لتتحمل الأغلبية الصامتة مسؤوليتها إذن من اليوم..
أستطيع أن أؤكد أن المجلس العسكرى لن يأتى بحكومة إنقاذ وطنى (أتعجب ممن
يستخدم هذا التعبير صفة لحكومة كمال الجنزورى، فكيف بالله عليكم تكون هذه
هى حكومة إنقاذ وطنى بينما يرفضها الثوار والثورة شكلا ومضمونا؟!)، هى
حكومة جديدة وصفها الأقرب هو «حكومة المشير» أو «حكومة المجلس العسكرى»،
رضى عنها الإسلاميون لأنهم بصدد تغييرها بعد أقل من شهرين وسكت عنها الشارع
الملول المتوتر لأنه زهق وعايز أى حاجة تخلّصه، وسيظل الثوار ضدها حتى
تتغير مهما بدت نيات الجنزورى حسنة وهمته مهمومة بالبلد، إلا أن هذا لن
يجعل منه أبدا رئيس حكومة ثورة أو إنقاذ وطنى، ويا ليته يستطيع فى شهرين أن
يجعلها حكومة تسيير أعمال أو أحوال أو حكومة تهدئة أهوال!
لكن لماذا لن يأتى -كما قلنا منذ اللحظة الأولى- المجلس
العسكرى بحكومة إنقاذ على رأسها مطلب الثورة الأول وهو الدكتور محمد
البرادعى؟ يكفى أن تتذكر الشتائم والسباب والهتاف ضد البرادعى من هؤلاء
البلطجية الذين هاجموا ميدان التحرير وهجموا على ثواره فى موقعة الجمل، ثم
تربط هذا بالهتاف الذى جلجل فى ميدان العباسية من أنصار المجلس العسكرى
ومؤيديه، حيث صرخوا «المشير حبيب الله والبرادعى عدو الله»، ولا أعرف هل
ينزل على هؤلاء وحى من السماء يخبرهم بحبيب الله وعدوه! لكنه على العموم
إفصاح عن مستوى الكراهية المحموم الذى جعل بلطجية مبارك يسبون البرادعى
ومؤيدى المجلس العسكرى يلعنونه، إذن الماعون واحد، والمجلس لن يستجيب
للثورة ولا للثوار بتعيين البرادعى لأنه يعرف استقلالية الرجل وقدراته
وقوته وطريقته فى التفكير والتصرف وهى صفات أبعد ما تكون عن إراحتهم، وهى
طريقة تفكير أبعد ما تكون على قدرتهم على فهمها واستيعابها، ومن تعامل مع
مبارك عشرين عاما فمن المستحيل أن يقدر على التعامل مع البرادعى عشرين
ساعة!
من وجهة نظر المجلس فالدكتور كمال الجنزورى مننا وعلينا،
ولا حاجة إليهم فى حكومة يرأسها رجل ليس منهم ولا عليهم، بل هو غريب جدا عن
ثقافتهم ومرتبط تماما بالثورة ولصيق بشبابها وقواها الحية!
ما العمل الآن؟
المنزعجون من الثورة أو من مسارها، والرافضون للبرادعى
ومؤيدوه معا، والمرتبكون القلقون من وضع البلد، والخائفون على أنفسهم
وعيالهم والباحثون عن استقرار وهدوء والطامحون إلى المستقبل الكريم للبلد
ولأولادهم، والساعون لتغيير الوطن ليتقدم ويتطور، واليائسون المحبطون،
والمتفائلون الحالمون، عليهم أن يعرفوا أن لا شىء يفعلونه الآن إلا
المشاركة فى الانتخابات!
هذه انتخابات مفترض أنها حرة ونزيهة وهى بالتأكيد لن تكون
مثالية لكنها لن تكون كذلك انتخابات تشبه انتخابات عصر مبارك التى كانت
مزورة ومزيفة مئة فى المئة. سيشوب الانتخابات بعض الفوضى وكثير من
العشوائية وقليل -بإذن الله- من العنف (ربنا يسلّم ويصدق ظن ووعد القائمين
على تأمينها فتأتى أقل مما نتصور عنفا وأكثر مما نتمنى أمانا)، لكنها ستحمل
الحد الأدنى من انتخابات تعبر عن صوت الناخب المصرى، رغم أن اللجنة العليا
للانتخابات لم تقدم لنا أى أمارة على أنها صاحبة يد عليا أو كلمة عليا
إطلاقا وتركت الدين يتدخل فى الحملات الانتخابية كما يشاء رجال الأحزاب
الدينية واضطربت وتناقضت فى قرارات كثيرة وتأخرت وعجزت عن قرارات أكثر،
وتخبطت وتعثرت وتلعثمت فى خطواتها وإدارتها، كما أنها لا تملك إلا الحديث
فى التليفون والتليفزيون والمؤتمرات الصحفية ولا ولاية لها جادة على مسار
العملية الانتخابية، كما أن جلوس رئيسها بجوار عضوين من المجلس العسكرى فى
مؤتمر صحفى كان أكبر دليل على أنها لا مستقلة ولا يبدو أنها تعرف تستقل،
هذا لو كانت تريد فعلا أن تستقل، ومع ذلك أهى أحسن من سابقتها؟ وصحيح أن
الانتخابات تأتى فى أجواء غير ديمقراطية بالمرة، حيث هناك حرية تعبير وحرية
تظاهر وحرية غضب واحتجاج، لكن هذا كله لا يعنى أن هناك ديمقراطية، فصناعة
القرار لدى المجلس العسكرى عشوائية ومرتبكة ومهزوزة وبلا خبرة سياسية ولا
خيال جديد وبانفراد بحق التشريع دون إرادة القوى السياسية وفرض قوانين
بائسة ومشوهة ولا تعطى فرصة بناء ديمقراطية حقيقية، ولم تنجح مكالمات
لواءات المجلس العسكرى ومداخلاتهم التليفونية فى المحطات التليفزيونية فى
إخفاء حقيقة أن المجلس فشل فى قيادة المرحلة الانتقالية، وهو فى تصميمه على
الاستمرار فى سياسة الانفراد والانعزال والعناد والاستئثار بصناعة القرار
والاستخفاف بالثورة والثوار لا يجعل أمام شباب ورجال وقوى الثورة إلا ثلاثة
أمور:
الأول: سحب شرعية الثورة عن المجلس وقيادته والتعامل مع بقائه فى إدارة البلاد بنظرية الدولة المملوكية وهى «الحكم لمن غلب»!
الثانى: الالتفات إلى معركة الانتخابات وخوضها بالمشاركة
الفاعلة والكاملة حتى تكون هى المخرج الآمن للثورة من احتكار المجلس
العسكرى لإدارتها.
الثالث: أن تدعو ربنا يستر على البلد دى!