على الرغم من اختلافهم حول نسبة نجاح الثورة ببلدهم، فمنهم من يقول إنها نجحت بنسبة ثلاثين في المائة، ومنهم من يقول إنها نجحت بنسبة مائة في المائة، ومنهم من يقول إنها لم تنجح على الإطلاق؛ ويجمع مصريون يعيشون في ألمانيا على أن الثورة المصرية كانت على كل حال مفاجأة لهم، إذ إنهم لم يتوقعوا أن ينتفض الشعب المصري بهذا الشكل على نظام قمعي أذاقه المر طوال ثلاثين عاما.
عبدالفتاح سائق تاكسي يعيش في ألمانيا منذ ما يزيد على أربعين عاما، لكن هذه الأعوام الطويلة لم تغير من ارتباطه الشديد بوطنه الأم، وفي لقائه مع دويتشه فيله قال عبد الفتاح إنه لم يخطر على باله أبدا أن حسني مبارك سيستقيل يوما ما من منصبه أو سيتم خلعه.
ما كان لعبدالفتاح أن يتوقع أو يصدق أن تتحول المظاهرات التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير إلى ثورة خصوصا وأن مبارك كان "مدعوما من العسكر داخليا ومن الخارج أيضا." أما ما حدث فيشرحه بأنه "كان معجزة وقف فيها الله إلى جانب الشعب المصري لخلع هذا الكابوس الذي جثم على أنفاس المصريين لمدة ثلاثين عاما."
" مبارك في القفص يذكرني بمسرحية لتوفيق الحكيم"
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: الرئيس السابق مبارك مستلقيا على ظهره أثناء محاكمتهويرحب مهاب التاجر الشاب الذي يعيش في ألمانيا منذ مايزيد على عشرة أعوام بالمحاكمات التي تجري حاليا لمبارك ولرموز عهده، لكنه يرى أنها تسير ببطء كبير رغم أنه "كان من المفروض أن تجرى المحاكمات فور خلع مبارك، فالأمر واضح كالشمس." ويتساءل مهاب "هؤلاء الأشخاص ظلموا وارتكبوا جرائم والأدلة موجودة.فلماذا المماطلة؟"
"دخول مبارك إلى المحكمة وهو راقد على ظهره يذكرني بمسرحية توفيق الحكيم "مصير صرصار"، هكذا تحدث مع دويتشه فيله سليم المثقف الذي يعرف جيدا تاريخ بلده، رغم السنوات الكثيرة التي قضاها في ألمانيا. ففي مسرحية الحكيم يحدث أن ينقلب صرصار على ظهره ولم يستطع العودة للوقوف على قوائمه ويلاحظ سليم: "لو كان مبارك حقا على قدر من المسئولية لكان سيقف ويدافع عن نفسه، لكن الشيء المخزي أن الرجل الذي حكمنا ثلاثين عاما يدخل علينا في قاعة المحكمة مقلوبا على ظهره."
قبطية لا تمانع من تجربة الإخوان في قيادة مصر
بعد تنحي مبارك وقعت هجمات على كنائس وقتل أقباط مسيحيون، كما قتل مسلمون أيضا في مواجهات مع مسيحيين. ونقلت وسائل الإعلام في كل أنحاء الدنيا، ومنها ألمانيا، مشاهد حرق الكنائس. وأمام مبنى التلفزيون المصري دهست عربات مدرعة تابعة للجيش المصري عشرات الأقباط ومات تحتها 17 قبطيا فيما عرف بـ"مذبحة ماسبيرو" في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2011. كما قيل إن أقباط مصر هم أكبر خاسر في الثورة، غير أن هذه المشاهد لم تدخل الخوف الى قلب مارينا التي تعيش في ألمانيا منذ عشر سنوات. وقالت في حديثها مع دويتشه فيله "أنا أعرف أن كل هذه الأشياء يقف وارءها من يريد التفرقة بين المصريين بكل أطيافهم."
أما سليم فيعتبر أنه ليس من حق أحد أن يزايد على حب الأقباط لوطنهم ، ويتهم دور الدولة في التعامل مع الفتنة الطائفية" ويؤكد سليم على وجهة نظره بالقول "لم يتم حتى الآن محاسبة الجناة الذين قاموا بحرق الكنائس واقتصرت مهمة الدولة في إرسال بعض الشيوخ والدعاة ليقوموا بمهمات الوعظ."
وتدعو مارينا أبناء وطنها مسييحين ومسلمين وغيرهم إلى العمل لبناء الدولة التي تضمن لهم العدالة والمساواة وتضيف "حينما تكون هناك دولة قانون في مصر فلن يكون هناك خوف على أحد من أحد.“ وبالرغم في عدم التصويت على الإخوان في الانتخابات فإنها لا تمانع في أن يقوموا بتجربة قيادة البلد لأنهم " جاءوا عن طريق انتخابات نزيهة."
Bildunterschrift: اندلاع النيران في سيارات مدنية إثناء مظاهرات قتل فيها عشرات الأقباط أمام مبنى ماسبيرو في 9 أكتوبر 2011
فوز الإسلاميين في الإنتخابات لا يعني انفرادهم بالسلطة
"الانتخابات النزيهة" جاءت ببرلمان تصل نسبة الإسلاميين فيه إلى 65 % من مجموع أعضائه، مما يعني هيمنة هذا التيار بجناحيه الكبيرين الإخوان والسلفيين على البرلمان. وكان عدد كبير من المصريين مسيحيين وغير مسيحيين يأملون في نتيجة أخرى مثل جماعة 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية. كما إنهاا ترى أنه يجب ألا يسيطر تيار معين على مسار الحياة السياسية في مصر.
