حقوق المرأة هي حقوق الشعب كله، لذلك فصيانة حقوق المرأة من واجب كل مواطن عراقي، وهذا الواجب يتعزز من خلال توعية الرأي العام بمشاركة المواطنين والمنظمات الشعبية في هذه التوعية. حين نفكر بمأساة المرأة في العراق نجد أن آلاف النساء العراقيات فقدن حقوقهن الإنسانية الأساسية لا لشيء سوى أنهن نساء، وتعرضن للاغتصاب أو الخطف أوالتعذيب أوالضرب في الظروف القاسية التي مر بها الوطن، والجُناة أحيانا في مأمن من أي عقاب. وقد أصبحت المرأة أحيانا كالسلعة في أعمال الدعارة دون أن يتعرض المتَّجرين بهن للحساب. هذا إضافة إلى التمييز الفاحش بين الرجل والمرأة في الإعالة والتعليم والعمل والأجور والمشاركة السياسية والزواج برجال لا يرغبن في الزواج بهم أو ممارسة الجنس معهن دون إرادتهن.
يقول المثل العربي "المرأة نصف المجتمع"، لكن الحياة المعاصرة برهنت أن المرأة هي النصف الأفضل من المجتمع. وبدون المرأة لا تسير عجلة التاريخ إلى أمام باعتبار أن المرأة هي التي تربى الرجال العظام تربية تأهلهم للدور العظيم الذي يقومون به في التاريخ.
أستغرب كيف يقبل الرجل العاقل أن يطلب من المرأة أن تقوم بواجباتها في المجتمع وهو يُحرمها من حقوقها الإنسانية؟ كيف تؤدي المرأة واجباتِها كاملة والقوانين غير العادلة تَعتبرها مخلوقة لها حقوق أقل بكثير من الرجل؟ وكيف تكون عضوة كاملة النمو في المجتمع وهي لا تساهم في المؤسسات الديمقراطية الرسمية طبقا لمسؤوليتها السياسية والاجتماعية؟ بل الأهم من كل ذلك، كيف تستطيع المرأة أن تربي رجالا يضطهدونها ويسلبوا منها حقوقها؟ أما يخجل رجل أن يضرب المرأة في النهار ويحبها في الليل لمجرد أنها ترفض أن تكون سلعة؟ كيف يمكن بناء الدولة المدنية الديمقراطية الدستورية بدون حرية لجميع المواطنين بغض النظر عن الجنس؟ المجتمع مطالب بضرورة حماية حقوة المرأة قانونيا بدون تمييز وعدم انتزاع سلطتها القانونية في إختيار شريكة حياتها ومشاركتها في الحياة العامة ولاسيما في السلطة والإعالة والتربية والتعليم وحقوق الزواج والطلاق.
المرأة أعظم من أن تكون وسيلة جنسية مثل زواج المسيار وزواج المتعة وجعلها سلعة تباع وتُشترى بيد الرجال لإشباع رغبات الرجال في مجتمع الرجال. وقد رفض بعض العلماء ومنهم العلامة (موسى الموسوي) وهو أحد علماء التشيع زواج المتعة مثلا باعتباره يجعل من المرأة سلعة تباع في الأسواق ألف مرة تحت واجهات معينة لإشباع رغبات الرجال.
يقول السيد الموسوي: "كيف تستطيع أمة تحترم شرف الأمهات اللواتي جعل الله الجنة تحت أقدامهن وهي تبيح المتعة أو تعمل بها".(د. موسى الموسوي، الصراع بين الشيعة والتشيع، ص107). ويضيف قائلا: "إن النظرية الفقهية القائلة بأن المتعة حُرمت بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب يفندها عمل الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أقر التحريم في مدة خلافته ولا يأمر بالجواز ... فإذن اقرار الأمام علي عليه السلام على التحريم يعني أنها كانت محرمة منذ عهد الرسول (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) ولولا ذلك لكان يعارضها ويبين حكم الله فيها وعمل الأمام حجة على الشيعة ولست أدري كيف يستطيع فقهاؤنا أن يضربوا بها عرض الحائط". (الموسوي، المصدر أعلاه ص 109).
