الخيال الجديد يجب أن يصل إلى الحكم.
هذه هى المسألة، وهى أصل المعضلة التى نعيشها وسبب الحيطة السد التى وصلت إليها مصر مع المجلس العسكرى!
لم
تكن المشكلة فى أن الجنرالات فى المجلس العسكرى أو الوزراء فى الحكومة
كانوا فاشلين فى إدارة البلاد فقط.. بل القضية الحقيقية أنهم كانوا من خيال
قديم ليس له، أو على الأقل لم يعد له، أى علاقة بهذا الواقع الجديد الذى
يحياه بلدنا!
مصر فى ثورة على ماضيها القريب البليد والسقيم الذى
هبط بها من مكانتها السامقة المفترضة إلى ترتيب متخلف فى قائمة الأمم.. لو
اختار المجلس العسكرى -بطريقته فى التفكير- حكومة مثله، ولو جاءت حكومة على
طريقة «إنهم ناس محترمة ووطنية ومتخصصة» يبقى كلام فاضى ولن يتغير شىء ولن
نتقدم، كما أننا لن نتأخر لكننا ساعتها حننشلّ!
البلد تغير.. أو
بالحد الأدنى تمرد على قديمه ولن يتم حكمه على قديمه، الشعب اختلف فقد ثار
على الفساد والاستبداد فى ٢٥ يناير وثار على الخيال القديم فى ٢٢ نوفمبر.
مصر
تحتاج الآن إلى حكومة بخيال جديد وطريقة تفكير جديدة وطموحات جديدة.
الشباب لم تعد لديه أهداف بل صارت لديه أحلام. لا يمكن أن توافق وتقبل
بالحلول النص نص، ولا بالتحايل والمحاولة ولا بالرضا بالقليل ولا بالنظرية
المغموسة فى الضعف على شاكلة «إحنا كنا فين وبقينا فين؟»، ثم إنه شعب يبدو
فى هذه اللحظة وحتى سنوات مقبلة شعبا غاضبا حانقا متعجلا مَلولا منزعجا،
ومن ثم لن تنفع معه الطرق القديمة فى معالجة الأمور، يحتاج إلى حكم مختلف
مبادر سريع فى رد الفعل، قوى فى الاستجابة، مبادر ومقدام ومقتحم ويملك
حلولا مبدعة لا تخطر على دماغ عادى، وحاوٍ أحيانا ولاعب فى سيرك عند اللزوم
وفهلوى يستطيع بمصريته التى اخترعت وصلة الدش والإريال من غطا الحلة
والأستيك على بطارية الترانزستور ورسالة «كلمنى شكرا» والرنة على صاحبك
علشان كارت الشحن خلص ويركّب للتوك توك فوانيس «بيجو» وتربط البنت إيشارب
على بنطلون جينز قال يعنى محجبة ويعمل الكسرونة خوذة فى المظاهرات ويبيع
غزل البنات وحمص الشام بينما قنابل الغاز بتضرب الميدان، أن يحل ويربط بهذه
الروح المصرية العجيبة مشكلات كثيرة ويمنع بلاوى أكثر.
هذا الخيال
الجديد لن يأتى من صندوق مبارك الذى حبس فيه عقول الجميع سنوات داخل ثلاجة
حفظ موتى الخيال، اليابسين المتيبسين المسنّين لا بسنهم فقط بل مسنون
بتفكيرهم ووعيهم، ولن يخرج هذا الخيال الجديد أبدا ممن عاش وعمل فى دولة
مبارك ونظامه فتدرب على السمع والطاعة واربط الحمار مطرح ما صاحبه عايزه
وتؤمر يا باشا وتحت أمرك يا افندم وطبقا لتوجيهات وتحت رعاية وبناءً على
تعليمات واحترام الشرعية، شرعية إيه يا جماعة؟ وهل كان حسنى مبارك الذى
زوّر الانتخابات يملك شرعية، إلا إذا كانت شرعية التزييف والتزوير؟ وهذا
الغث الذى جعل الحاكم فرعونا والمسؤولين تحته عبيده وإماءه، أو بالكتير
خولى العزبة وكاتب حسابات سعادته وشيخ غفره، ولن يخرج هذا الخيال الجديد من
الأحزاب الأليفة مثل الوفد والتجمع والناصرى وأحزاب أمناء الشرطة التى
عاشت كالقطط على حِجر -ولن أقول تحت أرجل- جهاز أمن الدولة تتلقى تعليماتها
منه وتنفذ أوامر أصغر ضابط فى إدارة الأحزاب بجهاز أمن الدولة، هذه
الأحزاب برؤسائها الذين كانوا يعملون بإشارة من الإصبع الصغيرة من صفوت
الشريف، الذين يلتقيهم المجلس العسكرى حاليا ويجتمع معهم الفريق سامى عنان
كأنه لا يعرف تاريخ عمالتهم لأمن الدولة ولنظام مبارك، أو كأنه يحترم عملاء
داخلية مبارك، لكنه خيال قديم عند الفريق ومجلسه يلتقى خيالا قديما عند
هذه الأحزاب، وليس غريبا أن أكثر من يرتاح لهم المجلس العسكرى هم هؤلاء
الذين تعلموا العمالة لأجهزة أمن مبارك!
المصيبة فعلا أن المجلس
العسكرى وخياله القديم لا يكاد يعرف أن هناك خيالا جديدا ويصمم على تسليم
مصر، لا إلى أصحاب المستقبل، بل إلى الذين يقودون مصر إلى القرون الوسطى،
أو حتى إلى القرون من غير وسطى!