بذاكرة الأسماك، التي لا تستمر أكثر من ثوان معدودة، خرج علينا الدكتور
سليم العوا - المرشح المتحمل لرئاسة الجمهورية - بتصريحات مفاجئة وصادمة،
تخالف تماما كل المواقف التي تبناها الفقيه القانوني منذ تولي المجلس
العسكري للسلطة.
فقد فاجأ العوا الجميع في صباح مليونية "الفرصة
الأخيرة" بتصريح يعلن من خلاله تأييده للمجلس العسكري معتبره الأجدر على
إدارة شئون البلاد، وذلك بالمخالفة للخط الذي التزم به العوا منذ وصول
العسكري للحكم.
العوا قبل أيام، كان يرى أن "الأوضاع السيئة التي
تمر بها البلاد حاليا تعود إلى عدم التزام العسكري بمواعيد نقل السلطة التي
اتفق عليها"، ما دفعه لوصف العسكري بـ"عديم الخبرة السياسية" الذي فوجئ
بتولي شئون البلاد، وأضاع تسعة أشهر في خلافات ومناقشات لم تؤد إلى نتائج
مرضية، مطالبا بضرورة إسداء النصح له وانتقاده عند الخطأ، ومؤكدا أن
العسكري يعمل "بلا رقيب"، وأن "حالة من الضباب والغموض تحيط بتصرفاته"،
مطالبا الشعب المصري بممارسة كافة وسائل الضغط المشروعة من أجل وفاء المجلس
العسكري بوعوده وتسليم السلطة في فترة زمنية وجيزة - أقصاها أبريل المقبل،
قبل أن يقرر تعليق حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية اعتراضا على
"ضبابية" السياسة التي ينتهجها المجلس العسكري في إدارة شئون البلاد.
تحولات
العوا، لم تقتصر على موقفه من المجلس العسكري، بل امتدت لكمال الجنزوري
الذي كلفه المجلس العسكري رسميا بتشكيل الحكومة، بعدما صرح أنه يعتبر
الجنزوري "قيمة كبيرة" وأنه سيكون محل ترحيب من الكثيرين، مسقطا من حساباته
الثوار في ميدان التحرير الذين استقبلوا خبر تولي الجنزوري للحكومة بهتاف:
لا جنزوري ولا طنطاوي.. ثورتنا مش ناقصة بلاوي.
الوجه الجديد الذي
ظهر به العوا، جاء بعد ساعات يومين فقط من اجتماعه مع الفريق سامي عنان
رئيس الأركان، ورغم أن المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية طرد أكثر من مرة من
ميدان التحرير منذ بداية الأحداث الأخيرة، بعد محاولته إقناع الثوار
بإخلاء الميدان والعودة إلى منازلهم، وتجاهل اعتداء الداخلية على مصابي
الثورة، إلا أنه لم يجد حرجا في أن يجلس مع نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات
المسلحة للتفاوض حول مطالب المتظاهرين!
وكانت المفاجأة أنه اعتبر
الاجتماع "مثمر" وله نتائج طيبة تدعو أكثر إلى إخلاء الميدان بعد موافقة
المجلس على تشكيل حكومة إنقاذ وطني لتحقيق أهداف الثورة، فهل يعتبر العوا
وصول الجنزوري على رأس الحكومة هو حكومة الإنقاذ الوطني، أم دخول الثورة
للإنعاش؟ وجأة وجدنا العوا سعيد بتسليم السلطة لرئيس مدني قبل يونيو 2012،
رغم مطالبته المتكررة والمستمية لانتخاب رئيس الجمهورية في مدة أقصاها
أبريل 2012 ورغم تعبيره عن "قلقه الشديد" من امتداد العمليات الانتخابية
للبرلمان لمدة ستة أشهر من أكتوبر 2011 إلى مارس 2012!
وقال العوا
أن المجلس وافق على وقف الضرب بشكل فوري، ما يكشف أن المجلس هو من أصدر
الأوامر وهو المتورط الرئيسي، ورغم أن "الوقف الفوري" هذا استغرق 24 ساعة
كاملة سقط فيها المزيد من الشهداء والمصابين بعدما كثفت قوات الأمن هجومها
بشكل غير مسبوق بقنابل الغاز التي أكد العديدون أنها غاز أعصاب فيما يشبه
الحرب الكيماوية، إلا أن جرائم العسكري لم تثني العوا عن الوثوق "المفاجئ"
في قادته، ليخرج علينا بهذا التصريح الصادم بأن العسكري هو الأجدر على
إدارة شئون البلاد!
تصريحات العوا المفاجأة تحمل الكثير من
التحولات، والأكثر من الإشارات غير المفهومة للأغلبية، التي أرسلها لجهة
محددة ليعلن من خلالها عن موقف محدد، فما تفسير هذه الإشارات، وما هي الجهة
المرسلة إليها؟ سؤال قد نجد له إجابة قاطعة خلال الأيام القليلة القادمة،
مع استمرار إرسال العوا لإشاراته ومفاجآته.