مجدي الجلاد
.. إلى كل من يجلس فى بيته خائفاً مما يحدث.. إلى كل من يرمق
ابنه الشاب بنظرة لوم وعتاب.. إلى كل مصرى سيخرج اليوم لبناء مستقبل أفضل..
ضع الصحيفة جانباً الآن، وأطلق خيالك معى لقراءة هذه الصورة..!
فى يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ خرج ٤ آلاف متظاهر استجابة لدعوة احتجاجية على
الـ«فيس بوك».. أعضاء حركة كفاية تمركزوا أمام دار القضاء العالى.. بعض
الناشطين تظاهروا على سلالم نقابة الصحفيين.. مفكرون وقيادات حزبية نظموا
وقفة احتجاجية أمام «دار الحكمة» بقصر العينى.. قوات الأمن تحاصر
المتظاهرين، وتنجح فى فض الاعتصامات، وتلقى القبض على ٦٣ شخصاً، وإصابة ٣٤،
والداخلية تصدر بياناً يؤكد تلقى المتظاهرين تمويلاً من الخارج..
والمنظمات الحقوقية تصدر بيانات تنديد بقمع التظاهرات..!
٢٨ مارس ٢٠١١.. الرئيس حسنى مبارك يلقى خطاباً أمام مجلسى الشعب والشورى،
ويمنح العاملين فى الدولة علاوة إضافية ١٠٪، استجابة لتوصية لجنة السياسات
فى الحزب الوطنى برئاسة جمال مبارك.. والحزب الوطنى يطلق حملة شعبية لمنح
الشباب فرصاً أوسع فى المؤسسات والحياة السياسية، وجمال يتولى تشكيل ورئاسة
أمانة الشباب الجديدة فى الحزب، ويتحدث فى برنامج «مصر النهارده» على شاشة
التليفزيون المصرى حول المستقبل الذى يحتاج لعقول وسواعد الشباب..!
٢٨ يونيو ٢٠١١.. تصحو مصر على أنباء متواترة تؤكد اعتزام مبارك الأب توجيه
خطاب للأمة خلال ساعات قليلة.. تمر اللحظات ثقيلة وسط موجة التكهنات.. وفى
المساء يظهر «مبارك» دون رتوش وعلامات الإجهاد والشيخوخة تكسو وجهه.. يقف
الرجل الطاعن فى السن ليقول «لقد منحت الوطن عمرى وضحيت من أجله فى جبهة
القتال وميدان البناء والتنمية.. وقد حان وقت الراحة.. أشارك فى مسيرة
التقدم والنهوض مواطناً مخلصاً.. وكما منحتمونى شرف خدمة الوطن أترك للشعب
العظيم اختيار من يتولى المسؤولية فى المرحلة المقبلة.. وسأكون فى خدمة مصر
بالمشورة والجهد.. والله الموفق»..!
يحشد الحزب الوطنى مئات الآلاف فى الشوارع والميادين بهتافات واحدة: «يا
مبارك يا طيار.. مين غيرك هنختار».. «يا زعيم يا زعيم.. إزاى نشيل من مصر
الميم».. ورغم الهتافات والتوسلات يصر «الزعيم» على التقاعد.. ويجوب السؤال
خريطة مصر: «يا ترى الحزب الوطنى هيرشح مين؟!».. يخرج صفوت الشريف
بتصريحات حازمة: «نحن نعيش أزهى عصور الديمقراطية.. والحزب لديه مؤسساته..
والاختيار سيتم بأصوات وإرادة القواعد».. لا تمر أيام حتى تختار «القواعد»
رمزاً للشباب والحيوية.. شاب يحمل ملامح ملايين الشبان فى مصر.. اسمه «جمال
مبارك».. وكله بالديمقراطية..!
مجلس الشعب يبارك الخطوتين: خطوة الأب بالتقاعد.. وخطوة «الابن» باستكمال
مسيرة الإنجاز والديمقراطية.. الصحف القومية تكتب: يوم ولدت أيها الزعيم
يوم ولدت مصر.. مبارك رجل لهذا الزمان.. العالم يرفع القبعة للزعيم..
أوباما وقادة الغرب يتعلمون الديمقراطية من أم الدنيا.. هذا الشبل من ذاك
الأسد.. الولد سر عظمة أبيه.. الصحف المستقلة والمعارضة تصرخ: توريث..
تهجيص.. مسرحية.. والبرامج التليفزيونية تحلل: هل هذا توريث؟.. والخبراء
يملأون الدنيا كلاماً.. وحفنة من النشطاء يتظاهرون وسط أمواج الأمن
المركزى..!
الإخوان المسلمون يصدرون بياناً «نحن نرحب بالإفراج عن قيادات الجماعة من
السجون.. ولكننا نتابع عن كثب ما يحدث.. ونتمنى أن تجرى انتخابات الرئاسة
بديمقراطية وشفافية».. أحزاب المعارضة: «سنرشح وجوهاً وطنية فى مواجهة جمال
مبارك وندعو الحكومة لإجراء انتخابات نزيهة».. الكنيسة: «جمال ابن بار..
وعلى كل قبطى اختيار من يراه صالحاً لقيادة الوطن».
٢٨ نوفمبر ٢٠١١: «يعنى النهارده»: جمال مبارك يفوز بالرئاسة فى أزهى أيام
الديمقراطية.. إجماع شعبى بنسبة ٧٨.٣٪.. ومصر الشابة تبدأ عصر الانطلاق..
«جمال» يكلف المهندس أحمد عز بتشكيل الحكومة.. شيخ الأزهر والبابا والوزراء
ونواب البرلمان والقادة العرب والأجانب يرسلون برقيات تهنئة للرئيس
الجديد..!
افتح جفونك.. واقلب الصورة.. ثم اسأل نفسك بشفافية: هل كنت ستشعر أنك رجل..
ضع الجريدة جانباً مرة أخرى واطبع قبلة شكر وامتنان على جبين ابنك الشاب،
ثم اقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء الذين أعادوا إلينا رجولتنا.. ثم مارس
رجولتك ووطنيتك اليوم فى صندوق الانتخابات..!
*نقلا عن صحيفة "المصري اليوم"