يوم أمس (18/1) أعلنت صحف الصباح عن ميلاد مؤسستين جديدتين فى الساحة السياسية المصرية، إحداهما باسم المؤسسة المصرية للمسئولية الوطنية، والثانية باسم لجنة التوافق الوطنى. ومهمة الأولى ــ طبقا للكلام المنشور ــ هى مراقبة الأداء البرلمانى للنواب المنتخبين. أما الثانية فلها مهمة أخرى تتمثل فى وضع مواصفات أعضاء اللجنة التأسيسية التى ستتولى وضع الدستور الجديد.
صحيفة «الأهرام» اختارت لخبر المؤسسة الأولى العنوان التالى: «الأحزاب الإسلامية والليبرالية تتعهد بعدم السماح لأى فصيل بالسيطرة على البرلمان». أما صحفية «الشروق» فقد نشرت فى خبر تشكيل لجنة التوافق الوطنى أنها: ستتولى النظر فى المسودات المختلفة للدستور، وستقوم بإعداد مسودة نهائية تحظى بتوافق غالبية القوى والأحزاب السياسية، بحيث يتم تقديمها للبرلمان الذى ستعقد أولى جلساته يوم 23 يناير الحالى.
يثير الانتباه فى هذا الصدد أن ثمة جهودا سابقة فى ذات الاتجاه. أحدها تمثل فى محاولة تحديد إطار عمل لجنة الدستور من خلال ما سمى بالمبادئ الحاكمة له التى تضمنتها الوثيقة التى ارتبطت باسم الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء السابق. الجهد الثانى عبرت عنه وثيقة الأزهر التى اعتبرت مسعى آخر على تحقيق التوافق المستعصى، وأعلنها شيخ الأزهر فى بيان من 12 نقطة، بحضور رئيس الوزراء والبابا شنودة وممثلى مختلف القوى السياسية إضافة إلى المرشحين الممثلين لرئاسة الجمهورية.
ليس ذلك كل ما فى الأمر، لأن المجلس الاستشارى له جهد آخر فى محاولة تحقيق التوافق حول عضوية لجنة الدستور وحول مضمون الدستور، ومبلغ علمى أن الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس الاستشارى مكلف من قبل المجلس بهذا الملف، وقد أجرى اتصالات لهذا الغرض مع أبرز ممثلى القوى السياسية. ويفترض أن يعقد هؤلاء اجتماعا لهم يوم السبت (بعد غد) لمناقشة بنود التوافق المنشود.
عندى عدة ملاحظات على هذه الجهود تتمثل فيما يلى:
● إنها تعكس درجة عالية من عدم الثقة بين الأحزاب والاتجاهات المختلفة. فالثقة غير قائمة بين الأحزاب التى تعتبر نفسها ليبرالية وبين الأحزاب الإسلامية. كما أن هناك عدم ثقة بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
● إن القاسم المشترك بين أغلب الأحزاب والقوى التى تتحرك إنها تكاد تكون متفقة على الحد من نفوذ الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب.
● إن القوى الليبرالية ضعيفة التمثيل فى البرلمان هى التى تحرك أغلب هذه الأنشطة والتجمعات.
● إن الجميع مشغولون بمجلس الشعب ومنصرفون تماما عن المجالس المحلية التى هى أقرب إلى الناس، وأكثر تلامسا مع مشاكلهم الحياتية اليومية.
● إن النخبة المصرية فرضت خلافاتها وحساباتها على الرأى العام. بحيث تراجعت قضايا المجتمع الأخرى أمام أولوية مجلس الشعب وكيفية إعداد الدستور. الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول إن قضايا الوطن غيبت عن ساحة الحوار، وانشغل الجميع بـ«الخصم» الذى ارتأوا ضرورة حصاره وتضييق مجال حركته.
إن القوى السياسية نفضت أيديها من كل هموم المجتمع. الانفلات الأمنى وتدهور الوضع الاقتصادى، وأزمات البنزين والبوتاجاز والإضرابات الفئوية وقطع خطوط السكة الحديد. وأصبح شاغلها الأول والأوحد هو: كيف تعالج آثار تصويت أغلبية الناخبين لصالح مرشحى الإخوان المسلمين. كيف يواجه نفوذهم فى البرلمان، وكيف تغل يدهم عن كتابة الدستور، وكيف يأتى الدستور الجديد موافقا لهوى الأقلية. ثم كيف يراقب عمل المجلس، بحيث لا يترك الأمر للناخبين الذين اختاروا أعضاءه، وللإعلام الذى يتابع ممارساته بصفة يومية.
أدرى أن قطاعا عريضا من النخب ليس سعيدا بنتائج الانتخابات وبتصويت الأغلبية. وأن هؤلاء يثيرون المشاعر ويعبئون الرأى العام ضد تلك النتائج من خلال الأبواق الإعلامية التى يتحكمون فيها، وهو ما لا أستغربه، خصوصا أن موقفهم الراهن هو ذاته كان موقفهم فى عهد الرئيس السابق. لكن الذى أستغربه حقا أن يقدم هؤلاء أنفسهم باعتبارهم ديمقراطيين وليبراليين.