الاستاذ الصغير عضو ذهبى
| موضوع: صيغة تكبير العيد المستحبة الجمعة 25 نوفمبر - 19:09 | |
| بقلم: د. سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر < < هذا الباب مخصص لاختيارات المصريين الفقهية في شتي المسائل والتي تثبت إطلاعهم علي مذاهب الفقهاء المختلفة وانتقائهم المذهب الذي يحقق مصالحهم ويرفع عنهم الحرج، دون التعصب لمذهب بعينه مطمئنين إلي صحة العمل بالمذهب المختار، كما يصحُ العمل بالمذهب المخالف له عند من يختاره لصدورهما من أهل الاجتهاد عملاً بعموم قوله تعالي "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" النحل: 43 وهذا يؤكد أن التعددية الفقهية من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ لرفع الحرج عن الناس عملاً بقوله تعالي: "وما جعل عليكم في الدينِ من حرج" - »الحج: ٨٧« < <
يتحقق تكبير العيد بجملة »الله اكبر« ولو مرة واحدة كما يقول ابن حزم؛ لقوله تعالي: »ولتكبروا الله علي ما هداكم« -البقرة: 185.. أما الصيغة المستحبة لتكبير العيد فقد اختلف فيها الفقهاء اختلافاً كبيراً، ويرجع السبب في هذا الاختلاف، كما يقول ابن رشد - إلي عدم ثبوت تحديد قاطع من الشرع في صيغة التكبير مع اختلاف السلف في ذلك، ويمكن إجمال أشهر أقوال الفقهاء في ذلك في المذاهب الخمسة الآتية. المذهب الأول: يري أن صيغة تكبير العيد المستحبة هي »الله أكبر الله أكبر الله أكبر« هكذا ثلاثاً بدون أي زيادة، فلا يذكر فيه التهليل والتحميد وإلي هذا ذهب الإمامان مالك والشافعي.. وحجتهم: ما روي عن ابن عباس وجابر والحسن أنهم قالوا في تكبير العيد »الله أكبر« ثلاثاً وقولهم هذا لا يكون إلا توقيفاً لحسن الظن بهم. ولأن التكبير شعار العيد فكان وتراً لأن الله يحب الوتر، كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: »لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحداً لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وإن الله وتر يحب الوتر«. المذهب الثاني: يري أن صيغة تكبير العيد المستحبة هي: »الله أكبر كبيرا« ثلاث مرات، ثم يقول الرابعة: »ولله الحمد«. وإلي هذا ذهب ابن عباس في رواية، وهو لا يقول ذلك إلا توقيفاً لحسن الظن به. المذهب الثالث: يري أن صيغة تكبير العيد المستحبة هي: »الله أكبر الله أكبر« هكذا مرتين، ثم يذكر التهليل والحمد هكذا: »لا إله إلا الله والله اكبر الله أكبر ولله الحمد« وإلي هذا ذهب الحنفية والحنابلة، وبه قال ابن المبارك إلا أنه زاد: »علي ما هدانا«، لقوله تعالي: »لتكبروا الله علي ما هداكم« الحج: 37. وحجتهم: ١- أن هذه الصيغة هي المأثورة عن الخليل إبراهيم صلي عليه وعلي نبينا وسلم تسليماً كثيراً، فقد أورد الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري أن إبراهيم لما هم بذبح إسماعيل قال جبريل: الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال إبراهيم: الله أكبر ولله الحمد. ٢- أن هذه الصيغة أثرت عن عمر وعلي وابن مسعود، وهم لا يقولون ذلك إلا توقيفاً لحسن الظن بهم.٣- أنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعاً كتكبير الآذان. ٤-أخرج الدار قطني بسند ضعيف عن جابر قال: كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إذا صلي الصبح من غداة عزمة يقبل علي أصحابه فيقول: علي مكانكم" ويقول: »الله أكبر الله أكبر - مرتين أو ثلاثا - لا إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد«. المذهب الرابع: يري أن صيغة تكبير العيد المستحبة هي: »الله أكبر الله أكبر الله أكبر« هكذا ثلاثاً لتحقق الشعيرة، ثم يزيد بحسب اختياره التحميد والتسبيح والتهليل والإخلاص والتصديق، فيقول : »الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر«. وإلي هذا ذهب الإمام الشافعي في كتابه الأم، وقال: وما زاد مع هذا من ذكر أحببناه له. وحجتهم: ما رواه الإمام الشافعي بسنده أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال ذلك علي الصفا. وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم عن جابر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - رقي علي الصفا حتي رأي البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: »لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده«. المذهب الخامس: يري أن صيغة تكبير العيد المستحبة هي: »الله أكبر الله أكبر الله أكبر«، هكذا ثلاثاً علي مذهب المالكية والشافعية، أو مرتين علي مذهب الحنفية والحنابلة، ثم يزيد إن شاء: »الله أكبر كبيراً والحمد الله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد وعلي أزواج محمد وسلم تسليما كثيراً«. وإلي هذا ذهب بعض الحنفية كما في مجمع الروايات شرح القدوري، ونص عليه المتأخرون من الشافعية كما هو اتجاه محمد بن عمر الجاوي وكلام الإمام الشافعي يتضمنه حيث قال بعد أن ذكر هذه الصيغة إلي قوله: »ولو كره الكافرون«، قال: وما زاد مع هذا من ذكر أحببته له. وحجتهم: أن عادة الناس جارية بإتيانهم بالصلاة علي النبي - صلي الله عليه وسلم - وآله وصحبه وأزواجه بعد تمام التكبير عملاً بظاهر الآية: »ورفعنا لك ذكرك« (الشرح:٤) وقد قيل في معناه: لا أذكر إلا وتذكر معي. قالوا: والأولي هو الأخذ بما عليه عمل الناس لاستناده إلي الأصول الشرعية في آداب الذكر دون الإساءة فيه. وقد اختار المصريون من أقوال الفقهاء في صيغة تكبير العيد المستحبة ما ذهب إليه بعض الحنفية والمتأخرون من الشافعية القائلون بالصيغة المطولة والتي فيها: »اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد وعلي أصحاب محمد وعلي أزواج محمد وسلم تسليماً كثيرا«. وترك عامة المصريين مذهب الجمهور الذي يري الصيغة القصيرة في تكبير العيد، ومنها ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة القائلون باستحباب: »الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد«، ومنها ما ذهب إليه الإمامان مالك والشافعي الذين قالوا باستحباب: "الله أكبر" ثلاث مرات فقط. وما ذهب إليه الإمام الشافعي في كتابه الأم من استحباب الصيغة المتوسطة التي تنتهي عند قوله: »وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر«، ومنها ما روي عن ابن عباس من استحباب: »الله أكبر كبيرا« ثلاث مرات، وفي الرابعة: »ولله الحمد«. ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور في هذه المسألة تجرؤا عليه، وإنما من باب استعمال حقهم الشرعي في الاختيار بما يريح قلوبهم مع إجلالهم للأقوال الفقهية الأخري، فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن وابصة بن معبد أنه جاء يسأل النبي - صلي الله عليه وسلم - عن البر والإثم، فقال - صلي الله عليه وسلم -: »يا وابصة استفت قلبك استفت نفسك البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك«. ويدل علي إجلال المصريين للأقوال الفقهية المختلفة ما توجه إليه قطاع كبير منهم في العقود الأخيرة من اتخاذ صيغة تكبير العيد المختصرة التي اعتمدها الحنفية والحنابلة، وهي: »الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد« دون إنكار من عامة المصريين الذين يرون صحة العمل بكل صيغة للتكبير في العيد دون تفسيق أحد أو تبديعه. |
|