قبل عام من يوم الخميس كان المصريون ينتظرون في خوف وجزع في أركان الشوارع حتى يتجمع عدد من المحتجين قبل ان يتحلوا بالشجاعة اللازمة لترديد هتافات ضد الرئيس السابق حسني مبارك.
كانوا يتوقعون الاصابة أو الاعتقال كما كان كثيرون يتسللون من منازلهم دون ابلاغ ابائهم.
وبعد 12 شهرا من الاطاحة بمبارك خلال الانتفاضة التي استمرت 18 يوما عاد الشبان الى الشوارع. وهذه المرة سد عشرات الالاف الطرق والميادين.. وحضر معهم أيضا اباؤهم وأبناؤهم الصغار.
ورغم أن الشبان هم من أشعل وقود الثورة قبل عام فانهم راقبوا الاسلاميين وهم يحصدون المكاسب السياسية لكن المصريين الذين تجمعوا لاحياء الذكرى الاولى للانتفاضة يوم 25 يناير كانون الثاني الماضي قالوا ان المكسب الحقيقي هو الشجاعة المكتسبة في التعبير عن ارائهم صراحة.
كان الخوف هو الذي يجعلهم يحجمون عن الخروج للشوارع طوال عشرات السنين من القمع.. لكنه الان لا وجود له بعد كسر حاجز الخوف.
هتف متظاهرون يوم الاربعاء في ميدان التحرير مركز الانتفاضة الشعبية قائلين "علي وعلي وعلي الصوت.. اللي بيهتف مش حايموت وعلي وعلي وعلي الصوت.. حرية.. حرية."
وهتف اخرون "مطالبنا هي هي" رغم الاختلافات بين الناس بينما نعم المتظاهرون بشمس الشتاء الدافئة بعد موجة باردة وأخذ أناس لا يعرفون بعضهم بعضا يتناقشون حول مستقبل مصر ودستورها ودور المجلس العسكري الذي تولى السلطة من مبارك.
وقبل عام كان الكثير من المتظاهرين عازفين عن ذكر أسمائهم للصحفيين الذين يجرون معهم حوارات في ميدان التحرير خشية تعقبهم واعتقال جهاز أمن الدولة لهم. لكن الكثيرين قدموا يوم الاربعاء أسماءهم الكاملة ووظائفهم من تلقاء أنفسهم بل ان البعض أظهر بطاقته الشخصية.
وقال أحمد معوض (38 عاما) "مشيت في تلك الشوارع ذاتها العام الماضي وكنت أعتقد أني سأدفن بحلول الليل."
وأضاف "الشعب لم يعد كما كان وعلى المجلس العسكري أن يفهم هذا. في العام الماضي كنا قطيعا من الخرفان واعتقدوا أن بامكانهم تسليمه من الاب الى الابن لكننا اليوم أحرار" وذلك في اشارة الى اعتقاد كان سائدا بأن مبارك (83 عاما) سيسلم الرئاسة الى ابنه جمال.
وقاطع أحمد رمضان (43 عاما) معوض قائلا "قبل 25 يناير العام الماضي لم نكن نجرؤ حتى على الوقوف في دائرة والحديث مع بعضنا البعض. لم أكن لانظر لصحفي.. فما بالك بالتحدث اليه."
ونظم نشطاء على الانترنت احتجاجات العام الماضي مما مثل مفاجأة لغالبية المصريين في بادئ الامر. وبوحي من الانتفاضة في تونس التي أطاحت برئيسها قبل أيام معدودة من ذلك الوقت انضم المزيد والمزيد من المحتجين الشبان للاحتجاجات حتى انطلق مئات الالاف الى الشوارع.
ومع محاكمة مبارك واختيار مجلس شعب جديد أغلب أعضائه من خصومه الاسلاميين عبر الكثير من الشبان الذين لجأوا الى الانترنت في العام الماضي لاطلاق الانتفاضة عن استيائهم من المجلس العسكري لخشيتهم من أن يتلكأ في تسليم السلطة الى المدنيين.
وتدفق المصريون كبارا وصغارا الى الشوارع يوم الاربعاء ملوحين بالاعلام رغبة منهم في تحقيق مطالب الانتفاضة التي لم تتحقق بعد. وقال كثيرون انهم توجهوا للعاصمة للمشاركة في هذه التجمعات.
وقال حامد علي (27 عاما) الذي استقل حافلة للوصول من قريته في الدلتا الى القاهرة "ما زالت مطالبنا لم تتحقق. لا أريد تنحي المجلس العسكري لكني أريد أن أقول ان الثورة حية."
وحمل متظاهرون لافتات عليها أسماء قراهم ومدنهم بينما أخذ اخرون يعددون مطالب يعتقدون أنها لم تنفذ بعد.
وقالت نرمين حسني "في مثل هذا اليوم من العام الماضي لم احتج لكني أمضيت كل يوم بعده في الميدان. أنا هنا اليوم لاني أريد أن أبعث رسالة واضحة.. هي.. أيا كان الذي سيحدث في المستقبل.. فلن أتخلى عن الثورة."
وأضافت نرمين البالغة من العمر 32 عاما وتعمل صيدلانية "لا يمكن للثورة أن تموت. سأعود الى الميدان كلما تعين علي ذلك. لست خائفة ولن أكون ابدا كما كنت في الماضي."
صحيح ان التغلب على التضخم والبطالة اللذين دفعا الالاف الى الانطلاق للشوارع العام الماضي سيستغرق سنوات الا أن المصريين يشعرون الان أن بامكانهم اجبار حكامهم على الاستماع الى شكاواهم.
وقال محمد حامد (19 عاما) الذي لم يكمل تعليمه للبحث عن عمل "طوابير الخبز ما زالت طويلة كما كان الحال قبل الثورة. الظلم كما هو. الفقر لم يتغير."
وأضاف حامد الذي كان يمسك عكازين لاصابته بكسر في ساقه اليمنى "أنا مستاء. أين الحقوق التي طالبنا بها العام الماضي.. الشئ الوحيد الذي تغير هو أني سأظل ثائرا حتى تتحقق."