تكررت أحداث، أمس الأول، أكثر من مرة، وتحول العديد من ميادين مصر وشوارعها إلى ساحات للمواجهة بين الشرطة والمتظاهرين، وكان العنف المفرط الذى استخدمته الداخلية سمة متكررة فى كل هذه المواجهات.
ويعد ما جرى يوم السبت فى ميدان التحرير كارثة حقيقية بكل المقاييس، فلا يوجد جهاز شرطة يتمتع بحد أدنى من الكفاءة يأتى لفض اعتصام لـ200 شخص فيحوله إلى مصادمات يسقط فيها 700 جريح وشهيدان؟.. هل هذا له علاقة بأى منطق أو عقل؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه الجريمة؟
إن ما سبق أن ذكرناه مرات ومرات على مدار الأشهر الماضية وبُحّ فيه صوتنا مع زملاء آخرين وكتبت فيه مراكز حقوقية وخبراء سياسيون حول أولويات إعادة هيكلة وزارة الداخلية وضرورة إجراء إصلاحات جذرية أسوة بكل تجارب التغيير فى العالم فى المؤسسات التى ستشرف على / ستؤمن العملية الانتخابية «الداخلية والقضاء»، لم يستجب المجلس العسكرى ولا الحكومة لأى من هذه الكتابات، وبقيت كل أجهزة الدولة ومؤسساتها تدار بالطريقة القديمة نفسها دون أى تغيير.
المجلس العسكرى أساء إدارة المرحلة الانتقالية ومازال مصرا على الإدارة بما يعرفه ويتصور أنه الصواب، والواقع يقول إن هناك تعثراً فى كل المجالات، والمسؤول عنه المجلس أولا والنخب والائتلافات السياسية ثانيا.
إن التخبط مازال سيد الموقف، ومؤلم ومدهش أن يطالب البعض المجلس العسكرى بتسليم السلطة فورا للمدنيين، وهؤلاء المدنيون لم يتفقوا على اسم شخص واحد تنقل له السلطة أو مسار واحد يكون هو طريقنا لتسليم السلطة.
فالمطلوب هو تسريع نقل السلطة لا نقلها فورا، كما يتصور البعض، لأن المطلوب وجود جهة تضمن تأمين الانتخابات، ولا توجد فى هذا التوقيت جهة أخرى إلا الجيش قادرة على ذلك، فلا القضاء ولا الداخلية ولا الحكومة قادرون على قيادة هذه المهمة، ولا يوجد حزب سياسى يتوافق عليه الناس للإشراف على العملية الانتخابية ويكون قادراً على تأمينها ويضمن نزاهتها. المطلوب ليس طرح شعارات للمزايدة وتحميس الشباب، من قِبَل مَنْ لم نسمع صوته مرة واحدة، ليطالب مبارك بترك السلطة، وفجأة وبسبب الرغبة المحمومة فى الوصول إلى السلطة أعلنوا انتهاء حكم المجلس العسكرى بعد أن كانوا من أشد حلفائه ومدافعين عنه بالحق والباطل.
موقف غريب أن يحشد الإخوان المسلمون أنصارهم فى مظاهرة الجمعة من أجل تسليم السلطة، فى الوقت الذى هم فيه من أشد المدافعين عن مسار آخر لتسليم السلطة من خلال الانتخابات البرلمانية أولا، بل هددوا كل من عارض هذا المسار بأنه يخون إرادة الشعب ونتائج الاستفتاء.
إن وجود قدم فى التحرير وقدم فى حسابات السلطة جعل الإخوان ينزلون يوم الجمعة ويتركون الشباب يوم السبت بمفرده فى ميدان التحرير فريسة لاعتداءات الشرطة.
خطورة هذه الحسابات المركبة أنها تبعدهم عن موقفهم الأصلى «الانتخابات أولا» ولا تضعهم مع موقف الثوار الدائم «الدستور أولا»، وتختار حسبة فى نصف الطريق تثير شكوك جمهور الاستقرار والثورة على السواء.
لا يوجد حل إلا حكومة إنقاذ وطنى تضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة، وتعوض ما فات من فشل وتعثرات، وتكون هى بداية الطريق لتفكيك إرث مبارك وعدم تنفيذ حرف واحد من وصيته.
