لم تعد المشروعات الضخمة، التى روج لها الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورئيس
الوزارة الحالى كمال الجنزورى، "صروحًا للصناعة والزراعة"، بل أصبحت تلك
المشروعات القومية الخمسة التى شرع "الجنزورى" فى تنفيذها، عامى 1997
و1998، أثناء رئاسته لمجلس الوزراء فى عهد الرئيس المخلوع أكبر خسارة
اقتصادية تحملتها خزائن الدولة خلال السنوات الماضية، وهى مشروعات توشكى
وشرق العوينات وترعة السلام وغرب خليج السويس وشرق التفريعة، فبعد سنوات
طويلة كشف تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات أن تلك المشروعات قامت بدون
دراسة جدوى حقيقية، لهذا انتهى المشهد بفشلها جميعًا بعد إهدار عشرات
المليارات دون محاسبة لأى من المسئولين عنها.
وبالعودة إلى تلك المشروعات، يأتى مشروع توشكى على رأس القائمة باعتباره
"الهرم الرابع"، كما أُطلق عليه وقتها، والمشروع الأكثر ضخامة من حيث
الإهدار والفشل الذى لاحقه، حيث أنفق القائمون عليه 5.6 مليار جنيه لزراعة
2.4% من المساحة المستهدفة، فضلاً عن أنه أول المشروعات التى استهل بها
الجنزورى حكومته مدعومًا من مبارك آنذاك، حيث بدأ فى عام 1997، وكان من
المقرر الانتهاء من العمل به فى عام 2017، مما يعنى أنه من المفترض أن يكون
مشروع توشكى الآن قارب على الانتهاء، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يحقق
المشروع أية فائدة أو أى عائد اقتصادى، بل تم إنفاق الـ6.5 مليار جنيه
عليه، فيما بلغت جملة المساحة المنزرعة فى عام 2008 فقط 13 ألفًا و200
فدان، من إجمالى 540 ألف فدان، أى بنسبة 4.2%.
كما أشار تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات إلى أن مشروع توشكى لم يبدأ
بدراسة جدوى، حيث جرى إعداد دراسة الجدوى بعد عام من البدء فيه، أى فى عام
1998.
التجاوزات بدأت فى مشروع توشكى بمجرد أن منحت الحكومة لشركة المملكة
للتنمية الزراعية، المملوكة للوليد بن طلال، مساحة 100 ألف فدان بمبلغ 50
جنيهًا للفدان وبالتقسيط، إلا أنه بعد ثورة 25 يناير أقيمت ضد الوليد دعوى
قضائية، انتهت بتنازل الأمير السعودى عن 75 ألف فدان محتفظًا فقط بـ25 ألف
فدان، منها 15 ألفًا بحق الانتفاع.
توشكى كغيره من تلك المشروعات التى ظلت دائمًا تؤرق الكثير من الاقتصاديين
ونواب المعارضة فى البرلمان، والذين دأبوا على تقديم الاستجوابات للحكومة
حول فشل المشروع وإهدار المال العام.
الدكتور فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، قال إن ما تم
إنفاقه فى مشروع توشكى كان الأولى به أن ينفق على مشروع التنمية فى سيناء،
حيث إنها الأقرب للكتلة السكنية، ويسهل الوصول إليها، مشيرًا إلى أن
الدراسات فى فترة الستينيات0 عن توشكى أثبتت صعوبة نجاح المشروع، ولكن
لأسباب لا نعرفها واصلت الحكومة المصرية المضى فيه إلى أن وصلنا لهذه
النتيجة، وهى أنه وبمرور ما يزيد على 10 سنوات لم نجن أية ثمار.
وأضاف أنه سبق أن سأل أحد المسئولين بوزارة الرى عن دراسة الجدوى للمشروع،
فأفاده بأن الدراسة أجراها البنك الدولى، إلا أن "عبد الفتاح" أكد أنه
بالبحث لم يجد أية دراسات لمشروع توشكى، وأوضح أنه حين يقول الجهاز المركزى
للمحاسبات إن هناك إهدارًا للمال العام فلا بد من تحويل الأمر للنيابة
العامة، وأن أى تقصير فى تنفيذ ذلك هو تقصير فى خدمة الوطن.
