عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سبعة
يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله فذكر الحديث وفيه: ورجل تصدق بصدقة
فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه متفق عليه.
هذا الخبر في
الصحيحين، وفيه: سبعة يظلهم الله في ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة
الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا
عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق
بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا
ففاضت عيناه قبل ذلك : ورجل قلبه معلق بالمساجد وفي اللفظ الآخر: إذا خرج
منه حتى يعود إليه فهؤلاء هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
وجاء في
معناه أخبار أخر ذكرها الحافظ وغيره، تزيد على السبعة، لكن هؤلاء هم رءوسهم
في الذين يظلهم الله في ظله، جاء في اللفظ الآخر، عند سعيد بن منصور وحسنه
الحافظ :{ يظلهم الله في ظل عرشه .
فإذا ثبت هذا الخبر يكون المراد
بالظل ظل العرش، وإلا فيكون الخبر على ظاهره، وفيه الشاهد هو قوله: ورجل
تصدق بصدقة فأخفاها أخفى الصدقة، فهذا يدل على أن الصدقة: حتى لا تعلم
شماله ما تنفق يمينه .. هذا هو رواية الصحيحين.
فيه رواية جاءت في
الصحيح: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله وهذا الخلاف في المتن، والصواب:
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ؛ لأن الإنفاق سن أن يكون باليمين، فهي
التي يكون بها الأخذ والإعطاء في الأمور المباحة، من باب أولى أن يكون
الأخذ والإعطاء في الأمور التي ورد فيها الفضل كالصدقة.
تصدق بصدقة
فأخفاها : وهذا يدل على أن الأفضل في الصدقة هو الإخفاء -صدقة التطوع-،
وحكي عليه اتفاق، كما قال –سبحانه { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }
وقالوا: إن هذا الذي ذكر في الآية يدل على أن المراد بالإخفاء في صدقة
التطوع، أما الصدقة الواجبة فالسنة إظهارها؛ حتى تكون واضحة، وتكون
الشعيرة واضحة وظاهرة فلا يكتمها الناس، هذا هو الأصل، أن صدقة التطوع
يكتمها الناس، وصدقة الفرض تكون ظاهرة، والتطوع أن يخفيها إلا إذا دعا داع
لإظهارها.
والصحيح أنه يشمل صدقة الفرض والتطوع، فإذا كان دعا أمر إلى
إخفاء صدقة الفرض فيخفيها، إذا كان هناك سبب يدعو إلى إخفائها، وإذا كان
هناك سبب يدعوه إلى إظهار صدقة التطوع فيظهرها، فالأمر مبني على المصلحة.
فلو
أنه أراد أن يتطوع بشيء من المال، دعي الناس إلى الإنفاق، فتطوع إنسان
بالمال وأظهر الصدقة؛ حتى يقتدي الناس به في ذلك، فهذا أمر مشروع.
وثبت
في الصحيح -صحيح مسلم- حديث جرير بن عبد الله البجلي، في: ذلك الرجل الذي
بشيء من المال فوضعه، فتتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام، أو قال: رأيت
كومين من طعام، فتهلل وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: من سن سنة
حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها
وجاء في معناها أخبار أخر تدل على هذا
المعنى، وفيه الاختيال في الصدقة، وهو أن يخرجها مغتبطا بها مظهرا لها؛
حتى يقتدي الناس به في ذلك.
والفرض إذا خشي من إظهارها الرياء، أو أن
يتهم بالرياء، أو ما أشبه ذلك -فإنه إذا خشي من ذلك أو من قالة الناس، فلا
بأس أن يخفيها، فالأمر مبني على المصلحة، فهذا هو الأصل في إظهار الفرض
وإخفاء التطوع، إلا إذا دلت المصلحة الشرعية عليه، كما هو مقتضى الأدلة.
وقد
ثبت في حديث عقبة بن عامر بإسناد صحيح عند أبي داود وغيره، أنه -عليه
الصلاة والسلام- قال: الجاهر بالصدقة كالجاهر بالقرآن، والمسر بالصدقة
كالمسر بالقرآن
هذا يدل على أنه جعلها كالجهر بالقراءة، وإلحاقها
بالجهر بالقراءة يدل على أنه حسب المصلحة، فالإنسان قد يجهر بالقراءة وقد
يسر، فإذا رأى المصلحة في الجهر جهر ويكون أفضل، وإذا رأى المصلحة في
الإسرار أسر ويكون أفضل.