاف بالذنب الذى ارتكبه والمسؤولية التى يتحملها.
أما مجلس الوزراء فهو أعجز من أن نطالبه بشىء، هو سكرتارية للمجلس العسكرى فضلا عن أن الجنزورى مرهق جدا بتاريخه الذى يحكى عنه كأنه تاريخ أحمد عرابى فى كل خطبة ولقاء ومؤتمر ويرد به على أى كلام له علاقة بالمستقبل، ويمكن أن تعدد كم مرة يذكر الجنزورى كلمة «أنا» فى تصريحاته لتعرف سبب عودته لمقعد رئيس الوزراء فى هذا العمر حيث يحاول رد اعتباره من الإقالة الجارحة له فى عصر مبارك، ونحن ندفع الثمن غاليا لهذا الموقف العاطفى، وفى جلسة مجلس الشعب حين سمع نقدا هائلا له وهجوما جارحا عليه كان فى حالة مثيرة للشفقة فهو من زمن آخر ولا يتحمل مثل هذا النقاش، وكرامته مجروحة بعنف وكبرياؤه مخدوش بقسوة وأدواته محدودة وقديمة، فظن أن إقالة مدير أمن واتحاد كرة وقبول استقالة محافظ قادرة على أن تفعل شيئا، فالرجل لا يزال يتحرك فى دائرة زمن حسنى مبارك تماما كما يفعل رئيسه الحالى المشير طنطاوى!
أما مجلس الشعب فقد تحول أمس الأول إلى مجلس للحزب الوطنى، طغيان للأغلبية مع عرض رائع لحماس وحرارة كلمات الذين يمثلون أدوار المعارضة ثم تحويل الموضوع إلى لجنة، إذا لم يكن هذا أحمد عز وسرور وعزمى والشاذلى فمن يا ترى يكون؟
ما الذى فعله برلمان الإخوان كى يقنع الناس بأنهم جادون فى مواجهة هذه المأساة-المؤامرة، ما هو الإجراء السياسى الذى عبر به الإخوان عن ذكائهم فى احتواء غضب الناس بالتفاعل معهم وبامتصاص ثورة الناس بالاستجابة لها، ولا أى حاجة، وكل المتعاطفين مع الإخوان ومؤيديهم على رأسى من فوق، لكن الجماعة تخاطب المجلس العسكرى لا الشعب، تنظر للمشير طنطاوى والفريق عنان لا للمواطن ولا للثورة، فكل ما فعلته الجماعة ممثلة فى حزبها وبرلمانها أنها وعدت المجلس العسكرى بأن لا تفعل شيئا تغضبه أو يثير قلقه، وكانت عند حسن ظن المشير والفريق بها..
لكل هذا كان طبيعيا أن يستمر الغضب!