[size=29][bنبات الله[/size]
فالإنسان نبات الله يتولى زراعته، ويتعهده برعايته، ويجني ثمرة عمله الله عزوجل وإلى ذلك الإشارة بقوله عزَّ شأنه:
{ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ
السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا }
[45- الكهف].
فالحق ينزل الماء وهو مني الرجل من سماء الرفعة لأن الرجل أرفع قدرًا في حالة الوقاع، ويضعه في أرض المرأة:
{ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا } [17- نوح].
وهو يشبه النبات في هيئته وإن كانت حالته مقلوبه فالرأس بما فيها من حواس
بمثابة الجذر في النبات - حيث به حواس النبات والقوة الغاذية وغيرها -
والجسم كالجذع للنبات، والأذرع والأرجل كالسيقان والأوراق.
ويمر الإنسان بمراحل النبات فيكون صغيرًا ثم شابًا فتيًا غضًا طريًا، ثم
رجلاً قويًا ثم شيخًا، ثم يكون حصاده، من الذي يحصده؟!! الزارع له - وهو
الله عز وجل . فإن كان زرعًا له ثمرة من الصالحات والقربات فهنيئًا له
الجنة، وإن كان زرعًا ليس له ثمر من الطاعات والخيرات فهو حطبٌ - توقد به
جهنم: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [6- التحريم]. ولذلك ورد في
الأثر أن الناس كالشجرة فمن الشجر من له ظل وله ثمر، ومنه من له ظل وليس له
ثمر، ومنه من ليس له ظل ولا ثمر.
- فأما الصنف الأول الذي له ظل وله ثمر:
فمثل العلماء العاملين والأولياء والصالحين، فمن الناس من ينتفع بالجلوس
معهم ولو لم يسمع علمهم لأنهم يوجهون الناس بعلمهم وينهضونهم بحالهم،
ويدعونهم إلى الصراط المستقيم بسلوكهم وهديهم، ومنهم من يُقبل على علومهم
الإلهامية يغترفون منها - وهي ثمرة طاعاتهم، ونتاج إخلاصهم - لقوله صل الله
عليه وسلم:
{ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ }[1]
وأولئك هم المقربون.
- وأما الذي له ظل وليس له ثمر فكأهل اليمين من المؤمنين:
وهم صالحون في أنفسهم، مطيعون لله عز وجل بأعمالهم، ينتفع بهم من يجالسهم -
لتأثره بسلوكهم وأخلاقهم - وإن كانوا لا يوجهون غيرهم بأقوالهم، ولا
يرشدونهم بتوجيهاتهم، فيكفيهم أنهم يعزلون شرَّهم عن غيرهم، ويَسْلَمُ
الخَلْقُ من أيديهم وألسنتهم.
- وأما الذي ليس له ظل ولا ثمر فكالفاسق والفاجر والعياذ بالله:
فلا هو ينفع نفسه - بقوله أو بعمله - ولا ينتفع به غيره، بل إنه يجلب
الضُّرَّ لنفسه بسوء فعله، ويصيب غيره بضُّرِّه. فهو كشجرة الشوك!! كلُّ
مَنْ مرَّ بها آذته، وكذلك هو يؤذي الناس بلسانه - بالسبِّ والشَّتم،
والغِيبة والنميمة وغيرها - ويؤذيهم بيده - بشكاية أو سرقة أو قتل – وهكذا،
فالمؤمن يجب أن يكون كالشجرة الطيبة من يأوي إليه يجد العطف، ويشعر
بالحنان والرقة، ويحس باللطف والأنس، ومن يلمسها يشم منها رائحة القرآن،
وأخلاق النبي العدنان، وأحوال الصالحين والمتقين، فيكون كما قيل في الأثر
الوارد عن الصالحين:
{ عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم }
ومثل هذا هو الذي فهم الحكمة من الأذان والإقامة في أذن المولود.
فالأذان والإقامة يقتضيان الصلاة!! فمتى هذه الصلاة؟ ..
إنها صلاة الجنازة لهذا العبد - لأنها تصلى بدون أذان أو إقامة - فكأن
عُمُرَ العبد - مهما طال - فهو كما بين إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام في
إفتتاح الصلاة!!
[size=29]ما أصدق قول القائل إذاًدَقَّاتُ قَلْبِ المَــرْءِ قَائِـلَةٌ لَـهُ
إِ نَّ الحَيَـاةَ دَقَــــائِقٌ وَثَوَانى
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا
فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَــــانِ عُمْرٌ ثَانِ
وما أجمل قول الرجل الصالح :يا أيها الماء المهين من الذي سواك
ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاك
يا نطفة بقـرارها قد صـورت
من ذا الذي بحنانه أنشـاك
ومن الذي شق العيون فأبصرت
ومن الذي بظهـوره أعلاك
ومن الذي غذاك من نعمــائه
ومن الكروب جميعها أنجاك
ومن الذي تعصى ويغفر دائمًا
ومن الذي تنسى ولا ينساك
ومن الذي بألست أسمعك النداّ
ومن الذي بوصـاله ناداك
ومن الذي يدنو إليك بفضـله
وإذا سـألت جنابه أعطـاك
ومن الذي عند الشدائد تقصدن
ومن الذي إن تسـألن لباك
ومن المجيب ذا سـألت جنابه
وإذا طلبت وداده أعطـاك
ومن الذي منح الجميل بفضله
ومن الذي بتلطف أحيــاك
ومن الذي كشــف الحجاب توددا
حتى رأت أنـــواره عيناك
ومن الذي ملأ الفــؤاد بحبِّه
وبسره عند الصـفا ناجـاك
ومن الذي أولاك نـور جماله
وبذكره وشهـوده صــافك
فكر تراه ظاهـرًا بجمـــاله
متـنزلاً وهـو الـذي والاك
بِكَ قَدْ سَمِعْتُ لَكَ اعْتَرَفْتُ فَنَظْرَةٌ
أُعْطَى بِهَا يَا سَــيِّدِى جَدْوَاكَ
والوجه أشـرق حولنا بجمـاله
وعيوننا قد تشـهد الأمـلاكّ
سلم على المحبوب نـور قلوبنا
طه الذي بجمـــاله حلاَّك
والشاعر الحكيم قال:وفي قبض كف الطفل عند ولادة
دليل على الحرص المركب في الحي
وفي بسطها عند الممات إشـارة
ألا فانظروا أني خرجت بلا شـئ
[/size][/b]