محامي الفقراء
أبو ذر الغفاري
إنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة -رضي الله عنه-، ولد في
قبيلة غفار، وكان من السابقين إلى الإسلام، وكان أبو ذر قد أقبل على مكة
متنكرًا، وذهب إلى الرسول ( وأعلن إسلامه، وكان الرسول ( يدعو إلى الإسلام
في ذلك الوقت سرًّا، فقال أبو ذر للنبي (: (بم تأمرني؟ فقال له الرسول (:
(ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري)، فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده
لأصرخنَّ بها (أي الشهادة) بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد ونادى بأعلى
صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
فقام إليه المشركون فضربوه ضربًا شديدًا، وأتى العباس بن عبد المطلب عم
النبي ( فأكب عليه، وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق
تجارتكم إلى الشام؟ فثابوا إلى رشدهم وتركوه، ثم عاد أبو ذر في الغد
لمثلها فضربوه حتى أفقدوه وعيه، فأكب عليه العباس فأنقذه._[متفق عليه].
ورجع أبو ذر إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم على يديه نصف قبيلة غفار
ونصف قبيلة أسلم، وعندما هاجر النبي ( إلى المدينة، أقبل عليه أبو ذر مع
قبيلته غفار وجارتها قبيلة أسلم، ففرح النبي ( وقال: (غفار غفر الله لها،
وأسلم سالمها الله) [مسلم]. وخصَّ النبي ( أبا ذر بتحية مباركة فقال: (ما
أظلت الخضراء (السماء)، ولا أقلت الغبراء (الأرض) من ذي لهجة أصدق ولا
أوفى من أبي ذر) [الترمذي وابن ماجه].
وكان أبو ذر من أشد الناس تواضعًا، فكان يلبس ثوبًا كثوب خادمه، ويأكل مما
يطعمه، فقيل له: يا أبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما
ثوبًا واحدًا لك، وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه جودة وقيمة، ما لامك أحد
على ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر: إني كنت ساببت (شتمت)
بلالاً، وعيرته بأمه؛ فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله (،
فقال لي النبي (: (يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية)، فوضعت
رأسي على الأرض، وقلت لبلال: ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي
بلال: إني سامحتك غفر الله لك، وقال (: (إخوانكم خولكم (عبيدكم)، جعلهم
الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما
يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [البخاري].
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحب الله ورسوله ( حبًّا كبيرًا، فقد روى أنه
قال للنبي (: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم،
فقال له النبي (: (أنت مع مَنْ أحببت يا أبا ذر) فقال أبو ذر: فإني أحب
الله ورسوله، فقال له النبي (: (أنت مع مَن أحببت) [أحمد]، وكان ( يبتدئ
أبا ذر إذا حضر، ويتفقده (يسأل عنه) إذا غاب.
وقد أحب أبو ذر العلم والتعلم والتبحر في الدين وعلومه، وقال عنه علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه-: وعى أبو ذر علمًا عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه
فلم يخرج شيئًا منه. وكان يقول: لباب يتعلمه الرجل (من العلم) خير له من
ألف ركعة تطوعًا.