الطفولة المعذبة لا تستطيع أن تُكَونَ جيلا مبدعا لبناء مستقبل الأمة
حين درست كتاب التربوي الانكليزي (نيل) وهو يعالج أطفالا يقذفون البول على السرير وقد تجاوزوا سن العاشرة. اقتنعتُ أن النتيجة التي توصل إليها مفادها أن معاملة الأبوين مع أطفالهما كانت صارمة وقاسية ودكتاتورية. فما بالك بالطفولة العراقية المشردة الضائعة التي تربت بين المقابر الجماعية والقنابل والطائرات الحربية. أطفال فقدوا أبويهم وفقدوا لعَبهم، بل لا يعرفوا لذة اللعب بالألعاب مع الأطفال الآخرين.
تقول الحكمة: "الطفولة المشردة هي الأمة المجردة من كل دِرعٍ يقيها غوائل الطامعين".
يجب أن لا يصبح الانتماء العرقي والديني والقومي والثقافي والآيديولوجي للأطفال والمربين عقبة أمام تمتع الأطفال بحقوقهم الأساسية في التمتع بحياة سعيدة وآمنة في العراق إذا أردنا أن نبني دولة مدنية ديمقراطية ليبرالية دستورية. فالحكومة مطالبة بتخصيص إعاناتٍ محددة لكل طفل عراقي على غرار الدول الديمقراطية الليبرالية. وحق المواطنة عمود فقري للدولة المدنية وهذا الحق يشمل الأطفال أيضا باعتبارهم جيل المستقبل والبناء، وعليه يجب اعتبار الاستغلال الجنسي للأطفال جريمة جنائية كبرى، كما يجب منع حبس الأطفال أو تعذيبهم أو استعبادهم أو استخدامهم لأعمال السخرة أو إعدامهم، لأن حماية الأطفال من مسؤولية المجتمع كله.
الثقافة والمثاقفة
الثقافة "ظاهرة إنسانية واجتماعية متعددة الأبعاد، ومستوى محدد تاريخيا في تطور الإنسان والمجتمع، وطريقة في التصور والسلوك، وطابع للنشاط والحياة روحيا وماديا، ووعاء للقيم المادية والروحية". (علي شلش: طه حسين مطلوب حيا او ميتا، الدار العربية للطباعة والنشر، القاهرة 1993، ص82).
وعرَّف الأنثروبولوجي البريطاني إدوارد تيلور (الثقافة) بقوله: "إذا أخذنا الثقافة أو الحضارة بمعناها الأنثروغرافي (العرق) الواسع، فهي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات والفن، والأخلاق، والقانون، والأعراف، والقدرات، والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع".
International Encyclopedia of the social Sciences. Vol.1, Macmillan Co and the Free Press, N.Y., 1972, p.527.
أما المثاقفة فكانت في البداية تعني الأخذ والاقتباس من الحضارة المتفوقة وثمارها الثقافية، ابتداء من طرق التعليم الحديثة إلى أشكال التعبير الأدبي الجديدة علينا، مثل الرواية والمسرحية والمقالة. وانحصرت وسيلة المثاقفة في الإتصال المتين بالحضارة الأوربية في جميع مجالات الحياة. واستثنى بعد ذلك الفن والأدب والحياة الاجتماعية من النقل والاقتباس المطلق، لكنه أضاف إليها لاحقا البعد التربوي أو التعليمي، والبعد الأدبي. (علي شلش: المصدر أعلاه، ص91-93)
المثقف العراقي والبؤس الاجتماعي
المثقف "هو الذي لايقف بعلمه واطلاعه عند حد محدود". (الهلال: مايو 1934، 769-770 ). والمثقف "هو الذي ذاق المعرفة، وأحبها، وتأثر بها، وتهيأ لها، فأصبح إنسانا بأوسع معاني الكلمة، إنسانا لايحس الغربة في أي وطن من أوطان الناس أو بيئة من بيئاتهم، ولا يجد القلق حتى يسمع الناس يتحدثون في أي ضرب من ضروب الحديث ... والرجل المثقف آخر الأمر هو الذي أخذ من العلوم والفنون بأطراف تتيح له أن يحكم على الأشياء فهما صحيحا مقاربا. والتعليم هو سبيل هذه الثقافة". (المجلة: يوليو 1957، ص4)