ولم يختلف مشروع شرق العوينات عن مصيره سابقه، فالعوينات بدأ الشروع فى
تنفيذه عام 1998، ويبلغ إجمالى مساحة المشروع 528 ألف فدان، مقسمة على 22
قطعة، كل قطعة يتم زراعة 10 آلاف فدان فقط منها، بحيث يصبح إجمالى الأفدنة
المنزرعة 220 ألف فدان، وباقى المساحة تترك كحزام أمان لخزان المياه الجوفى
الذى أشارت دراسات علمية إلى وجوده فى تلك المنطقة، لم يستصلح أو يعد
للزراعة منها سوى 46.239 ألف فدان، تمثل 21% من إجمالى مساحة المشروع
البالغة 220 ألف فدان، من إجمالى المساحة المستهدفة، حسب تصريحات سابقة
للدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب الأسبق.
مشروع العوينات شهد مناقشات حادة فى مجلس الشعب، أشهرها الاستجواب الذى
قدمه الدكتور جمال زهران عام 2009 بعنوان فشل مشروع شرق العوينات وإهدار
المال العام، حيث اتهم "زهران" الحكومة بالإهمال والفساد وإهدار المال
العام فى المشروع، حيث تم تخصيص 220 ألف فدان لـ20 مستثمرًا فقط بالأمر
المباشر وبقيمة 50 جنيهًا للفدان، فضلاً عن فشل المشروع فى تحقيق أى مستهدف
منه منذ 98 حتى نهاية 2007.
وأشار النائب إلى مجاملة شركة وادى كوم أمبو؛ حيث تم إدراجها ضمن الشركات
الجادة، برغم أنها لم تقم بتنفيذ أى أعمال جديدة، ولم يتم تنفيذ سوى 25%
فقط من الآبار والمساحات المحيطة، وطالب الدكتور زهران بإعلان اسم النائب
الذى تدخل وقدم طلب إحاطة لمد المهلة لشركة كوم أمبو، وشهدت هذه الجلسة
قيام أحمد عز (أمين التنظيم بالحزب الوطنى السابق والمحبوس حاليًا بسبب
ارتكاب جرائم فساد)، بحشد نواب "الوطنى" المنحل ضد مطلب المستجوبين، ومن
ضمنهم جمال زهران، حيث رفض فلول "الوطنى"، وقتها بالطبع، سحب الثقة من
الحكومة ورفض ما جاء فى الاستجوابات المناهضة لتلك المشروعات وفشلها، وظل
زعيم الأغلبية آنذاك النائب عبد الأحد جمال الدين يدافع عن الحكومة بقوله "
يجب ألا يستغل ذلك فى تشويه صورة مصر"، مضيفا أن هناك جهدًا يبذل فى هذه
المنطقة، بل ويجب شكر وزير الزراعة على هذا العمل العظيم، حسب قوله.
فيما بدأ مشروع شرق بورسعيد، أو مشروع شرق التفريعة كما يُطلق عليه البعض،
عام 1998 كأحد المشروعات القومية الكبرى التى تبنتها الدولة، وأخذت الأقلام
تمدح فى صانعها، باعتباره خطوة نحو مستقبل أفضل، وسيضع مصر على خريطة
الملاحة العالمية، ومحط أنظار كبرى الشركات الصناعية العملاقة، إلا أن ما
حدث فعليًا هو هجرة المستثمرين ورجال الأعمال لهذه المنطقة المواجهة
للتفريعة الشرقية لقناة السويس، التى تعد حلقة الوصل بين القارات الثلاث
"أوروبا وأفريقيا وآسيا".
