«حد عايز ثورة؟»، سؤال يكرره سائقو سيارات الميكروباص في مصر أو
مساعدوهم من «التبّاعين» على ركابهم بشكل دوري، وذلك عند الاقتراب من شارع
«الثورة» القابع في ضاحية الدقي. والسؤال رغم أنه يقصد «المكان»، فإن
الركاب يحيلون إجابته إلى «الزمان»، قاصدين بها ثورة «25 يناير».
«وهي فين الثورة؟.. الثورة ضاعت يا أسطى.. كل يوم إضرابات عمالية
ومظاهرات.. والبلد حاله بيتدهور يوم ورا يوم»، كلمات رددت داخل الميكروباص،
نطقها بنبرة يائسة رجل خمسيني يرتدي جلبابا. فيما يعلو صوت غاضب من خلفه
لشاب ثلاثيني: «يا حاج الثورة دلوقتي في غرفة الإنعاش.. كل واحد بيدور على
مصلحته والبلد بتغرق.. ومش عارفين راسنا من رجلينا». مشهد الإحباط
بانفعالاته المتداخلة تزايدت وتيرته بعد أحداث ماسبيرو، وأصبح يمتد إلى
وسائل النقل المختلفة، ويسمع كذلك في الأسواق والأندية والتجمعات، حيث
بإمكانك أن تستمع إلى كلمات على شاكلة: «الثورة ضاعت» أو «الثورة اتسرقت يا
جدعان»، مما يعكس شعورا غير إيجابي حول الثورة المصرية بعد مرور 9 أشهر
عليها، وبعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن رئاسة البلاد.
ويعلل المصريون أبطال هذه المشاهد هذا الشعور بأسباب مختلفة، كالعنف
والبلطجة، والمطالب الفئوية، والفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين،
وعدم سرعة الحسم والحكم في محاكمة مبارك ورجاله.
وهو ما يجمعه الشاب العشريني حسام بقوله: «شعور ضياع الثورة زاد مؤخرا
لأن الشعب لم يشعر بتغيير إلى الآن، فالفقير كما هو بل يزداد فقرا،
والموظف الذي استبشر بالثورة خيرا لم تنتعش أحواله، كما أن وسائل الإعلام
ما زالت سيئة وكل الأوضاع متردية تماما كعهد النظام السابق، والمحصلة حالة
من الإحباط تصيب المصريين».
تلك المشاعر في الشارع المصري لا تقتصر على فئة دون أخرى، فضياع الثورة
لا تجده فقط على ألسنة البسطاء، فالمثقفون والسياسيون يرددونه كثيرا هذه
الأيام وكل يسوق أسبابه.
شاعر العامية الشهير عبد الرحمن الأبنودي يرى أن «الثورة ضاعت من
المصريين لأن السياسيين في واد والشعب في واد آخر»، وتابع في تصريحات
تلفزيونية قبل أيام أن «الثورة المصرية ضاعت من المصريين بسبب عدم
الانتباه إلى مصلحة الشعب المصري والفقراء، ولا يشعر المواطن المصري
البسيط بأي تغيير على الإطلاق لأنه بعيد كل البعد عما يحدث تحت الغطاء
السياسي».
أما محمد علي بلال، المرشح المحتمل لرئاسة مصر، فصدرت صحيفة «الأخبار»
القومية قوله «الثورة اتسرقت»، معللا ذلك بالقول: «الثورة الحالية بلا
برنامج وبلا هدف واضح،لكونها من دون قيادة، ولذا تحاول قيادات من النظام
ومن نتاج النظام السابق تولي الأمر الآن، وهم من سرق الثورة ويحاولون
الاستفادة منها لتحقيق مآربهم».
في مرآة الطب النفسي، يسوق الدكتور أحمد البحيري، أستاذ الطب النفسي
بجامعة عين شمس، بعض الأسباب لتلك الحالة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»:
«المصريون غير متفقين على هدف واحد، ولا يوجد اتجاه عام يحدد هذا
الاتفاق.. وحماس الناس للثورة يختلف مع ما يشعرون به من عدم الإحساس
بالأمن وعدم الاستقرار وعدم تحديد الاتجاهات والأهداف المستقبلية، كما أن
السياسيين أنفسهم لم يحددوا اتجاهات بعينها يتفقون عليها، وهو ما يصب
مباشرة في سير الأمور في مصر بهذه الصورة القاتمة».