هناك عدد كبير من المثقفين العراقيين في العراق وفي الشتات تعرضوا لكثير من البؤس والشقاء. وهدرت طاقاتهم بسبب الخوف والتنكيل وفقدان الحرية. وهؤلاء يجب أن يساهموا مساهمة فعالة في بناء مؤسسات الدولة المدنية لأنهم قادة الفكر والرأي. فكل مثقف عراقي يعي مسؤوليته تجاه المجتمع يجب أن يكون حرا وعضوا فعالا كامل النمو في المجتمع المدني المبني على مؤسسات ديمقراطية دستورية مستقلة. ولاتوجد حدود عشائرية أو مذهبية بين النخبة التي تنبغي أن تقبل الرأي الآخر. وكل فكر يرفض الآخر هو ضد الإنسانية قطعا. فأغلب المثقفين الذين تركوا العراق كان بسبب الخوف من الملاحقة والسجن والموت، وبسبب عدم قدرتهم التعبير عن آرائهم وبلورة أفكارهم في خدمة المجتمع. ولذلك يجب أن تتخذ الإجراءات الضرورية لحماية المثقين من البؤس، وتُسن قوانين لحمايتهم من الملاحقة والإكراه. فهم أداة توحيد الوطن والتعايش السلمي المشترك الذي يتجاوز الطائفة والدين والعرق للانفتاح على الثقافة الديمقراطية والسلمية. فالمثقف والأديب والكاتب والأكاديمي والعالم والباحث والفنان والشاعر لم يقطعوا علاقاتِهم بالمجتمع، بل كانوا على إتصال دائم بوطنهم وشعبهم، بأفكارهم وإنتاجاتهم في الداخل وفي الغربة. وكلهم يحلمون بالعودة، ويحلمون أن يأخذوا أماكنهم في المجتمع. إذن يجب توفير المستلزمات الضرورية في مساهمة المثقفين العراقيين في تطوير وعي الناس بالحرية والديمقراطية وتعميق المشاعر الوطنية ووحدة الوطن. وعليه يجب الإحساس بالإنتماء إلى الشعب، وتقَبُل هذا الفسيفساء العراقي بكل أطيافه وتوجهاته، من خلال إعطاء دور لقادة الفكر في التوعية الوطنية بعيدا عن التبريرات الطائفية والحزبية والعرقية على أساس تمتع الجميع بحقوقهم على قدم المساواة وبعدالة من أجل تقوية الهوية الوطنية الديمقراطية العراقية الموحدة.
برمجة التعليم وضرورة دمقرطتها
عراقنا الديمقراطي الموحد يجب أن يكون بعيدا عن التقسيم والتجزءة. وهذا العراق الديمقراطي الموحد مطالب اليوم بالاهتمام بالتربية والتعليم على أسس تربوية معاصرة، وضرورة تغيير مناهج التعليم الكلاسيكي بشكل تنبذ عبادة الشخصية ولا سيما عبادة السلطان. وينبغي، لا بل يجب تربية التلاميذ على ممارسة الديمقراطية والحياة الديمقراطية، وعدم برمجة التعليم الرسمي برمجة سياسية أو دينية موجهة توجيها وحيد الجانب، لأنه من الخطأ الكبير أن يرسم الفرد سياسته أو عقيدته من منطلق فكري وحيد الجانب وذلك بسبب الخوف من ممارسة الثقافات الأخرى. وقد يتطلب التعليم تدريب بعض القياديين بمزايا الديمقراطية وضرورة ممارستها ممارسة عقلانية. كما يجب تربية التلاميذ على ممارسة النقد العقلاني لأن النقد هو "الكشف عن الثغرات" كما أنه "وسيلة للتغيير وكشف النواقص. وأن النقد العقلاني شجاعة وجرأة وهدم لجدار التملق والولاء الأعمى للعقلية الحاكمة" كما قال المفكر العربي (عابد الجابري). فالسياسة في العراق أصبحت غامضة إلى درجة أنها لعبة بيد القلة الحاكمة أو النخبة الفاعلة لجعل الإنسان العراقي يخدم سياسة السلطان والمذهب والطائفة إلى درجة يفقد المواطن القدرة على التحليل أو النقد، فيرفض كل ما لا يتلاءم مع التعليم الوحيد الجانب الذي تعَلَّمه من السيد. لذلك يكون بعيدا كل البعد عن نقد عقلية السلطة حتى وإن مارست السلطة سياسة الاستبداد.