كان الهدف من مشروع شرق التفريعة، الذى يبلغ 220 كيلو مترا، هو أن يكون
ميناء محوريًا عالميًا، وبمجرد الانتهاء من المرحلة الأولى منه والشروع فى
استكمال المشروع العملاق الذى يضم عددًا آخر من المشروعات الصناعية الكبري،
فوجئ الجميع وبدون سابق إنذار برفع حكومة أحمد نظيف يديها عن إدخال وتوصيل
البنية الأساسية للمنطقة الصناعية، والأدهى هو إرسال البنك المركزى فى عام
2000 خطابًا إلى كافة البنوك، بأن وزارة الإسكان أجرت دراسة بشأن مدى
صلاحية منطقة شرق بورسعيد، لإقامة مشروعات صناعية وخدمية، وأكدت الدراسة أن
من الأفضل اقتصاديًا ومعماريًا العدول عن هذا المشروع.
ويبقى مشروع غرب خليج السويس لتكتمل القائمة، ويكفى الإشارة إلى تشكيل
حكومة الدكتور عصام شرف لجنة من وزارتى الصناعة والبترول ومحافظة السويس،
من أجل سحب 32 مليون متر مربع بمنطقة شمال غرب خليج السويس، نظرًا لعدم
جدية المستثمرين فى مشروع مر عليه حتى الآن 13 عامًا، وكان يهدف لإنشاء 490
مصنعًا المفروض أن تحقق 250 ألف فرصة، حيث لم يتم إنشاء سوى 16 مصنعًا
تقريبًا.
وحسب تصريحات اللواء محمد عبد المنعم هاشم، محافظ السويس، أصبحت هذه
الأراضى مخالفة نتيجة عدم استغلالها من قبل المستثمرين الذين اشتروها
بالمخالفة لبنود التعاقد، مشيرًا إلى أن هذه الأراضى تم شراؤها ولم توضع
فيها طوبة واحدة.
فيما حمل الدكتور عبد المنعم عمارة، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة
الأسبق، الدكتور الجنزورى الفشل الذى آلت إليه تلك المشروعات، قائلاً
لـ"اليوم السابع" إن هذه المشروعات لم تفعل شيئًا من أجل مصر، وإنما كان
الهدف منها هو إرضاء الحاكم، ولكى يظهر مبارك أمام العالم بأن فى عهده
تأسست أعظم المشروعات شرع الجنزورى فيها دون دراسة حقيقية لها ولمخاطرها
على الاقتصاد القومى، مضيفًا أن الجنزورى وقتها كان يسعى للاستمرار فى
الحكم لهذا حاول إرضاء الرئيس المخلوع بشتى الطرق، فأصبحت النتيجة تحت
الصفر.
وتساءل "عمارة" قائلاً: "هل يعقل أن يدخل رئيس وزراء فى 5 مشروعات كبرى فى
آن واحد؟!، لهذا فإن اختيار الجنزورى فى تقديرى الخاص أمر غير موفق، لأنه
يشبه إعادة إحياء الموتى مرة أخرى"، مؤكدًا أن تلك المشروعات كانت سببًا فى
خراب مصر والاقتصاد القومى، حيث ارتفع وقتها سعر الدولار إلى 6 جنيهات
ونصف الجنيه تقريبًا.
ويتفق معه الدكتور شريف حسن قاسم، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية
السادات وأمين عام اتحاد النقابات المصرية، قائلاً بأن هذه المشروعات لم
تأتِ سوى بكبار المحتكرين الذين ساعدهم الجنزورى، ومن جاءوا خلفه سمحوا
لأمثال أحمد عز باحتكار أراضى هذه المشروعات، دون وجه حق.
وأضاف "شريف" قائلاً "ماذا سيفعل الجنزورى الآن بعد فشل المشروعات الكبرى
التى نادى بها وأتت بالخراب على مصر؟ ماذا سيفعل فى حكومة الثورة ولم يستطع
معارضة مبارك ولم يكن مناضلاً أمامه من أجل مصر؟".