لكن عادل المقيم في ألمانيا منذ ما يقارب العشرين عاما يرى أن الشعب المصري أذكى من أن يسيطر عليه تيار واحد، وقال في حديثه مع دويتشه فيله "الإخوان وغيرهم من التيارات الإسلامية ما هم جزء من نسيج المجتمع المصري وهذا الجزء لن يستطيع الانفراد بكل شيء لأن الشعب المصري واع و حريص بكل طوائفه على إنجاح ثورته." ويضيف عادل إن أهم ما تحقق في هذه الثورة هو الروح والعزيمة اللتان استيقظتا في قلوب الشعب.
هل الإعلام المصري مع الثورة أو ضدها ؟
لازال الإعلام المصري يمثل لغزا في كثير من المواقف بشأن الثورة. فمن واجبه العمل على توعية الشعب الذي ما زالت الأمية تنتشر بين صفوفه، وألا يكون سببا في تخبطه وحيرته، كما يشتكي البعض. وأغلب القنوات والصحف المصرية تنالها سهام الاتهام بالوقوف ضد الثورة. ويقول عبدالفتاح إنه لابد أن يتم توعية المصريين بالداخل وإخبارهم بما يحدث "لأني أعتقد أن الكثيرين منهم لا يعلمون عن الثورة حتى الآن وهذا هو دور الإعلام." أما إسماعيل المقيم في ألمانيا منذ ما يزيد على ثلاثين عاما فيعلن عن استيائه من الأداء الإعلامي ويقول:"عندما تقرأ ما يكتب في الصحف المصرية يصعب عليك أن تفهم إذا كان من يكتب تابعا للنظام السابق أم مدافعا عن الثورة! وهل يحب مصر أم يكرهها!
Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: انتظر المصريون الثورة طويلا وهم مستعدون لأكبر التضحيات من أجلها
ويرى إسماعيل أنه أصبح من الصعب التمييز، فالإعلام المصري، في نظره، متخبط بشكل غير معقول ويتناول موضوعات كثيرة ولكنه لا يتناولها بالتدقيق ويضيف "الإعلام حاليا لا يعمل لمصلحة مصر فهو يساعد في تعميق الخلافات بين التيارات المختلفة في المجتمع، في حين لا يركز على المشاكل المهمة مثل الاقتصاد المنهار أو احتياج مصر للمساعدات."
الثورة وتحديات المرحلة المقبلة
تواجه الثورة المصرية تحديات كثيرة وعلى رأسها الاقتصاد والأمن. فالاقتصاد المصري يزداد تراجعا منذ وقوع الثورة، بسبب الوضع الأمني غير المستقر. لكن هناك تحديات أخرى يتحدث عنها سليم وعلى رأسها المعاهدات والالتزامات التي وقعها النظام السابق " دون عرضها على مجلس الشعب مثل اتفاقية تصديرالغاز لإسرائيل، وخصخصة القطاع العام الذي بيع بأزهد الأسعار وأضاع على مصر الكثير من الأموال." وينظر سليم إلى كل هذه الاتفاقيات والمعاهدات باعتبارها "كانت تصب في مصلحة النظام السابق وكان هدفها الحصول على رشاوى وعمولات بطرق غير قانونية وعلى حساب مصلحة الشعب."
ويعتبر اسماعيل أن من خدم النظام السابق غير صالح لخدمة مصر في المرحلة القادمة، لأن "هؤلاء شاركوا أو سكتوا على الفساد لمدة ثلاثين عاما." كما يوجه اسماعيل بعض اللوم للشعب المصري لسكوته على تدهورالاقتصاد ويدعو أبناء شعبه إلى الكد والكدح، والعمل بجد. ويقول: "بسبب إقامتي الطويلة في ألمانيا لم أعد أفهم الشعب المصري، وحتى حين أزور مصر مع أسرتي في الأجازات نشعر أننا لم نعد نفهم الشعب المصري وماذا يريد بالضبط؟" لكن اسماعيل يلتمس في النهاية العذرمن الشعب المصري لأنه "لم يختبر الديموقراطية من قبل أما نحن فقد ساعدتنا إقامتنا في ألمانيا على فهم معنى الديموقراطية."
ويشبه سليم مصر الآن بخيمة سقطت جميع أعمدتها ولم يبق سوى عمود واحد في المنتصف "هذا العامود هو الجيش، فلابد من الحفاظ عليه ثم نبدأ بعدها في إقامة هذه الأعمدة من جديد." أما عبدالفتاح فيعتقد أن الثورة حققت نحو 30% من أهدافها حتى الآن، ويدعو إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية من الأسفل حتى قمة الهرم وتطهيرها وتكليف مسئولين جدد بإدارتها حتى يتحقق الأمن. ويقول عادل أن على الأغلبية في البرلمان أن تلتزم بتحقيق أهداف الثورة وهي العيش في "الحرية والعدالة الاجتماعية" و إلا فسيعترض الشعب عليها. لأن هناك أشخاصا في مصر يعيشون بالفعل تحت خط الفقر بكثير"